عبدالفتاح هداني
مجلة السياحة العربية – المملكة المغربية
تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، اختتم مهرجان “أنديفيلم HandiFilm” الدولي للسينما الدامجة دورته الثامنة عشرة بنجاح باهر في مدينة الرباط، في الفترة الممتدة من 3 إلى 6 ديسمبر 2025. الدورة تميزت بطرحها محوراً راهناً وحيوياً هو: “الرقمنة والذكاء الاصطناعي في خدمة السينما الدامجة”، مؤكدة التزام المهرجان بدمج الإبداع التكنولوجي في خدمة القضايا الإنسانية وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.

على مدار 18سنة، لم يكن مهرجان أنديفيلم مجرد تظاهرة سينمائية، بل تحول إلى منارة مجتمعية بامتياز. لقد اضطلع المهرجان، عبر دوراته المتتالية، بدور محوري في إذكاء الوعي المجتمعي بقضايا الإعاقة، ومكافحة الصور النمطية، وتعزيز ثقافة الإدماج الفعلي. فمن خلال عرض مئات الأفلام التي تتناول قصصاً ملهمة وتحديات واقعية، نجح المهرجان في نقل الحوار من هامش المجتمع إلى صلبه، محفزا صناع القرار، والإعلام، والجمهور، على التفكير والعمل من أجل تعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ومكرسا مكانته كمنصة مستمرة للدفاع عن هذه الفئة عبر الفن السابع.

شهدت البرمجة السينمائية لهذه الدورة عرض 26 فيلماً مختاراً بعناية من 11 دولة، توزعت على ثلاث فئات رئيسية هي: المسابقة الرسمية، المسابقة الخاصة بالناشئين، وقسم البانوراما.
وافتتح المهرجان بعرض استثنائي للفيلم الوثائقي المؤثر “بين الحجر والاهتزاز” “Lock and Quake”، للمؤلف والمخرج الدكتور حسن بنخلافة، المنفذ من طرف جمعية هانديفيلم وبدعم من مؤسسة دروسوس، والذي يوثق أربع سنوات ونصف من الصمود والإبداع في إطار مشروع “الشباب أمام وخلف الكاميرا من أجل مجتمع دامج”.

وقد أشرف على تقييم الأعمال لجنة تحكيم مرموقة برئاسة الدكتور بوشعيب المسعودي (كاتب ومخرج)، بمشاركة المخرجة المسرحية آنييس بيرتوليي، والصحفية والناقدة السينمائية أمينة بركات.
لم تقتصر فعاليات المهرجان على العروض، بل كانت منبرا للحوار والتكوين من خلال أنشطة موازية غنية، أبرزها:
* المائدة المستديرة الرئيسية التي ناقشت محور: “الذكاء الاصطناعي والسينما الدامجة: بين طموح الدمج والمسؤولية الأخلاقية”.
* ورشات عمل تطبيقية حول “الرقمنة والذكاء الاصطناعي في دورة المشاريع الثقافية” و”إعداد مشروع بمساعدة الذكاء الاصطناعي والسيادة المعرفية”.
* ماستر كلاس قدمها الفنان والمخرج عز العرب الكغاط.
* تقديم كتب قيمة منها: «الفيلموغرافيا السينمائية المغربية» لأحمد السجيلماسي، و«كحل العتمة» لجمال بوزوز.
وفي تقليد سنوي، كرم المهرجان ثلاثة شخصيات بارزة تقديراً لإسهاماتها الفنية و الحقوقية:
* الفنان عز العرب الكغاط: رائد المسرح والسينما الملتزمة.
* الاستاذ عبد المجيد مكني: الخبير الدولي في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والتنمية الدامجة.
* كلوديا كورسوليني: رئيسة منظمة OVCI LA NOSTRA FAMIGLIA E.T.S، الشريك التاريخي للمهرجان.

اختتمت الدورة بحفل بهيج أُعلن خلاله عن الفائزين. وكانت الجائزة الكبرى للمهرجان من نصيب الفيلم المغربي “فهمني” للمخرجين عبد المنعم قصوح (شخص من ذوي الاعاقة) وعثمان الفوالي، مما يؤكد على حيوية الإنتاج السينمائي الوطني في هذا المجال.

وبهذا هيمنت الأعمال العربية والأوروبية على جوائز المسابقة الرسمية، فبعد أن عادت الجائزة الكبرى إلى المملكة المغربية عن فيلم “فهمني”. فازت المخرجة تيس ماسيرو بريوسو من إسبانيا بجائزة أفضل إخراج عن فيلمها “Màs que palabras” (ما وراء الكلمات). كما ذهبت جائزة لجنة التحكيم لفيلم “Apagada” (منطفئة)، للمخرج الإسباني غييرمو روخو. وشهدت الجوائز تألقا عربيا آخر بفوز المملكة العربية السعودية بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم “Gum” (علكة) للمخرج بلال البدر.

وفي فئة الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة، حصدت تركيا جائزتين رئيسيتين: جائزة أفضل فيلم وثائقي عن فيلم “Glass Man” (الرجل الزجاجي) للمخرج أحمد هاكان كورت، وجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة عن فيلم “Blue Companion” (الرفيق الأزرق) للمخرجة فرزانة غوبادي. أما جائزة أفضل توعية حول قضايا الإعاقة، فكانت من نصيب الفيلم الفرنسي “Down” (متلازمة داون) للمخرجة ساندرا بيكيمال. وفي ختام نتائج المسابقة الرسمية، مُنح تنويهان خاصان: الأول للفيلم الإيطالي “Supereroi” (الأبطال الخارقون) للمخرج الكفيف دييغو كوسوتو ورفاقه، ماركو راموتي ولوكا ستوريرو، تقديراً لجهود دييغو، يبرز هذا التنويه التزام المهرجان بتقدير الإنجازات التي تتجاوز حدود الإعاقة. والتنويه الثاني للفيلم الإيراني “My Goldfish” (سمكتي الذهبية) للمخرج محمد رضا أجورلو.

أظهرت مسابقة الناشئين مواهب شابة واعدة، حيث فاز فيلم “الطائر العجوز” (Le Vieil Oiseau)، من إخراج جمعية الشروق المغربية، بجائزة أفضل فيلم وثائقي. وفي فئة الرسوم المتحركة، ذهبت جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة إلى البحرين عن فيلم “Special case” (حالة خاصة) للمخرج عدنان البلوشي. كما عادت للمغرب جائزة أفضل رسالة توعية حول قضايا الإعاقة عن فيلم “Réveil” (استيقاظ)، من إنتاج المنتدى المغربي روح الفن لإبداعات الشباب. وحصل الفيلم الفرنسي “Plus qu‘un rêve” (أكثر من مجرد حلم)، للمخرجين فرانك لوبيس وأليكسيا سانشيس، على جائزة لجنة التحكيم في هذه الفئة. وأخيراً، مُنح تنويه خاص للفيلم المغربي “Zahra Without Limits” (زهرة بلا قيود) للمخرج علاء الدين خراز.
وفي كلمته الختامية، أكد المدير العام للمهرجان، الدكتور حسن بنخلافة: “لقد كانت هذه الأيام القليلة احتفالا حقيقيا بالإدماج والإبداع والحوار. هذه الدورة تمثل خطوة إضافية نحو عالم أكثر إبداعاً وادماجاً. لقد أثبتنا أن الابتكار التكنولوجي، حين يُرافق بتقيُّد أخلاقي رصين، يمكن أن يكون محركاً أساسياً لبناء مجتمع دامج للجميع”.
كما أشاد الدكتور بنخلافة بالتغطية الإعلامية المتميزة والبث المباشر للفعاليات، مما سمح لجمهور واسع بالمتابعة والتفاعل، مجدداً العرفان للرعاية السامية الملكية التي تشرف وتلهم المهرجان. يظل “أنديفيلم” منصة دولية رائدة تستخدم الفن السابع لإبراز قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة ومناصرة حقوقهم.



