العراق / نينوى / مجلة السياحة العربية / مقدام خزعل
الموصل – في قلب المدينة القديمة، حيث تدق نبضات التاريخ، يعود سوق الأربعاء بشكله المُجدّد، ليمزج بين أصالة الماضي وعبقرية الحاضر، بعد أن أعادته عمليات إعادة الإعمار رمزاً من رموز الحياة والنشاط التجاري في المدينة.

يمتد سوق الأربعاء، أحد أبرز الأسواق الشعبية وأعرقها، في منطقة “ياب الطوب” التي كانت ولا تزال مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة. ويعود تاريخ السوق إلى العصر الأموي، حيث كان يؤمه الناس كل يوم أربعاء لبيع وشراء السلع، واستمر على هذا النحو قروناً عديدة، قبل أن يتحول موعد انعقاده إلى يوم الجمعة في الوقت الراهن، محتفظاً مع ذلك باسمه التاريخي.

من ماضي السوق.. ذاكرة المدينة
لطالما اشتهر السوق باستقطاب أصحاب الدخل المحدود، حيث كان موطناً لأصحاب البسطيات والدكاكين الصغيرة التي تعرض الأدوات المنزلية المستعملة والحاجيات القديمة بأسعار مناسبة. كما احتضن دكاكين مسقفة بـ “الجينكو” لبيع الطيور ومستلزماتها. وتذكر الروايات أنه حتى سبعينيات القرن الماضي، كان كراج نقل المسافرين إلى بغداد وأقضية جنوب الموصل وشمالها يقع بواجهة السوق، بالقرب من ساحة تمثال “فتاة الربيع” للفنان الراحل فوزي إسماعيل.
محطات أليمة.. وولادة جديدة
تعرض السوق، كسائر معالم المدينة، لأضرار بالغة خلال مرحلة تحرير الموصل من العصابات الإرهابية، مما أجبر الكثير من أصحاب المحلات والبسطيات على مغادرته، بينما صمد البعض، خاصة بائعي التحف القديمة والطيور، مستمرين في مزاولة نشاطهم رغم قسوة الظروف.
(مرحلة اعادة الإعمار)
ومع بدء مرحلة إعادة الإعمار، شهد السوق نقطة تحول كبرى. فأعيد بناؤه بطراز معماري حديث مستوحى من العمارة العباسية، ليقدم مزيجاً فريداً من الأصالة والمعاصرة. وتميزت التصاميم الجديدة بأقواسها المزينة بنمط “الفرش الموصلي” الأصيل.
(طابع عصري وقلب تراثي)
اليوم، ينتظم السوق في “قيصريات” متعددة بطابع عصري وقلب تراثي وزعت عليها الدكاكين، وحملت أبوابها أسماء أبواب الموصل القديمة الستة: باب لكش، وباب سنجار، وباب البيض، وباب الطوب، وباب السراي، والباب الجديد. ويسهل على الزائرين التنقل عبر أرصفته الواسعة التي تمتد من شارع العدادة محيطاً بمنطقة باب الطوب.
وفي لمسة اعادة التواصل مع الذاكرة الجمعية، يطل السوق الآن على تمثال “فتاة الربيع” الذي أعاد الفنان ثابت ميخائيل نحته، ليكتمل المشهد بذلك الإرث الفني الأصيل.
(نَفَسٌ جديد للحياة )
لم تكن عملية إعادة الإعمار مجرد ترميم للحجارة، بل كانت إحياء للروح. فقد انتعشت الحركة التجارية من جديد، وافتتحت مقاهٍ ومطاعم صغيرة، مثل مقهى ومطعم “أحمد غريب”، لاستقبال الزوار والمواطنين الراغبين في استعادة أجواء المدينة واستذكار عمقها التراثي.
هكذا، يعود سوق الأربعاء ليس سوقاً للسلع فحسب، بل سوقاً للذكريات والحكايات، شاهدا على قدرة الموصل وابنائها على النهوض من جديد، حاملًا في جدرانه روح الماضي ونَفَس المستقبل.




