منظمة السياحة العالمية تطلق “خارطة طريق” لجعل إمكانية الوصول استثماراً مربحاً، لا مجرد التزاماً اجتماعياً
عبدالفتاح هداني
مجلة السياحة العربية – المملكة المغربية
بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة (3 ديسمبر 2025)، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالة قوية أكدت على ضرورة الاعتراف بالإسهام الهائل لهذه الفئة، ودعا إلى توفير الشراكة المتكافئة لهم. وتضمنت رسالة الأمين العام تأكيداً على الدور المحوري للأشخاص ذوي الإعاقة في دفع عجلة التقدم، حيث قال: “إن الأشخاص ذوي الإعاقة ماضون في تحويل المجتمعات؛ فمنهم قادة في مجال الابتكار، ومؤثرون في صنع السياسات، وناشطون في جهود التعبئة من أجل العدالة.”

وشدد غوتيريش على أن الإعاقة كانت مصدراً للحلول التي نعتمد عليها اليوم، موضحاً: “العديد من الابتكارات التي باتت تشكل معالم حياتنا اليومية، من الرسائل النصية إلى تكنولوجيا التفعيل الصوتي، ظهرت في البداية كحلول طورها الأشخاص ذوو الإعاقة من أجل الأشخاص ذوي الإعاقة.”
ومع ذلك، نبّه الأمين العام إلى استمرار الحواجز المتعلقة بالمنظومة، مؤكداً أن: “التمييز والفقر والخدمات التي يتعذر الوصول إليها كلها عوامل لا تزال تحد من مشاركة أكثر من مليار شخص من ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم.”
وخلص غوتيريش في رسالته إلى التزام عالمي، معرباً عن الدعوة للعمل: “دعونا نلتزم بالعمل جنباً إلى جنب مع الأشخاص ذوي الإعاقة بكل تنوعهم وباعتبارهم شركاء على قدم المساواة. فعندما يكون الإدماج حقيقياً، يستفيد الجميع.”

في ظل هذه الدعوة العالمية لإزالة الحواجز وتعزيز الإدماج الحقيقي، شهد قطاع السياحة العالمي استجابة عملية موازية. فقد عملت منظمة السياحة العالمية (UN Tourism)، بالتعاون مع وكالة التنمية الاقتصادية والأعمال (AWE)، على إطلاق “إرشادات إمكانية الوصول لشركات السياحة”، وهو دليل شامل يهدف إلى تحويل الرؤى العالمية إلى واقع ملموس واستثمار مربح في صميم الأعمال.
تأتي هذه الاستجابة تأكيداً على ما ورد في “إعلان الدوحة السياسي” الذي اعتمده مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية (الشهر الماضي)، والذي يؤكد أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق دون إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة. وتمثل “إرشادات إتاحة الوصول لشركات السياحة” الأداة اللازمة لتحقيق هذا الإدماج على أرض الواقع الاقتصادي.

وتشدد المنظمة على أن تبني ممارسات الإتاحة لا يمثل واجباً اجتماعياً فحسب، بل هو استثمار استراتيجي ضروري لتلبية احتياجات السوق المتنامية التي تشمل الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن. وتكمن الفوائد المزدوجة لهذه الممارسات في:
• زيادة الأرباح: من خلال الوصول إلى شريحة أوسع من المستهلكين ورفع مستوى ولاء العملاء.
• تعزيز الاستدامة: عبر توفير بيئة عمل شاملة تساعد في توظيفات محلية متنوعة.
• تشجيع الابتكار: كما أشار الأمين العام، فإن تضمين الأشخاص ذوي الإعاقة في عملية التخطيط يولد حلولاً مبتكرة تفيد الجميع.

تقدم الإرشادات استراتيجية متكاملة لشركات السياحة (في مجالات الضيافة، والنقل، ووكالات السفر) تترجم رسالة الأمم المتحدة إلى إجراءات تنظيمية، مرتكزة على مبدأي المنفعة المتبادلة والتوظيف المحلي. وتتضمن خارطة الطريق هذه الخطوات الاساسية تهدف إلى إزالة الحواجز المادية والرقمية وتغيير المواقف السلبية.
ترتكز الإرشادات على خارطة طريق متكاملة تنطلق بـ “البدء” عبر إجراء تقييم داخلي شامل لتحديد الحواجز القائمة وإطلاق حوار مؤسسي حول مفهوم إمكانية الوصول الشامل. تليها خطوة “فهم المتطلبات”، حيث يتم جمع البيانات الدقيقة بكل مصداقية من خلال الاستماع الفعال لتجارب وطلبات العملاء ذوي الإعاقة. وبناءً على هذا الفهم، تنتقل الشركات إلى “صياغة وتنفيذ الاستراتيجية”، والتي تتضمن تحديد أهداف واضحة ووضع أولويات التحسينات اللازمة لتعزيز راحة المستهلك. ولضمان التنفيذ الفعال، تشمل المرحلة الرابعة “التوعية والتدريب”، لتزويد جميع موظفي القطاع بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة أي ارتباك حول متطلبات إمكانية الوصول. وأخيراً، يتم دمج مبادئ الإتاحة في الموارد البشرية من خلال تطوير “ممارسات التوظيف الشاملة”، التي تهدف إلى تخصيص عمليات التوظيف لجعلها شاملة للإعاقة، مع ضمان مرونة بيئة العمل لدعم الموظفين الجدد.
إن إطلاق هذه الإرشادات في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة يمثل التزاماً حقيقياً على أن قطاع السياحة العالمي يتبنى دعوة الأمم المتحدة إلى الشراكة المتكافئة، وينظر إلى إرساء إمكانية الوصول باعتبارها المحرك الأقوى لبناء مجتمعات أكثر اندماجاً واستيعاباً للجميع، وتمكيننا جميعاً من النعم بالتنمية المستدامة الشاملة، كما جاء في ختام رسالة الأمين العام.



