عبدالفتاح هداني
مجلة السياحة العربية – المغرب
الرياض، المملكة العربية السعودية، في خطوة استراتيجية ترسخ مكانة المملكة كمركز رائد لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، اختتمت العاصمة الرياض بنجاح كبير أعمال “المؤتمر العربي رفيع المستوى للسياحة الميسّرة للأشخاص ذوي الإعاقة”، الذي عُقد على مدى يومين في الفترة 12 و 13 نوفمبر 2025م، بتنظيم مشترك بين هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة (APD) في المملكة وجامعة الدول العربية (LAS).
عُقد المؤتمر، الذي استهدف تعزيز الإدماج والتمكين في القطاع السياحي، برعاية كريمة من معالي المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ورئيس مجلس إدارة هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة. وقد جمع هذا المحفل الإقليمي نخبة من صناع القرار، والجهات الحكومية والخاصة، والمنظمات الدولية، بهدف بلورة حلول عملية تدعم إيجاد بيئة سياحية شاملة وميسّرة في جميع أنحاء المنطقة.

ويكتسب هذا المؤتمر أهمية إضافية بانعقاده متزامناً مع فعاليات مؤتمر “TOURISE”، الذي تنظمه وزارة السياحة في المملكة العربية السعودية في الرياض خلال الفترة من 11 إلى 13 نوفمبر 2025م. ويأتي هذا التزامن الاستراتيجي ليُسلط الضوء على مستقبل القطاع السياحي في ظل التغيرات المتسارعة، حيث يهدف “TOURISE” إلى جمع القطاعين العام والخاص للوصول إلى تنمية مستدامة. إن تزامن الحدثين يساهم بشكل فعال في تعزيز الوعي بأهمية دمج مبادئ السياحة الميسّرة ضمن صلب الاستراتيجيات الكبرى لتطوير القطاع، لضمان أن تكون هذه التنمية شاملة ومستدامة حقاً للجميع.

ركزت أهداف المؤتمر على محاور رئيسية تعكس التزام المنطقة بتحسين التجربة الشاملة للسائح من ذوي الإعاقة، بدءاً من مراحل المعلومات والحجز والنقل والإقامة وصولاً إلى المواقع السياحية. وشملت الأهداف الرئيسية مواءمة السياسات مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD)، وتبادل الخبرات والنماذج التطبيقية الناجحة، ودعم الحلول الرقمية، وتطوير الشراكات والاستثمارات التي تعزز السياحة للجميع.

لم يكن انعقاد المؤتمر حدثاً عربيا معزولاً، بل جاء تجسيداً لالتزام الدول العربية بالمرجعيات الدولية الأساسية، حيث يتقاطع تعزيز السياحة الميسّرة بشكل مباشر مع الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. فالمبادرات المطروحة تهدف إلى تطبيق المبادئ الواردة في الاتفاقية، لا سيما ما يتعلق بضمان حق هذه الفئة في الوصول إلى البيئة المادية ووسائل النقل والمرافق المتاحة للجمهور على أساس من المساواة. إضافة إلى ذلك، يخدم المؤتمر أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030 (SDGs)، ويسهم في تحقيق مبدأ “عدم ترك أي أحد خلف الركب”، من خلال دمج الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كامل في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياحية المستدامة.

بناءً على أوراق العمل القيمة والمناقشات الثرية التي شهدها المؤتمر، وعرض التجارب العربية الناجحة من خلال تجربة المملكة المغربية MarocAccessible للسياحة الدامجة، و الذي تم اعتباره تجربة ملهمة نحو إعداد وإطلاق تطبيق عربي للسياحة الميسرة، كما عرف المؤتمر إصدار حزمة من التوصيات الاستراتيجية التي تمثل خارطة طريق للعمل المشترك. وفي إطار سعيها لوضع أُسس متينة للسياحة الميسرة في العالم العربي، ركزت التوصيات على محاور أساسية لتعزيز الإتاحة وضمان تجربة سياحية متكاملة، ويمكن تلخيصها في صيغة عامة بالنقاط التالية:

* إعداد استراتيجية عربية موحدة للسياحة الميسّرة، تتضمن توحيد المصطلحات وإصدار دليل عربي استرشادي لدعم جهود الدول الأعضاء.
* تطوير وتحديث التشريعات والمعايير الوطنية اللازمة لضمان الوصول الشامل في جميع المرافق والمنشآت السياحية.
* توظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي لدعم وتجويد تجربة السائح من ذوي الإعاقة، وتشجيع تبادل الخبرات في هذا المجال.
* تعزيز الاستثمار في البنية التحتية المهيأة لجميع الفئات، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع السياحة الميسّرة.
* رفع كفاءة العاملين بالقطاع السياحي وتدريبهم على مهارات التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن.
وطالب المشاركون في ختام أعمالهم بضرورة اعتماد هذه التوصيات من قبل مجلسي وزراء الشؤون الاجتماعية والسياحة العرب والعمل على تنفيذها خلال الفترة القادمة.

ويمثل هذا المؤتمر نقطة تحول مفصلية نحو تكريس مبدأ السياحة للجميع، ويعكس التوجه لجامعة الدول العربية نحو استراتيجية عربية للسياحة الميسرة، و بناء مجتمع شامل يضمن حقوق وتمكين فئة الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مناحي الحياة، انسجاماً مع مستهدفات رؤية 2030، و إرساء أهداف العقد العربي الثاني للإعاقة.


