السياجة العربية
أعلنت وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) اشتراطات جديدة لوسائل الإعلام لتغطية أخبار الوزارة، تتمثل بتوقيع الصحفيين على تعهد بعدم جمع أي معلومات -حتى الوثائق غير السرية- إلا بعد الموافقة على نشرها، تحت ذريعة حماية الأمن القومي ومنع التسريبات، في حين رأت مؤسسات إعلامية ومنظمات حقوقية أنها سابقة خطيرة تمس جوهر حرية الصحافة والشفافية.
وبمقتضى القيود غير المسبوقة التي ستدخل حيز التنفيذ خلال الأسابيع القادمة، فإن البنتاغون سيمنع الصحفيين من دخول مبنى الوزارة، ما لم يوقعوا على ذلك، كما ستؤدي مخالفة التعهّد أو رفض توقيعه سحب تصاريح الصحفيين أو رفض اعتمادهم، ومن ثمّ حرمانهم من دخول مبنى البنتاغون.
وقال المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل إن الصحفيين يمكنهم دخول وزارة الدفاع فقط إذا وقعوا على مذكرة تفيد بأنهم لن ينشروا معلومات سرية، أو بعض الوثائق الأقل حساسية التي لا تحمل صراحة علامة “أسرار حكومية”.
وتضمنت المذكرة التي تقع في 17 صفحة بحسب تقارير صحفية اطّلعت على نصّها، اشتراط موافقة وزارة الحرب على المعلومات من خلال مسؤول في الوزارة، قبل نشرها، حتى لو كانت غير سرية، مشددة على عدم منح حق الوصول إلى المعلومات السرية المرتبطة بالأمن القومي، إلا للأشخاص المصرح لهم.
ووصفت الصحفيين المتاح لهم النشر بـ”الذين حصلوا على قرارات إيجابية بشأن أهليتهم للوصول إلى هذه المعلومات، ووقعوا على اتفاقيات عدم إفشاء معلومات معتمدة، ولديهم حاجة إلى معرفة هذه المعلومات”.
وبرر المسؤولون هذا الإجراء بأنه ضروري لأن أي إفشاء غير مصرح به “يشكل خطرا أمنيا قد يضر بالأمن القومي للولايات المتحدة ويعرض موظفي وزارة الدفاع للخطر”.
ووصفت الاشتراطات الجديدة بأنها أقوى إجراء حتى الآن لتقييد تغطية الصحفيين لأكبر وكالة اتحادية في أميركا، بالنظر إلى أنها ستمنح الوزارة سلطة تقديرية واسعة لاعتبار أي صحفي “تهديدا أمنيا”، الأمر الذي سيترك مساحة كبيرة للتطبيق الانتقائي وفق منتقدين.
اتبعوا القواعد أو عودوا إلى دياركم
وتأتي هذه الخطوة في إطار نمط متصاعد من القيود المفروضة من البنتاغون تحت قيادة وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي تربطه علاقة متوترة بمعظم وسائل الإعلام، في حين تمنح الشروط الجديدة البنتاغون حرية واسعة في تصنيف الصحفيين على أنهم تهديدات أمنية، وإلغاء تصاريح الدخول لمن ينشر معلومات تعتبرها الوزارة غير صالحة للنشر العام.
ومنذ توليه منصبه، بدأ وزير الدفاع بالتصعيد مع شبكات الإعلام الكبرى، حيث أمر بإزالة العديد من المؤسسات الإخبارية العريقة، بما في ذلك نيويورك تايمز وسي إن إن وبوليتيكو وإن بي آر، من مكاتبها المخصصة في البنتاغون.
وجاءت الشروط الجديدة وسط قمع الوزارة الجنود والمدنيين الذين سخروا من مقتل الناشط الأميركي تشارلي كيرك على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال هيغسيث في منشور له على إكس “الصحافة لا تدير البنتاغون، بل الشعب هو الذي يديره”، مضيفا “لم يعد مسموحا للصحافة بالتجول في أروقة منشأة آمنة، ارتدوا شارة واتبعوا القواعد، أو عودوا إلى دياركم”.
وكان للصحفيين إمكانية الوصول إلى الأماكن غير السرية في البنتاغون لتغطية تفاعلات الجيش مع العالم، ويشمل ذلك مكاتب وزير الدفاع، والأركان المشتركة، والخدمات المسلحة الست.
لكن هيغسيث فرض مزيدا من القيود، في مايو/ أيار الماضي، بعد أن واجه انتقادات واسعة بسبب مشاركته تفاصيل حساسة عن الضربات العسكرية الأميركية في اليمن على مجموعة دردشة في تطبيق “سيغنال”، حيث تمت إضافة صحفي إليها عن غير قصد.
وشملت القيود تحديد حركة الصحفيين في غرف الصحافة والكافيتريا وساحة الفناء في المبنى، كما اشترطت وجود مرافق من الوزارة للذهاب إلى أي مكان آخر.
استياء واسع
وأثارت مذكرة البنتاغون انتقادات من الصحفيين والهيئات المدافعة عن حرية الصحافة، حيث قال رئيس النادي الوطني للصحافة مايك بالسامو “هذا هجوم مباشر على الصحافة المستقلة في المكان الذي يكون فيه التدقيق المستقل أكثر أهمية”.
وأضاف “إذا كان يجب أن تحظى الأخبار المتعلقة بجيشنا بموافقة الحكومة أولا، فإن الجمهور لم يعد يحصل على تقارير مستقلة، إنه يتلقى فقط ما يريده المسؤولون، وهذا يجب أن يثير قلق كل أميركي”.
ونوه سيث ستيرن، المدير في مؤسسة حرية الصحافة، في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز بأن القانون يحظر على الحكومة مطالبة الصحفيين بالتنازل عن حقهم في التحقيق في شؤونها، مقابل الحصول على تصريحات أو أوراق اعتماد.
وقال ستيرن “هذه السياسة تعمل كقيد مسبق على النشر، وهو ما يعتبر أخطر انتهاكات التعديل الأول للدستور”.
وفي تعليقات لصحيفة واشنطن بوست، وصفت كاتي فالو، المسؤولة في معهد نايت للتعديل الأول للدستور بجامعة كولومبيا، السياسة الجديدة بأنها جزء من “هجوم إدارة ترامب الأوسع نطاقا على حرية التعبير وحرية الصحافة”.
وأعرب كونستانتين توروبين، مراسل وكالة أسوشيتد برس في البنتاغون، عن قلقه واستيائه من القيود الجديدة.
وقال توروبين في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “البنتاغون، الذي ادعى أنه يطمح إلى أن يكون الأكثر شفافية في التاريخ، يعود مرة أخرى إلى تقييد الوصول الأساسي للصحافة”.
واقترح الرئيسالأميركي دونالد ترامب مؤخرا معاقبة شبكات التلفزيون على “تغطيتها السلبية”، بعد انتشار ردود فعل واسعة النطاق على تعليق “إيه بي سي” برنامج جيمي كيميل الشهير، إلى أجل غير مسمى، بسبب قول الكوميدي المخضرم إن أنصار ترامب يسعون للاستفادة من مقتل تشارلي كيرك.
وفي حديثه على متن طائرة الرئاسة الخميس، قال ترامب -دون تقديم أدلة- إن “97% من الشبكات الأميركية الكبرى ضدّي”، مضيفا “يقدمون لي تغطية إعلامية سيئة فقط”، مؤكدا أنه ينبغي سحب تراخيص البث من المحطات نتيجة لذلك.