عبدالفتاح هداني
مجلة السياحة العربية – المملكة المغربية
في خطوة تعكس التزاما مؤسساتيا متصاعداً بتعزيز الإدماج الاجتماعي، شهد قصر المؤتمرات بسلا صباح اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025، تزامنا مع اليوم العالمي للتوعية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مراسم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين وزارة النقل واللوجستيك، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والمكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF)، و مساهمة برنامج الأمم المتحدة الانمائي.

تهدف الاتفاقية إلى إطلاق بطاقة تخفيض تصل إلى 50% على خدمات النقل السككي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، بما في ذلك قطارات “البراق” و”الأطلس”.
وقد أشرف على توقيع الاتفاقية كل من السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والسيد كاتب الدولة المكلّف بالإدماج الاجتماعي، والسيد مدير المكتب الوطني للسكك الحديدية، إلى جانب ممثل وزارة النقل واللوجستيك. وتأتي هذه المبادرة تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لترسيخ قيم الإدماج والارتقاء بجودة عيش المواطنين، خاصة الفئات التي تحتاج لدعم مضاعف لتمكينها من الولوج المتكافئ والمنصف للخدمات الأساسية.

تجسد هذه الخطوة إنجازاً يرسخ حق التنقل لذوي الإعاقة، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية والوطنية للمملكة، لتنفيذ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيث تعد حرية التنقل (المادة 20) والحق في الولوج إلى البيئة والمواصلات (المادة 9) من الحقوق الأساسية التي تلتزم بها الدول الموقعة منها المغرب، تخفيض تذكرة النقل السككي هو تفعيل مباشر لمبدأ تكافؤ الفرص الذي تهدف إليه الاتفاقية.
و تحقيق الالتقائية مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، حيث تتقاطع الاتفاقية بشكل خاص مع الهدف 10 (الحد من أوجه عدم المساواة) والهدف 11 (مدن ومجتمعات محلية مستدامة)، حيث لا يمكن تحقيق الاستدامة والعدالة الاجتماعية دون تمكين الفئات الهشة من الوصول إلى الخدمات والبنى التحتية بشكل كامل.

كما ان إرساء قانون الإطار 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، الذي يمثل مرجعية وطنية، التنقل والولوجيات من الدعامات الرئيسية لتحقيق الإدماج الشامل. تعزيز الولوج إلى خدمات النقل، وفقاً لتأكيد الوزيرة، يمثل أحد مرتكزات الإدماج الاجتماعي الأساسية، لما له من دور محوري في تمكين مختلف الفئات المجتمعية من الاستفادة المتكافئة من فرص التنقل والمشاركة الفعلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
الاتفاقية الجديدة لا تقتصر فقط على التخفيض بنسبة 50% لذوي الإعاقة في الدرجتين الأولى والثانية، بل تشمل أيضاً استفادة مرافقي الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر من هذه التعريفة التفضيلية، مما يعزز من ظروف نقلهم بكرامة واستقلالية.
و على الرغم من الأهمية الكبرى لهذه الاتفاقية في تيسير الجانب المالي للتنقل، تظل التحديات الكبرى لتحقيق الإدماج الاجتماعي الكامل قائمة، و المعبر عنها بشكل مستمر من الأشخاص في وضعية إعاقة وأسرهم ومناصري تعزيز حقوقهم. وتتركز أساساً في إرساء الولوجيات في جميع مستوياتها. فالوصول إلى خدمات النقل لا يتعلق فقط بالتكلفة، بل بـ القدرة الفعلية على الولوج، الحرية والاستخدام الآمن.

تتمثل الانتظارات والمطالب الحقيقية التي لازالت معلقة لتفعيل الحقوق الأساسية في عدة محاور.
أولاً، يتعلق الأمر بـالولوجيات المادية، حيث يتطلب الأمر تفعيلاً شاملاً لضمان ملاءمة البنية التحتية للمحطات (مثل المصاعد، الممرات، والحمامات) ووسائل النقل نفسها (كالأماكن المخصصة للكراسي المتحركة وتسهيلات الصعود).
ثانياً، تبرز أهمية الولوجيات التواصلية والمعلوماتية. فمن الضروري توفير المعلومات الأساسية لجميع فئات الإعاقة، سواء كان ذلك من خلال استخدام لغة برايل للمكفوفين، أو توفير لغة الإشارة للموظفين وللصم، وتسهيل حجز التذاكر واستخدام المنصات الرقمية الميسرة باذوات النفاذية الرقمية. ويتصل بهذا المحور ضرورة التكوين والتوعية، حيث يعد تدريب الموظفين والعاملين في قطاع النقل للتعامل المهني واللائق مع الأشخاص ذوي الإعاقة أمراً حاسماً لضمان معاملة خالية من التمييز.

ثالثاً، تتجه الأنظار نحو ضرورة إرساء مبدأ النقل المتعدد الوسائط، أي توسيع نطاق التخفيض والولوجيات ليشمل كافة وسائل النقل العام (كالحافلات، سيارات الأجرة، والترامواي)، وربطها بشكل سلس وفعال مع خدمة السكك الحديدية.
إن تحقيق الإدماج الفعلي يتطلب الانتقال من تيسير الحقوق الفردية إلى تحويل البيئة الشاملة. فبينما تعالج هذه الاتفاقية “تكلفة” التنقل، لا يزال “سهولة” و”أمان” التنقل يمثلان تحدياً رئيسياً يتعين على جميع الأطراف معالجته.
وختاماً، جدد جميع الشركاء تأكيدهم على “مواصلة العمل الجاد والمسؤول، في سبيل الارتقاء بمنظومة النقل العمومي في المغرب لتستجيب إلى تطلعات المواطنات والمواطنين بمختلف فئاتهم. إن تفعيل الولوجيات أو إمكانية الوصول الشامل، بالتوازي مع التخفيضات المالية، هو مفتاح تحقيق الاستقلالية الفعلية والمشاركة الكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص كمبادئ راسخة في المجتمع يرفع شعار من أجل مغرب دامج، منصف وعادل للجميع.



