طوف وشوف

تعرف على مدينة “تدمر” | مجلة السياحة العربية

بقلم : م/ طارق بدراوى 

مدينة تدمر هي مدينة أاثرية توجد في دولة سوريا وتسمي باللغة اللاتينية بالميرا كما كانت تسمى بأثينا الجديدة كما سميت أيضا بعروس الصحراء وواحة النّخيل وهو معنى إسم بالميرا الذى أطلقه الرومان على المدينة أما إسم تدمر فهو الإسم الذي أطلق عليها منذ القدم وما زال يستخدم حتى اليوم وكلمة تدمر تعني في العمورية بلد المقاومين وفي الآرامية البلد التي لا تقهر وهي تقع علي بعد حوالي 215 كيلو متر شمالي شرق العاصمة السورية دمشق وعلي بعد حوالي 150 كيلو متر إلى الشرق من مدينة حمص وتتوسط بادية الشام وهي صحراء جرداء قاحلة في شرقي سوريا وموقعها يعد واحة محاطة بنخيل التمر الذى تنتج عشرين نوعا مختلفا منه وتطل عليها سلسلتان جبليتان هما هضبة حلب في جهة الشمال وسلسلة الجبال التدمرية الجنوبية من الجهة الجنوبية الغربية أما من الجنوب والشرق فإن مدينة تدمر تواجه البادية السورية ويمر شعيب صغير وهو مجرى ماء صغير عبر المنطقة تتدفق فيه المياه من التلال الغربية في وقت سقوط الأمتار خاصة في فصل الشتاء ويتجاوز المدينة قبل أن يختفي في الواحات الشرقية كما يوجد نبع يسمي نبع إفقا جنوب المدينة وهو نبع غني بالماء جعل منها واحةً خضراء منذ العصور القديمة ولذا فقد كانت تتوقف عندها القوافل الوافدة من مختلف البلاد المجاوِرة مثل بلاد مابين النهرين وبلاد الخليج العربي وبلاد فارس والهند والصين وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وموقع مدينة تدمر يتمركز في منتصف المسافة تقريبا بين البحر الأبيض المتوسط غربا ونهر الفرات شرقا ولذلك فقد كانت تعد مركزا مهما للطّرق التجارية بين الشرق والغرب في الحقب التاريخية المختلفة كما كان لها دور بارز ذو أهمية كبيرة جدا في الربط بين الإمبراطورية الرومانية وبين بلاد ما بين النهرين .   

thumbnail (1)

 ويعود تاريخ مدينة تدمر إلى العصر الحجري الحديث أى منذ أكثر من 7 آلاف عام حيث عثر فيها على أدوات حجرية تعود إلى هذه الحقبة التاريخية كما كشفت البحوث الأثرية عن قطع فخار تعود إلى العصر البرونزي أى إلي حوالي ألفي سنة قبل الميلاد  وقد جاء ذكرها في الإنجيل مع نبي الله يوسف بإسمها تدمر علي أنها المدينة التي بناها يوسف وأيضا مع نبي الله سليمان حيث تم وصفها بأنها الصحراء التي قام سليمان بتحصينها وقد جاء ذكرها في السجلات التاريخية للمرة الأولى في الألفية الثانية قبل الميلاد حيث أشير إلى المدينة في نصوص ومخطوطات قديمة عثر عليها في مدينتَي ماري وإيمار الواقعتين على نهر الفرات وكذلك في مخطوطات آشورية عمرها أكثر من ألف سنة قبل الميلاد ويعتقَد أن المدينة دمرت في زمن الدولة البابلية الحديثة أو الدولة الأخمينية الفارسية قبل الميلاد بحوالي 500 عام ولكنها أعادت أمجادها وإكتسبت أهميتها في العصر السلوقي وأصبحت مدينةً مستقلةً مثلها مثل دولة الأنباط في الأردن جنوبا وإمارة حمص غربا وفي القرن الأول بعد الميلاد إستولت الإمبراطورية الرومانية عليها وحكمها الإمبراطور تيبيريوس وبذلك فهي قد إنتقلت بين أيدي عدة دول  حاكمة إلى أن إنتهى بها المطاف تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول بعد الميلاد وفي عام 129م زارها الإمبراطور الروماني هادريان وتم منحها إمتيازات مدينة حرة بحيث يستطيع حكامها سن القوانين والتشريعات حسب ما يرونه مناسبا وأُطلق عليها لقب كولونيا كما تم إعفاؤها من الضرائب .     

thumbnail (2)

 وقد ترتب علي ذلك أن بدأت المدينة تزدهر جدا خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديين وأصبحت مدينة كبيرة الثراء ومركزا تجاريا هاما بفضلِ موقعها الذي كان يقع عند نقطة تقاطع عدةّ طرق تجارية في العالم القديم وقد إشتهر التدمريون بمدن كثيرة أقاموها على طريق الحرير وهو أحد أهم الطرق التجارية القديمة والذي إمتد من الصين غربا إلى أوروبا شرقا كما ساعدتهم علاقاتهم التجارية مع الإمبراطورية الرومانية وأتاحت لهم أرباح تجارتهم تعمير أبنية هائلة في مدينة تدمر مثل العديد من المعابد والقبور القائمة على هيئة أبراج وجدير بالذكر أن التدمريون كانوا من الناحية العرقية مزيجا من الأموريين والآراميين والعرب وتحدثوا حسب ما يعتقدُ الباحثون اللهجة التدمرية الآرامية وهي إحدى لهجات اللغة الآرامية كما إستخدموا اللغة اليونانية في مداولاتهم التجارية والسياسية وقد إعتنقوا ديانات وثنية عدة من بينها الديانات السامية وأديان بلاد ما بين النهرين والأديان العربية القديمة وقد كان النظام الإجتماعي في المدينة قائما على القبيلة والحكم العشائري وكانت ثقافتها متأثرة بدرجة كبيرة بالنمط اليوناني الروماني حيث أن نمطها المعماري والفني قد جمع أنماطا رومانية ويونانية مع الأنماط الفنية الشرقية وبعد سقوط الدولة الباراثية ببلاد مابين النهرين واجهت المدينة بعض الصعوبات في طرق التجارة وقام الرومان بتعيين سبتيموس أذينة كملك على تدمر وتم تسميته بحاكم الشرق عام 260م حين إنتصر على الإمبراطور الساساني سابور الأول وبعد سنوات قليلة من تنصيبه ملكا علي المدينة وفي أثناء إنشغال أذينة بإنشاء مجلس السيناتورات تمهيدا للإنفصال عن روما سرا ومتظاهرا بالولاء جهرا فإن القيصر الروماني وعن طريق عيونه وجواسيسه علم بالأمر فقرر الخلاص منه بإغتياله عن طريق أمراء آخرين يكنون الولاء لروما ويرغبون أن يصلوا إلي الحكم في تدمر كان على رأسهم موينيوس إبن اخت الملك أذينة الذى أعد حفلة صاخبة ودعا إليها الملك أذينة وإبنه حران اللذين شربا الخمر فلعبت برأسيهما فأدخل معاونيه ليقتلهما عام 267م وهنا أصبحت زنوبيا زوجته هي المسؤولة الوحيدة عن إبنها الصغير وابلات وهذا الطفل هو الشخص الذي كان له الحق في وراثة لقب والده ملك الملوك أو حاكم الشرق .   

thumbnail (4)

ولم يكن أمام زنوبيا سوى إستلام حكم مدينة تدمر وكانت قد إكتسبت بسبب ظروف نشأتها العديد من المهارات والخبرات الحياتية التي ساعدتها علي القيام بمهمتها خير قيام حيث عندما رزق والدها بها حاول التخلص منها ولذلك نشأت بعيدة عن عائلتها مما مكنها من إكتساب مواهب متعددة منها الصيد والرماية والتعامل مع صعوبات الحياة بمختلف الأشكال كما أنها كانت ذات رأي وحكمة وعقل وسياسة ودقة نظر وفروسية وشدة بأس وجمال فائق وكانت الهيبة والجمال والعظمة تلوح على وجهها إلي جانب أنها كانت قوية الملاحظة وفي منتهي الذكاء وكان من صفاتها الشخصية أيضا تمتعها بصوت قوى جهورى وكان جسمها صحيحاً سليما وأسنانها بيضاء كاللؤلؤ وكانت الإبتسامات لا تفارقها فعاشت بعظمة ملوكية كملوك الأكاسرة والرومان بصفتها أكبر ملوك الشرق أو ملكة ملكات الشرق كما أطلق عليها فكانت تضع العمامة على رأسها وتلبس ثوبا أرجوانيا مرصعا بالجواهر والحلي وكثيرا ماكانت تترك ذراعيها مكشوفان ويتضح لنا ذلك من التماثيل والمنحوتات التدمرية وقد تثقفت بالثقافة الهيلينستية وكانت تتكلم الآرامية وهي اللغة السورية القديمة واللغة القبطية وبعض اللاتينية الرومانية والإغريقية وكان لها إطلاع على تاريخ الشرق والغرب وكانت تقرأ لهوميروس وأفلاطون وألفت كتبا عن تاريخ الشرق وسوريا وما جاورها وآسيا وقد أطلق عليها أيضا لقب الملكة المحاربة لأنها عرفت بشجاعتها حيث خاضت حروبا عديدة كان منها غزو مصر مابين عام 269م وعام 270م  حيث كان الرومان يحكمونها وفي هذه الفترة كانت القوات الرومانية تحارب الأعداء والقوط في شمال مصر والمقاومة لم تكن عظيمة بسبب وفاة الإمبراطور الروماني كلوديوس الثاني بسبب وباء الجدري وبعد تحقيق زنوبيا هذا النجاح قادت جيشها وغزت المزيد من أراضي سوريا ولبنان وفلسطين وسيطرت على منطقة آسيا الصغرى وشكّلت إمبراطورية مستقلة عن روما وقامت بصك النقود حيث خصصت قطعا نقدية لمملكتها كما قامت بمنع وصول الحبوب إلى روما مما أدى إلى نقص الخبز في الإمبراطورية الرومانية حيث لم ترغب بأن تبقى تدمر تحتَ الحكم الروماني فثارت عليهم وطردتهم من مدينة تدمر وأعلنت تاسيس مملكة تدمر المستقلة .   

thumbnail (5)

 وكان هذا من الأمور المستفزة جدا للرومان مما أثار غضب الإمبراطور الروماني أورليانوس فحشد جيشا ضخما خلال عام 372م وشن حربا ضد مملكة زنوبيا وإلتقى الجيشان بالقرب من منطقة أنطاكية شمالي سوريا وهزمت قوات أورليانوس الملكة زنوبيا وإستعاد أملاك الإمبراطورية الرومانية في آسيا الصغرى مما جعلها تنسحب لتدمر وليتبعها أورليانوس حتي يبلغ مدينة حمص بالقرب من تدمر وهناك دارت بينهما معارك شرسة أخرى دفع فيها أورليانوس بالمزيد من القوات في مواجهة جيش زنوبيا مما أدى إلي تراجع جيشها إلى تدمر فتقدم أورليانوس إليها وحاصر أسوارها المنيعة حصارا محكما وكانت زنوبيا قد حصنت المدينة ووضعت على كل برج من أبراج السور إثنين أو ثلاثة من المجانيق تقذف بالحجارة المهاجمين لأسوارها وتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة والتي كانت تعرف بالنار الإغريقية وقاومت زنوبيا وجيشها الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتي الموت دفاعا عن مملكتها وفي أثناء ذلك عرض أورليانوس عليها التسليم وخروجها سالمة من المدينة الني لن تمس لكنها رفضت ووضعت خطة وحاولت إعادة الإلتفاف على جيش أورليانوس فتحصنت بالقرب من نهر الفرات إلا أنها وبعد معارك ضارية وبعد أن أحست بقرب هزيمتها حاولت هي وإبنها الهرب والإستنجاد بالفرس فذهبت متخفية لملاقاة هرمز ملك الفرس ولكن كانت جيوش الرومان ترصدها وقبل أن تعبر نهر الفرات وقعت في الأسر وتم القبض عليها من قبل قوات أوريليوس ولاقاها أورليانوس وهو في ميدان القتال فأحسن معاملتها ثم إصطحبها معه إلى روما ولم يقتلها بل قتل بعض كبار قادتها ومستشاريها الذين لم يستسلموا له بعد محاكمة أجريت لهم في مدينة حمص .  

thumbnail (6)

 وقد دخلت زنوبيا مدينة روما في موكب الإمبراطور الظافر وإرتضت خذلانها في عزة نفس وشمم وعاشت أيامها الأخيرة هي وإبنها عيشة سيدة رومانية عادية وتوفيت في عام 274م وقد إختلفت الروايات في قصة موتها فمنها ما يفيد أنها قد إنتحرت بالسم ومنها ما يفيد أنها قد جوعت نفسها حتي ماتت جوعا ومنها ما يفيد أن الرومان قد قاموا بقتلها ولم تمض إلا عدة أشهر قلائل بعد هزيمة الملكة زنوبيا أمام الرومان وفي عام 273م ثارت تدمر ثانية فعاد إليها الإمبراطور أورليانوس على غير إنتظار ودمرها بالكامل ولم يبق على أهلها هذه المرة وقد اعاد بعد ذلك الإمبراطور ديوكلتيانوس بناء تدمر ولكنَّها لم تعد لسابق عهدها وإزدهارها وقد أدت التغيرات الإقليمية في المنطقة بعد ذلك إلى تحول سكان المدينة للدين المسيحي في القرن الرابع الميلادي ثُم للإسلام في القرن الأول الهجرى الموافق القرن السابع الميلادى بعد أن تم فتحها عام 13 هجرية الموافق عام 634م في عهد الخليفة أبو بكر الصديق كما أدت الفتوحات الإسلامية إلى حلول اللغة العربية في المدينة مكانَ اللغتين الرومانية واليونانية وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادى وبين عام 1400م وعام 1401م تعرضت تدمر مرة أخرى للدمار خلال الغزو التيمورى لبلاد العراق والشام نسبة إلي الإمبراطور المغولي تيمور لنك الذى إجتاح هذه البلاد في هذه الفترة بعدما إجتاح بلاد فارس فتقلَّصت إلى محضِ قرية صغيرة إلا أنَّها ظلَّت مأهولة بالسكان وقد قرر الحكام الفرنسيون بعد مجيء الإنتداب الفرنسي علي سوريا أن ينقلوا جميع السكان من موقع مدينة تدمر الأثرية في عام 1932م إلى مدينة تدمر الحديثة ليصبح هذا الموقع متاحا للتنقيب والإستكشاف والبحث وللأسف الشديد ففي عام 2015م سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بإسم داعش على مدينة تدمر ومنذ ذلك الحين أصبحت المدينة موقعا لحرب وقصف جوى ومصادمات عسكرية مستمرة بين الجيش السوري وهذا التنظيم حتي تمكن الجيش السورى من إستعادة المدينة في يوم 2 من شهر مارس عام 2017م وقد أدت هذه الحرب وأفعال أعضاء هذا التنظيم إلى تخريب وهدم عدد كبير من المباني والقطع الأثرية الثمينة في تدمر ولا زال تراثها الحضاري الباقي في خطر كبير .    

thumbnail (7)

 وعلي وجه العموم فإن مدينة تدمر تتميز حتي الآن بآثارها المتميزة والرائعة التي تدل على مكانتها التاريخية وعظمتها إضافةً لما وصلت إليه في غابر الزمان حيث تنتشر آثارها على مساحةٍ كبيرة وواسعة محاطةٍ بالأعمدة والمعابد والمسارح والبوابات والمساكن والقصور والحانات والخزانات إضافةً لمدافنها وقلعتها التاريخية الشهيرة كما أن شوارعها ممتدة ويوجد فيها متحف تدمر الذي يحتوي على آثار المدينة من مجسمات وتماثيل ونقوش ومخطوطات إضافةً لمتحف التقاليد الشعبية الذي يجسد حياة سكان تدمر وتراث البادية وكان يقام في المدينة مهرجان سياحيٌّ سنوي يشمل العديد من الفعاليات ويشارك فيه العديد من الفنانين السوريين والعرب وكان يعقد خلاله عدد من المسابقات والعروض الفلكلورية والتُراثية كعروض الخيول العربية الأصيلة وسباقات الهجن ترافقها فعاليات أدبية وثقافية وسهرات سياحية وتضم مدينة تدمر مواقع أثرية وآثار قديمةً تعود إلى الحضارات التي قامت على أرضها وهي تعد من أجمل المباني العمرانية في الشرق وتعتمد المدينة حاليا على السياحة بشكل أساسي ولأهميتها التاريخية والحضارية فقد تم إدراجها على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي عام 1980م .       

thumbnail (8) 

 ومن أبرز المعالم الأثرية لتي توجد بها معبد بل‎‎ وهو أهم مبنى ديني في القرن الأول الميلادي في منطقة الشرق الأوسط  وبل هو إله سامي بابلي من أصل أكادي وهو إله الآلهة وقد بني هذا المعبد تكريسا لعبادته وهذا الإله يمثل في الديانة البابلية رب الأرباب مثل جوبيتر الروماني وزيوس اليوناني وكان إسمه زيوس بيلوس في بلاد ما بين النهرين ويقابله بعلشمين لدى الكنعانيين وحدد عند الآراميين وقد إنتقلت عبادته إلى البلاد المجاورة فأصبح عند الفينيقيين بعل ولقد بني هذا المعبد في شهر أبريل عام 32م على أنقاض معبد آخر كان مبنيا بالطين وقد إكتمل بناؤه في القرن الثاني الميلادي وكرس لعبادة الإله بعل ويرحبول رب الشمس وعجلبول رب القمر وكان مقرا لمجمع الأرباب التدمريين وهو أقدم من معبد بعلبك بلبنان بقرن كامل ثم تهدم في الحرب بين التدمريين والرومان عام 272م وكذلك في ثورة التدمريين عام 273م وهندسته سورية محضة أبعاده 210×205 متر وإرتفاع جدرانه الحجرية حوالي 14 متر وقد بني هذا المعبد فوق تل إصطناعي على أنقاض معبد بقي القليل من حجارته وكان البناء على مراحل خلال عهد الإمبراطور الروماني أوجستين والسنين الأولى من عهد سلفه تيبيريوس الذي حكم بين عام 14م وعام 37م وكان بهذا المعبد تمثال يسمي تمثال شمش بن تيبول بن شكيبل من بني كمرت والذي كان مقدما من أولاده لهيكل الأرباب بل ويرحبول وعجلبول وعلي قاعدة هذا التمثال توجد كتابة تؤرخ تأسيس المعبد في اليوم السادس من شهر أبريل عام 343 سلوقي أي عام 32م وهذا التمثال يوجد حاليا في متحف تدمر ويتألف هذا المعبد من ساحة وهيكل تحيط به جدران خربتها الزلازل في بعض المواقع وأُعيد بناؤها بسرعة وبشكل عشوائيٍ ويحيط بها 4 أروقة أعمدتها لها تيجان كورنثية وأسقفها كانت خشبية عليها نقوش دينية ونباتية والرواق الغربي منها والذى بني في منتصف القرن الثاني الميلادى أعلى من الأروقة الثلاثة الأخرى التي من القرن الأول الميلادي بين عام 80م وعام 120م وفيه صف واحد من الأعمدة بينما الثلاثة الأخرى فيها صفان وكان للأعمدة أرفف توضع عليها تماثيل الشخصيات الهامة وتحتها أسماؤها وفي الزاوية الشمالية للرواق الغربي يوجد درج لولبي يؤدي إلى السطح وكان للمعبد مدخل يتكون من ثلاثة أبواب درفاتها من البرونز المذهب وكان عرضه 35 متر وعلى جانبيه برجان وكان له درج فخم وأمام المدخل بهو فيه ثمانية أعمدة مع قوس مركزي كبير وفي مطلع العهد البيزنطي إنتشرت المسيحية فصار هذا المعبد كنيسة لا تزال آثارها باقية حتي الآن فعلى الجدار المقابل للمدخل تبدو آثار قوس المذبح وعلى الجدار الغربي بقايا فريسكو تمثل الملائكة جبريل وميكائيل والقديس جورج وفي العهد الإسلامي أُزيل كل هذا حينما رمم المعبد في القرن الثاني عشر الميلادى في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي كما بني أمام المدخل حائط لتحصينه ورممت الزوايا والجدران وإستخدمت الأحجار التي تساقطت من المعبد القديم بسبب زلازل القرن العاشر الميلادى التي دمرت تدمر وجعلتها أنقاضا وبذلك جعل صلاح الدين من المعبد قلعة أو حصن يلجأ إليها السكان ليحتموا من الصليبيين وقد بقيت كذلك حتى عام 1930م .    

thumbnail (9)    

 ومن أهم آثار تدمر أيضا قوس النصر وهو أشهر معالم مدينة تدمر ويعتبر من أشهر المباني المعمارية الجذابة في العالم وهو عبارة عن بوابة ذات ثلاثة مداخل فوقها قوس تزينه نقوش هندسية ونباتية بناه سيبتيموس سيفيروس الذي حكم المدينة بين عام 193م وعام 211 م ويحيد هذا القوس حوالي 30 درجة عن الطريق المستقيم وقد بني القسم الأكبر منه في نهاية القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلاديين ليوصل الطريق المستقيم بمعبد بل وكان القسم الأوسط  منه وعرضه 11 متر يؤدى إلي الطريق المستقيم وكان مخصصا لسير الحيوانات والعربات لذا لم يكن مرصوفاً اما القسمان الجانبيان فكانا يؤديان إلي رواقين عرض كل منهما 7 أمتار وكانا مسقوفين ولهما أعمدة قطر الواحد منها 95 سنتيمتر وإرتفاعه 9.5 متر وكان لها أرفف لحمل تماثيل الشخصيات الهامة وتحت كل تمثال يكون مكتوبا إسم صاحبه مثل الأعمدة التي كانت داخل معبد بل ولم يبق من هذه الأعمدة سوى 150 عمودا وكانت المخازن والأماكن العامة تُفتح على هذه الأروقة وتعود أصول فكرة بناء هذا القوس إلى العصور الرومانية التي إبتكرت شكل هذا القوس وغيره من الأٌقواس التي كانت منتشرة في بلاد الإمبراطورية الرومانية المختلفة والذى عادة ما يكون علي شكل بناء مؤلف من قوس أو منحنى مرفوع على مجموعة أعمدة وقد يختلف التصميم والشكل لكنه ثابت من حيث المبدأ ليكون صرح يرمز للنصر في معركة أو في حرب يكون قد خاضها أحد الأباطرة الرومان ووفقا لبعض المصادر تم بناء القوس الموجود في مدينة تدمر لإحياء ذكرى إنتصارات الرومان على الفرس ويشار له أحيانا بشكل خاطئ بإسم قوس هادريان على الرغم من أن الإمبراطور هادريان قد مات قبل بناء القوس بحوالي نصف قرن من الزمان وقد قام الرحالة البريطاني روبرت وود بتوثيق هذا القوس وباقي آثار تدمر بوجه عام في عام 1753م و نشر هذا التوثيق في العاصمة البريطانية لندن تحت عنوان أطلال تدمر كما تم ترميم القوس في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي عندما أصبحت تدمر منطقة جذب سياحي حيث ان القوس يعتبر من المعالم السياحية الرئيسية للمدينة وللأسف الشديد كان تدمير القوس بواسطة تنظيم داعش الإرهابي أكبر ضربة موجعة يتعرض لها التراث البشري والإنساني وكانت هذه الحادثة في أواخر شهر أغسطس من عام 2015م .  

thumbnail (10)

 ومن أهم آثار مدينة تدمر أيضا معبد نابو ونابو هو أحد آلهة حضارة ما بين النّهرين ويعد رمز الحكمة والنبوءة ويضم المعبد مذبحا ومدخله ذو أعمدة من البروبيلين ويبلُغ طوله 20 مترا وإرتفاعه 3 أمتار والأجورا وهي ساحة مستطيلة الشكل يبلُغ طولها 71 مترا وعرضها 48 مترا وتم بناؤها في القرن الثاني الميلادي ويحيط بها عدد من الأروقة المعمدة وتحتوي أسوارها على نوافذ مستطيلة الشكل مليئة بالزخارف الجميلة ومعبد بعل شمين وهو معبد قديم لإله الكنعانيين بعل شمين ويعود المعبد إلى القرن الأول الميلادي وقد تم ترميمه عدة مرات وكان قد إكتشفه علماء آثار سويسريون في الفترة ما بين عام 1954م وعام 1956م وهو يتواجد قرب العديد من المنشآت الأثرية السابق الحديث عنها  كقوس النصر ومعبد بل وغيرها وأيضا فللأسف الشديد في عام 2015م  تعرض المعبد للهدم على يد تنظيم داعش بعد السيطرة على تدمر خلال الحرب الأهلية السورية وقد وصفت اليونبسكو التدمير المتعمد للمعبد بأنه جريمة حرب . 

thumbnail (11)

 وتضم آثار مدينة تدمر أيضا شارع الأعمدة والذى يبلغ طوله 1.2 كيلو متر ويحتوي على قوس النصر وفي آخره يوجد معبد نابو والمسرح الذى شيد من الحجارة الكلسية ويوجد به مرافق لإستقبال الجماهير وغرف للممثّلين ويعتقد علماء الآثار بأنه قد بني في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي وقد أعيد بناؤه بعد إنهياره عام 273م عندما سيطر الرومان على المدينة ودمروها  وقد كان مدفونا تحت الرمال حتى عام 1950م ثم جرت أعمال التنقيب والترميم عام 1952م وتم إكتشافه وفي فترة سيطرة تنظيم داعش على مدينة تدمر التي بدأت في يوم 21 مايو عام 2015م وفي مطلع شهر يوليو من نفس العام قام التنظيم ببث فيديو يظهر من خلاله عدد 25 عضوا من التنظيم في سن المراهقة وأمامهم 25 سجينا من الذكور البالغين يرتدون ملابس عسكرية أمام هذا المسرح وبعد ذلك تم إعدامهم رميا بالرصاص وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان وأن ذلك قد تم تنفيذه في يوم 27 مايو من العام المذكور وقد تمت إستعادة مدينة تدمر من قبل الجيش السوري بدعم جوي روسي في شهر مارس عام 2016م وقد أظهرت لقطات من الطائرات بدون طيار أن المسرح ظل سليما إلى حد كبير وفي يوم 5 مايو عام 2016م بمناسبة الذكرى المئوية لذكرى شهداء سوريا وللإحتفال أيضا بمناسبة تحرير المسرح إستضاف المسرح حفلتين للموسيقى الكلاسيكية وكانت الحفلة الأولي هي أول حفلة موسيقية أوروبية وروسية تقام علي هذا المسرح وإستمرت 20 دقيقة وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنها مشيدا بالمشاركين فيها وكتبت صحيفة الإيكونوميست أن بوتين بذل كل ما بوسعه للتأكيد على رسالة الحفل بأن روسيا تقود الكفاح من أجل الحضارة الغربية أما الحفل الثاني فكان حفل أوركسترالي وبمشاركة سورية وشمل الحضور أفراد من الجيشين السوري والروسي فضلا عن مسؤولي اليونيسكو والقادة الدينيين والصحفيين والسكان وللأسف فقد سيطر تنظيم داعش مجددا في شهر ديسمبر عام 2016م علي منطقة تدمر وقام أفراده بتدمير واجهة المسرح وذكرت السلطات السورية أن صور الأقمار الصناعية قد أظهرت علامات التدمير المتعمد .    

 وبالإضافة إلي ماسبق تشمل آثار تدمر أيضا معسكر ديوكلتيان المخصص للدفن والذى شيد في القرن الثاني للميلاد في عهد هيروقليسمن من قبل الإمبراطور ديوقلسيان والإمبراطور مكسيميان والقيصر مكسيمنان والقيصر قسطنطين ووادي القبور وهو يحتوي على مجموعة كبيرة من المقابر الملكية وهو يعرف أيضا بإسم المدافن البرجية ويعتبر من أقدم المدافن التي تعود أصولها إلى العهد الهيلينستي ومن أبرزها قبر لامليكو الذى يقع على منحدر تلة أم بلقيس في الجهة الجنوبية من وادي القبور ويعتبر من أوائل القبور التي شيدت في المدينة ومدفن كيتوت وقد شيد ما بين عام 40م وعام 50م ويبلغ إرتفاعه عشرة أمتار ومدفن إيلابل وهو يعتبر من أشهر وأكبر المدافن البرجية ويعود تاريخه إلى عام 103م ومدفن عتنتان البسيط وهو مدفن لا يحتوي على زخارف ويتكون من ستة طوابق وذلك بالإضافة إلي مدفن الأخوة الثلاث ومدافن زنوبيا كما تم في العصر الحديث تأسيس متحف أطلق عليه متحف الفلكلور وهو يحتوي على مجموعة كبيرة من الآثار والمكتشفات والفنون التي وجدت في مدينة تدمر كما يحتوي على الكثير من التماثيل إذ كانت العائلات الغنية تكرم موتاها من خلال التماثيل المنحوتة وهو مكون من طابقين وينقسم إلي عدة أقسام للآثار القديمة والتماثيل والمنحوتات وكافة المكتشفات والأدوات والأواني والمعدات إضافة لجناح المومياوات والكثير من الكنوز الأثرية كما تم تأسيس متحف آخر خاص بالتقاليد الشعبية التدمرية وهو يضم أقسام عن التقاليد الشعبية في تدمر والبادية وكل ما يتعلق بها من مظاهر وأنشطة الحياة والعادات والتقاليد وأساليب التنقل وغيرها . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى