جليلة كلاعي ـ تونس
للحديث عن زاما المدينة التاريخية او كما يسمها البعض زَامَة الملكية، زاما ريجيا، جَامَة لابد من استقراء التاريخ من عدة جوانب للوقوف عن المحطات الحقيقية التي رسمت ملامح المنطقة. وقبل ذلك دعونا نعرف بهذا المكان.
تقع زاما على بعد 9 كيلومترات من شمال محافظة سليانة شمال غرب تونس وتحديدا على الطرف الشمالي لجبل مسوج. ، وهي منطقة أثريّة سميت بالملكية لأنها اتخذت عاصمة لأولى امراء قبائل النوميد الماسيل غايا و اخر امراء النوميد يوبا الأول
وقد تعرض اسم المدينة لعديد التغييرات.
عام 202 قبل الميلاد الفصل الأخير لملحمة حنبعل ظل لسنوات عدة محل خلاف بين العلماء والمؤرخين والباحثين في التاريخ القديم. فمنهم من أكّد دون تقديم أدلة قاطعة أن «زاما» ليست سوى مدينة جاما الاثرية الموجودة بولاية سليانة، بينما قدم آخرون مجموعة من الافتراضات وذكروا مواقع مثل مدينة 7 أبيار ومنطقة سيدي عمر الجديدي.
ولحل الاشكال القائم والعثور على أدلة كافية تحسم الخلاف قرر الباحث احمد الفرجاوي (من المعهد الوطني للتراث) اجراء حفريات على عين المكان بمساعدة فريق بحث متكون من طلبة ينتمون إلى المعهد.
وبعد دراسات وبحوث وحفريات انطلقت رسميا عام 1996 ولا تزال متواصلة إلى الآن تم العثور على نقيشة تثبت أن موقع جاما الحالي (بولاية سليانة) هو بالفعل زاما الملكية التي ارتبط اسمها بمعركة حنبعل ضد سكيبيو الإفريقي.
لماذا هذا الاهتمام بزاما؟ وإلى ماذا توصلت الحفريات؟ وما هي القيمة التاريخية للموقع ذاته؟ في العهد القديم وحسب نقيشة موجودة بالموقع الاثري كان يطلق على المكان اسم زمن ثم حذفت النون ليصبح اسمها زاما. وذكرت النصوص الاغريقية والرومانية اسم «زاما ريجيا» أي زاما الملكية. أما في اللغة العربية فقد تم استبدال الزاي بحرف الجيم لتتحول «زاما» إلى «جاما».
و تقدر الإشارة إلى أن زاما اتخذها يوبا الأول عاصمة لنوميديا وهي اخر عاصمة بعد حرب تبسوس الحرب الأهلية الرومانية و سقطت بعدها زاما بيد جوليوس قيصر و قتل يوبا من طرف الرومان و أهالي زاما و انتهت نوميديا سنة 46 قبل الميلاد
وكان الظاهر في الموقع قبل الحفريات صهاريج عمومية لتخزين المياه وعين ماء قديمة وبقايا حصن بيزنطي وجدران بنايات. وبعد القيام بالحفريات برزت إلى العيان عدة مواقع وآثار منها منزل روماني ومعبد يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد وقسم من الحصن البيزنطي ومنازل بيزنطية في أروقة المعبد.
تتفق الدراسات الـمتعلقة بالحرب الثانية الـمُسماة بالبونيقية (218-201 ق.م) على أن معركة “زاما” 202 ق.م مثلت آخر مواجهة في هذه الحرب الطويلة أين أنهت صراعا دمويا بين “روما” و”قرطاجة” بانهزام الأخيرة واجبارها على توقيع معاهدة السلام الـمعروفة بمعاهدة “زاما” 201 ق.م التي تضمنت بنودها إنهاء السيادة القرطاجية على الـمتوسط مع إثقال كاهلها الاقتصادي بتعويضات مالية كبيرة.
لكن هذا التصور حول حدوث الـمعركة يصطدم اليوم بقراءات وتصورات جديدة مفادها أن معركة “زاما” لـم تحدث إطلاقا وأنها أكذوبة من اختلاق الأسطوغرافيا الرومانية، وهذا بالاستناد على قراءة نقدية لـوثائق الـمعركة التي تتضمن ثغرات عديدة تقود نحو مراجعة جذرية لحقيقة حدوث الـمعركة ومعها بنود معاهدة “زاما”.
وهذه البيانات والاستدلالات تتضح من خلال ستة شواهد
1-إشكالية الـمصادر والرقابة الأدبية حول الحرب،
2-مجريات الـمعركة: أي منطقية تمتلك؟
3-تعارض الرواية (السردية) الرومانية مع الحقائق الأثرية.
4-هل المعركة والـمعاهدة من اختلاق “بوليبيوس”؟
5-محاولة إعادة تشكيل الوقائع أو الرواية البديلة المشكوك في امرها سنة 202 ق.م بين القرطاجيين والرومان.
لايتسع المجال هنا للخوض في كل هذه المسائل المتشابكة ويبقى المجال مفتوحا أمام المؤرخين لاستبيانه وتوضيحه والتقدم في الحفريات للوقوف على بعض الحقائق
موقع زامة الأثري يحتوي على مخزون اثري شاهد على تعاقب عدة حضارات تخول إرساء برنامج اقتصادي مندمج رائد يساهم في خلق ديناميكية كبيرة على المستويين المحلي والجهوي ويحتوي على مناطق طبيعية متنوعة وغطاء غابي فلماذا لا يتم احداث قطب اثري وسياحي تتركز حوله عدة مشاريع صغرى ذات الصلة به سواء حي منطقة جامة أو في المواقع الاثرية المكونة للمسلك السياحي ويتمثل في مواصلة ابراز وتثمين اثار زامة القديمة للإسهام في تنمية منطقة جامة فضلا عن استغلال موارده الطبيعية اذ تتميز ولاية سليانة بموقع جغرافي استراتيجي هام تتوسط من خلاله 7 ولايات وتمثل بالتالي نقطة عبور بين الشمال الغربي والوسط والساحل.