عبدالفتاح هداني ـمجلة السياحة العربية ـ المغرب
في خطوة تؤكد التزام المغرب بالانتقال نحو اقتصاد سياحي قائم على المعرفة والموثوقية، يضع الفاعلون العموميون في قطاع السياحة مسألة “حكامة البيانات وجودتها” في صميم استراتيجيتهم المستقبلية. هذا التوجه يأتي تماشياً مع الطموحات التنموية للمملكة، خاصة في ظل الانتعاش الديناميكي للقطاع والاستعدادات الجارية لاستضافة استحقاقات عالمية كبرى أبرزها كأس العالم 2030.

وقد سلطت الشركة المغربية للهندسة السياحية (SMIT)، المؤسسة المسؤولة عن تطوير المنتجات السياحية، الضوء مراراً على المبدأ الاستراتيجي الذي يحكم عمل القطاع: “بدون بيانات موثوقة، حتى أفضل الاستراتيجيات قد تفشل في تحقيق أهدافها.” وهو ما دفع بالوزارة والشركاء الاستراتيجيين إلى تعزيز أدوات التحليل والمؤشرات لقياس الأثر الاقتصادي الحقيقي للسياحة.
لتحقيق هذه الغاية، أطلقت (SMIT)، بشراكة مع وزارة السياحة والمندوبية السامية للتخطيط، دراسة وطنية استراتيجية شاملة وغير مسبوقة. تستهدف هذه الدراسة نحو 3000 مقاولة عاملة في مختلف فروع القطاع السياحي (الإيواء، المطاعم، النقل، وكالات الأسفار، وغيرها)، بهدف أساسي يتمثل في تزويد الحساب التابع للسياحة (TSA) ببيانات دقيقة ومفصلة حول:
* حجم الاستثمارات في الأصول الثابتة.
* المعاملات المالية والإيرادات لكل فرع.
* تقييم سوق الشغل من حيث عدد العاملين ومناصب الدوام الكامل.
وتشكل نتائج هذه الدراسة، التي تركز على مختلف سلسلة الأنشطة السياحية المتنوعة، أداة مرجعية حيوية ليس فقط لصناع القرار العمومي، بل أيضاً للمقاولات الخاصة، لتمكينهم من اتخاذ قرارات تطوير واستثمار مدروسة ومبنية على أسس علمية وواقعية.

هذا الاهتمام المتزايد بجودة المعطيات يندرج ضمن الأهداف الكبرى لخارطة طريق القطاع للفترة 2023-2026. وفي هذا الصدد، شددت السيدة فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، على أن “هذا التطوير يدخل ضمن تنفيذ خارطة الطريق 2023-2026، التي تضع الحكامة وتحسين جودة البيانات ضمن أولويات القطاع. إننا نعمل على ترسيخ ثقافة مبنية على البيانات لتعزيز مصداقية مؤشراتنا وتحقيق رؤية أوضح لأداء القطاع، ما يدعم تنافسية الوجهات السياحية المغربية.”
ويؤكد هذا التصريح التزام الحكومة بتحسين الإطار التحليلي للسياحة، لضمان أن كل سياسة عامة أو خطة استثمارية يتم توجيهها بكفاءة عالية نحو الأقطاب الواعدة.
وتتجسد الجهود الرامية لتحسين الحكامة في المبادرات التكنولوجية الأخيرة، أبرزها إطلاق نموذج جديد لتقدير مؤشرات الإيواء السياحي المصنف، يواكب أفضل الممارسات الدولية بكل موثوقية، إلى جانب إطلاق منصة إلكترونية جديدة وتفاعلية للمرصد الوطني للسياحة.
توفر هذه المنصة، المصممة بدعم من منظمة الأمم المتحدة للسياحة، لوحة مؤشرات حديثة تتيح للفاعلين العموميين والخواص الولوج إلى معطيات محيّنة وأدوات مقارنة وتحليل مستمر لتقييم الأداء القطاعي بشكل دوري.

إن التزام المغرب الثابت بالبيانات الدقيقة يمثل خطوة نوعية تضمن أن يكون قطاع السياحة، الذي ساهم بنسبة 7.2% من الناتج الداخلي الخام وحقق إيرادات قياسية تجاوزت 105 مليارات درهم في 2023، مستعداً بشكل كامل لمواجهة تحديات المستقبل واستثمار الفرص الاستثنائية التي تنتظره، وفي مقدمتها استضافة الحدث الكروي العالمي الكبير.



