آخر الأخبار

“تيمقاد” نافذة على العمارة الرومانية في الجزائر

شارك

 

الجزار : هويملي سفيان

تُعد مدينة تيمقاد الأثرية، التي تُعرف أيضًا باسم “تاموقادي”، لوحةً تاريخيةً رائعةً محفورة في ولاية باتنة الجزائرية. بُنيت هذه المدينة العتيقة حوالي العام 100 ميلادي بأمر من الإمبراطور تراجان، لتصبح حصنًا متقدمًا ومركزًا حضاريًا أمّن الوجود الروماني في شمال إفريقيا. تتميز تيمقاد بأنها المدينة الرومانية الوحيدة في إفريقيا التي حافظت على تصميمها الأصلي بشكلٍ استثنائي، مما أهلها لتُدرج كموقع تراثي عالمي من قبل اليونسكو. في هذا المقال، سنستكشف معًا أسرار هذه المدينة الخالدة.

الطراز المعماري الفريد: لوحة شطرنج حجرية

تمثل تيمقاد النموذج الأمثل للتخطيط المدني الروماني، حيث بُنيت على شكل شبه مُربّع بتصميم يشبه “لوحة الشطرنج”. يقوم هذا التصميم على تقاطع طريقين رئيسيين متعامدين:

· الكاردو”: وهو الطريق الشمالي-الجنوبي.
· “الديكومانوس”: وهو الطريق الشرقي-الغربي.

يقطع هذين المحورين شبكة من الطرق الفرعية المتوازية، مشكلة عند تقاطعها مجموعة من المربعات المنتظمة (أطوال أضلاعها حوالي 20 مترًا) خُصصت لبناء المنازل السكنية، مما يعكس دقة التخطيط والتنظيم العمراني الذي اتسمت به الإمبراطورية الرومانية.

التوسع العمراني: من الحصن إلى المدينة

مع تزايد عدد السكان، لم تعد الأسوار المحيطة بالمدينة كافية، فتم هدمها وبناء أحياء سكنية جديدة في الضاحية الشرقية، مما يدل على نمو وازدهار المدينة. هذا التوسع لم يمحُ التصميم الأولي، الذي ظل محفوظًا بشوارعه المرتبة ومرافقه العامة، لتبقى تيمقاد المثال النموذجي الأفضل حفظًا للمدينة الرومانية، حتى أنها أُطلقت عليها لقب “بومبيي نوميديا” تشبيهًا لها بالمدينة الإيطالية الشهيرة المحفوظة تحت الرماد البركاني.

السياحة في تيمقاد: رحلة عبر الزمن

يعتبر التجول في أرجاء تيمقاد نشاطًا ثقافيًا ممتعًا، خاصةً برفقة دليل سياحي يشرح تفاصيل هذه التحفة المعمارية. فالمدينة لا تقدم فقط شوارعها المرصوفة، بل تكشف عن نمط حياة متكامل:

· المرافق العامة: تشهد الحمامات الرومانية، والمسرح الذي يتسع لـ 3500 متفرج، والمتاجر، وأماكن التعميد على حياة ثقافية ودينية واجتماعية نابضة.
· الساعة الشمسية: في قلب الساحة العمومية، تقف الساعة الشمسية بشعاعاتها الطولية المتعامدة، والتي كانت تقيس الوقت لسكان المدينة باستخدام حركة الشمس.
· مكتبة تيمقاد: وهي تحفة ثقافية نادرة، كانت تحتوي على حوالي ثمانية رفوف لحفظ المخطوطات، لتكون ثاني أكبر مكتبة في العالم الروماني بعد مكتبة كيلسوس في إفسوس.
· سد كدية مداور: يشهد هذا السد على براعة الرومان في الهندسة المدنية وتوفير المياه.

حاضر تيمقاد

اليوم، لا تزال تيمقاد مأهولة بعدد قليل من السكان المحليين المعروفين باسم “بلعشاش”، الذين يحافظون على النشاط الزراعي في المنطقة، لتبقى هذه المدينة شاهدًا حيًا على تعاقب الحضارات من العصر الروماني إلى اليوم.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.