طوف وشوف

مدينة مروى التاريخية بالسودان | مجلة السياحة العربية

بقلم : م/ طارق بدراوى 

مروي أو مرواه بالعربية أو ميدوي أو بيدوي باللغة المروية جميعها أسماء لمدينة مروي التاريخية وهي مدينة أثرية تقع في شمال بلاد السودان توجد علي الضفة الشرقية لنهر النيل وتبعد حوالي 6 كيلومترات إلي الإتجاه الشمالي الشرقي من مدينة كبوشية التي تقع شرقي نهر النيل علي بعد حوالي 209 كيلو متر من العاصمة السودانية الخرطوم بالقرب من مدينة شندي التي تقع في ولاية نهر النيل بالسودان علي إرتفاع 360 متر فوق مستوى سطح البحر وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 150 كيلومتر في الإتجاه الشمالي الشرقي و45 كيلومتر من موقع آثار مروي القديمة وتعتبر مدينة شندى واحدة من أهم المدن الواقعة في شمال السودان من حيث موقعها الرابط بين شمال وشمال شرق السودان بالعاصمة الخرطوم التي تقع في وسط السودان إلي جانب قربها من التجمعات الحضرية في شمال وشمال شرق السودان ومن حيث تاريخها التجاري والسياسي القديم والمعاصر كما تبعد مروى حوالي 200 كيلو متر عن العاصمة الخرطوم ويوجد بالقرب منها مجموعة من القري تسمي البجراوية وأبرز ما يميزها هو وجود أكثر من 200 هرم في ثلاث مجموعات أطلق عليها إسم الأهرامات الكوشية وهي مباني مميزة الأحجام والأبعاد وقد تحطم الكثير منها عبر العصور المختلفة ولم يبق منها إلا عدد قليل وقد كانت مدينة مروى عاصمة للملكة الكوشية لعدة قرون وهي المملكة التي قامت في المنطقة جنوب الشلال الأول في بلاد النوبة العليا والسفلى حيث قامت حضارة وادي النيل النوبية الكوشية في هذه المنطقة وكانت لها ثلاث عواصم كل واحدة منها تعد إمتدادا للأخرى وهي كرمة ونبتة ومروي وجدير بالذكر أن السودان القديم يحفل بالعديد من الملامح التي تؤكد رسوخ الحضارة في تلك البلاد والتي تتمثل في الكثير من الآثار والمنتجات التاريخية وتتوزع عبر الأقاليم والمدن لتكشف عن ثقافة الإنسان السوداني وقدرته على الإبداع والنماء ويذخر السودان بالعديد من الآثار التي تكتسب قيمتها بمقارنتها بالفترة الزمنية للمناطق التي تماثله وتجاوره ولذلك تبرز أهمية أهرامات البجراوية كإنجاز سوداني في حقبة زمنية تمثل التكوين الثقافي لمجتمعات أوجدت فنا معماريا فريدا وإستخدمت فيه أنظمة حسابية تعتبر متقدمة في مجال الثقافة السائدة في ذلك الوقت .       

thumbnail (1)                                                                                              

وتقع مدينة مروى التاريخية في الحافة الشرقية للإقليم الذي يشمل شبه الجزيرة الواقعة بين نهر عطبرة في الشمال والنيل الأزرق في الجنوب ونهر النيل في الشرق والذى يطلق عليه إسم إقليم البطانة والذى يحتوي علي موقعين كوشيين هامين أولهما هو موقع النقعة وهي مدينة أثرية سودانية قديمة كانت أحد مدن المملكة الكوشية في مروي وتبعد حوالي 170 كيلو متر شمال شرق العاصمة السودانية الخرطوم و50 كيلو متر الي الشرق من نهر النيل وإلي الشمال من منطقة ود بانقا وهذا الموقع يقع تحديدا عند إلتقاء وادي العوتيب الرئيسي القادم من منطقة البطانة بالأودية الصغيرة المتجهة نحو نهر النيل وتعتبر هذه المنطقة محطة تجارية وموقع إستراتيجي هام ويتضح هذا جليا من كميات الآثار الهائلة التي وجدت في هذه المنطقة والتي كانت أحد مداخل المملكة الكوشية التي كانت بدورها تلعب دور الجسر بين دول العالم الوسيط وبلاد قارة أفريقيا في قديم الزمان وبالموقع آثار هامة جديرة بالملاحظة مثل معبد أباداماك ومعبد آمون والمعبد الروماني وثانيهما هو موقع المصورات الصفراء وهو موقع أثري كوشي في شمال السودان يبعد حوالي 32 كيلو متر عن مدينة مروي و20 كيلو متر عن موقع النقعة و190 كيلو متر شمال شرق العاصمة السودانية الخرطوم وحوالي 29 كيلو متر الي إتجاه الشرق من مجري نهر النيل ويشكل هذا الموقع مع مدينة مروي وموقع النقعة شبه جزيرة مروي والتي تم إدراجها ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في عام 2011 م . 

thumbnail (7)                                                                                                                        

وفي منتصف القرن السادس قبل الميلاد تأسست في مدينة مروى مملكة أطلق عليها مملكة مروى والتي كانت تعد من أعظم الممالك النوبية في التاريخ النوبي حيث أنها إستمرت لمدة عشرة قرون وعاصرت في مصر الأسرة الفارسية ودخول الإغريق والرومان مصر وكان لها دور كبير في إثبات نفسها ضد الغزاة الذين حكموا مصر في هذه الحقبة الزمنية وقد مرت حضارة مروي بأربع مراحل متعاقبة وهي تبدأ بالمرحلة الأولي في منتصف القرن السادس قبل الميلاد وحكم فيها الملوك في مدينة نبتة العاصمة القديمة لمملكة كوش وكان يوجد بها المعبد الرئيسي للإله أمون وأيضا حكم الملوك في هذه المرحلة في مدينة مروي حيث كان يوجد فيها مقر الحكومة والقصر الملكي وفي هذه المرحلة دفن الملوك والعديد من الملكات في جبانة نوري التي تقع بالقرب من نبتة ولكن تم دفن بعض الملكات في الجبانة الغربية بمروي ويلي ذلك المرحلة الثانية في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد وظل مقر الحكومة والقصر الملكي في مروي ولكن الملوك والعديد من الملكات دفنوا في مروي وإقتصرت أهمية نبتة علي معبد آمون وتبدأ المرحلة الثالثة بعصر الملك أركماني في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد وكان مقر الحكومة والقصر الملكي في مروي أيضا ودفن الملوك في الجبانة الشمالية بمروي ودفنت الملكات في الجبانة الغربية وإزدهرت مروي في هذا العصر وبدأ الملوك يبنون مباني دينية بها وبدءا من القرن الأول الميلادي بدأت حضارة مملكة مروي في الأفول والإضمحلال وهي تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل هذه المملكة ودفن الملوك خلال هذه المرحلة بالجبانة الشمالية بمروي ودفنت الملكات بالجبانة الغربية وإنتهي الأمر في آخر هذه المرحلة بأن إنتهت حضارة مروي لأسباب عديدة حيث تشير التقارير من المصادر التاريخية أن قيام الرومان بإحتلال مصر ورغبتهم في التوسع جنوبا أدى إلي وقوع إضطرابات فى المنطقة الجنوبية من مصر وبإمتداد العمق السوداني مما أدى إلي وقوع مناوشات وأعمال عنف بين النوبيين والرومان وحاول النوبيون غزو جنوب مصر فقام بترونيوس الحاكم الروماني لمصر بإعلان الحرب عليهم وتمكن من دحرهم والإنتصار عليهم وطردهم من جنوب مصر كما تمكن من الإستيلاء علي ممتلكاتهم وثرواتهم فقاموا بهجوم كبير علي القرى المصرية الواقعة قرب الشلال الأول في جنوب أسوان وإستولوا علي العديد من المقتنيات والتماثيل وكان من بينها تمثال معدني لرأس الإمبراطور الروماني أغسطس نفسه وقاموا بدفن التمثال عند درج المعبد كي يطأه الناس بأرجلهم عند دخولهم وبعد ذلك تم توقيع إتفاق سلام بين الرومان والنوبيين في جزيرة ساموس عام 22م وتم إعادة تلك التماثيل وتمتعت مملكة مروى بعلاقات طيبة مع الرومان ولكن بلا شك أن هذه الحروب قد أضعفت المملكة ومن ثم فقد تدهورت الصناعات التقليدية فيها ودب الضعف في أوصال المملكة مما مكن مملكة أكسوم والتي كان مقرها في مدينة أكسوم على سفح جبال عدوة شرق إقليم تجراي الواقع حاليا في أثيوبيا من القيام بغزو أراضي مملكة مروى في منتصف القرن الرابع الميلادى ويقال إن عيزانا ملك مملكة أكسوم في ذلك الوقت عندما علم أن مملكة مروي المجاورة لبلاده قد أحرزت نموا وتقدما حضاريا مشهودا تقدم بجيوشه لغزو مروى وهكذا كانت نهاية مملكة مروي علي يده .       

thumbnail (6)                                                                             

ويمكننا القول إن مدينة مروي كانت قاعدة أساسية لمملكة مروي المزدهرة والتي إرتبطت بعلاقات تجارية كبيرة وقوية مع الهند والصين كما إزدهرت بها صناعات الحديد العالية الجودة وإشتهر صناع الحديد المرويين وكانت لهم شهرتهم في العالم ولذلك فقد إجتذبت مروى عمال التعدين من بلاد عديدة للعمل بها مما جعل الباحثين يطلقون عليها برمنجهام أفريقيا القديمة كما إستعان ملوك مروي بالساقية المصرية لزيادة إنتاج المحاصيل وقامت بتصدير النسيج المصنوع من القطن والذي إزدهرت صناعته عام 400 ق م وصدرت مروى أيضا الذهب والذي يتواجد في أرضها بشكل كبير كما تاجر المرويون في الماشية التي جلبوها من وسط أفريقيا كما سيطرت مروي في عز مجدها علي مسافة طولها في النوبة أكثر من ألف كيلومتر وكان الحاكم المروي حاكم أوتوقراطي ويشاركه السلطة فقط الأم الملكة ولكن دورها كان وما يزال غير معلوم لنا ولا يزال غامضا وتكونت الإدارة من أمناء مخازن وحاملي أختام ورؤساء أرشيف وكتبة وإستخدم ملوك مروي خط كتابة جديد بعيدا عن الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة التي إستخدمها ملوك نبتة وإن كانت مشتقة منها وهي تعتبر اللغة النوبية القديمة ومن المعروف أن أول نص كتب بالخط المروي يرجع إلي القرن الثاني قبل الميلاد وبعد ذلك إستبدلت النصوص المروية بالنصوص القبطية مع دخول المسيحية إلي النوبة في القرن السادس الميلادي وفك فرانسيس ليلوين جريفث رموز الكتابة المروية عام 1909م بعد أن طابق وأدرك حروف الأسماء في النصوص المروية والهيروغليفية وتتكون اللغة المروية من 23 حرف هجاء كانت تكتب بالخط النسخ المشتق من الصور الهيروغليفية وخط الرقعة المشتق من الخط الديموطيقي الذي كانت تكتب به اللغة المصرية القديمة كما كانت هذه الحروف تكتب من اليمين إلي اليسار ومن أعلي إلي أسفل .                      

thumbnail (5)                                                                                     

ومن الناحية الدينية فقد دلت موائد الفرابين المروية وتماثيل ألبا التي تمثل الروح علي إيمان المرويين بما يحدث في العالم الأخر وقد صنع المرويون موائد القرابين من الأحجار المتنوعة  وكانت هذه الموائد مخصصة لأهل المتوفى الذين يأتون إلي المقابر لزيارة موتاهم فيسكبون الماء في الجزء المنخفض الأوسط من هذه الموائد علي القرابين بإستخدام أواني كانت تقطع علي الشكل المربع أو المستدير ويحيط بحوافها نصوص كورسيفية أى خط الرقعة المروية ودائما ما كان يصور الإلهين نفتيس وأنوبيس وهما يصبان الماء علي القرابين الموضوعة علي هذه الموائد ومما دل أيضا علي إيمانهم بالعالم الأخر مناظر المقاصير التي ألحقت بالأهرامات التي شيدوها في البجراوية والتي صوروا فيها مناظر جنائزية ونصوص من كتاب الموتى ذلك الكتاب الديني المصري الشهير وإعتبر المرويون الآلهة المصرية المعروفة إيزيس هي الآلهة التي تمنح الشخصية المجردة الخاصة بالمتوفى بإعطائها الإذن بمغادرة المقبرة إلي الجنة أما الإله المصرى أيضا أوزوريس فهو الذي يرشده في دروب العالم السفلي وقد عبد المرويون الآلهة المصرية وتضمنت هذه الآلهة الإله آمون وسماه المرويون آمان والآلهة إيزيس وأوزوريس وحورس وتحوت وغيرها وكان الإله آمان هو الإله الخالق منجب الملك ويعد الإله آمون من أقدم الآلهة التي تعبد لها النوبيون حيث كان له ظهور في الحضارة الكوشية منذ القدم وكان مركز عبادته في نبتة ولكن شيدت له معابد أخرى في كوة ومروي وإعتبر الملك المروي نفسه وسيطا بينه وبين البشر كما إعتبر المرويون أنفسهم عبيدا لهذا الإله وإعتبر النوبيون عامة والمرويون أن روح الإله تسكن في الجبل المقدس المعروف بإسم جبل البركل الذى سنتكلم عنه في السطور القادمة بإذن الله ولذا أصبح الإله أمون يعرف بإسم آمون جبل البركل ومن المعروف أن مؤسس مدينة نبتة ومشيد أول معبد لآمون هو الملك المصري تحتمس الثالث في منتصف القرن الخامس عشر ق.م وقام ملوك نبتة ومن بعدهم ملوك مروي بعمل إضافات لهذا المعبد كما شيدوا معابد لأنفسهم بإسم نفس الإله وكان الإله الرسمي في العصر المروي والذي يلي آمون في المكانة والأهمية هو الإله أبيدماك والذي صور علي شكل أسد وإعتبروه إله الحرب كما عبد المرويون إلها محليا أخر وهو سبيوميكر وإعتبروه الإله الخالق خاصة عند المرويين الجنوبيين .    

thumbnail (4)                                                                                                                

وخلاصة القول إنه يوجد في مروى نوعان من المعابد يبرز من خلالهما جماليات الفن المعماري لتلك الحقبة التي ظلت تثير إهتمام الباحثين في علم التاريخ والمعمار والآثار حيث أنها عبرت عن الوجه المشرق للحضارة النوبية وهما المعبد الآموني والمعبد المروي اللذان برزا كملمحين أساسيين في شكل المدينة المروية التي تبلغ مساحتها ما بين 30 و50 هكتارا ويبلغ عدد الأهرامات بها 57 هرما من جملة أهرامات أخرى وقد تم إكتشاف خرائط الشكل الهندسي لها داخل الهرم الذي يعرف بالهرم ذو الطرف المسطح حيث وجدت داخل إحدى غرفه وهي الغرفة رقم 8 وتتميز هذه الأهرامات بنهايتها المدببة وبزاوية ميلها شديدة الإنحدار من أعلي إلي أسفل وبصغر حجمها وقلة إرتفاعاتها التى تتراوح بين 6 أمتار و30 متر وفي المظهر العام تشتمل مدينة مروي على المدينة الملكية ومجموعة من الأهرامات تحتوي على مدافن والتي تعرف بالأهرامات الجنوبية والأهرامات الشمالية والأهرامات الغربية حيث تقع الأهرامات الجنوبية علي بعد أربعة كيلومترات إلى الشرق على حافة سلسلة من تلال الحجر الرملي وتعتبر الأقدم زمنا حيث بنيت في الفترة ما بين عام 720 ق.م وعام 300 ق.م وهي بذلك تعد الأهرامات الأولى التي بنيت في مروي وإتبع فيها تقاليد الدفن الملكي التي كانت متبعة في مقبرة نورى التي تقع بالقرب من مدينة نبتة حيث مقابر ملوك وملكات مملكة مروي القدماء وقد حظيت أهرامات مروي بإهتمام غربي حيث ذكر الخبير الألماني فريدريتش الذي إرتبط بالآثار السودانية منذ عام 1960م عبر البعثة الأثرية التابعة لجامعة هومبلدت في برلين في الحفريات الأثرية بمنطقة شندي بشمال السودان حيث ذكر أن إكتشاف خريطة تشييد الأهرامات كانت وليدة الصدفة المحضة وروي الألماني فريدريتش أيضا أنه قبيل مغادرته لمنطقة الأهرامات عائدا إلى برلين ظل يتمعن ويتأمل فيها حيث لفت إنتباهه وجود خطوط محفورة على هرم منها مما جعله يطيل النظر والتحديق في هذه الخطوط المحفورة بعناية كبيرة وعندما قام بتسجيلها وجدها تشكل مقاسات طولية وعرضية فشرع في عمل مقارنة هذه المقاسات بالأهرامات فوجدها مطابقة تماما للهرم رقم 2 بقاعدة خمسة أمتار وإرتفاع ثمانية أمتار .              

thumbnail (3)                                     

ومما يجب ملاحظته في أهرامات البجراوية أنها تتجه جميعها ناحية الشرق لتحية الشمس وإستقبال مشرق اليوم الجديد وتتشابه مع أهرامات مصر بأنها تزدان بعناصر زخرفية مستوحاة من الحضارتين الفرعونية والكوشية التى إشتهرت بإسم حضارة الفراعنة السود وقد يتعجب القارئ ويتساءل لماذا لم تنل هذه الآثار التى تعد من الكنوز الأثرية الثمينة وكان يجب أن تكون لها  شهرة واسعة كتلك التى تتمتع بها أهرامات الجيزة في مصر على الرغم أن منظمة اليونيسكو قد أدخلتها ضمن أماكن التراث العالمي والإجابة ببساطة تكمن في عدم التسويق لتلك الأهرامات والترويج والدعاية لها ومن ثم عدم قدرتها على إجتذاب الزائرين وذلك يعود في الأساس نتيجة الظروف السياسية التي مرت بها السودان والعقوبات التي فرضت عليها في وقت من الأوقات فضلا عن وجود هذه الأهرامات فى منطقة صحراوية قاحلة غير مؤهلة لإستقبال السائحين وليس فيها أى عناصر جذب لهم علي نطاق واسع .                           

       thumbnail (12)      

 وجدير بالذكر أن أول معرفة للغرب بحضارة مروى وآثار وأهرامات هذه المملكة كانت على يد عالم المعادن الفرنسي فريدريك كلود الذي زار مروى عام 1821م ثم عاد إلي أوروبا  ونشر مؤلفا يصف فيه آثار مروى ويعتقد أن هذا الكتاب كان هو السبب الرئيسي لحضور الكثير من صائدى الكنوز والباحثين عن الذهب وكان على رأس هؤلاء الطبيب الإيطالي جوزيبي فريليني الذى كان مرافقا لحملة محمد علي باشا لفتح بلاد السودان والذى إكتشف خلال عام 1834م آثارا متنوعة منها مجموعة من المجوهرات والحلي الذهبية الملكية والمعروضة في متحف العاصمة الألمانية برلين حتى اليوم أما من الناحية العلمية فينسب إكتشاف حضارة مملكة مروي للعالم الألماني كارل ريتشارد ليبسيس في عام 1844م الذي قام برسم العديد من الخرائط والرسومات للمنطقة وأهراماتها وآثارها وكنوزها والمعروضة أيضا في نفس المتحف حتي اليوم وبعد ذلك توالت وتواصلت عملية إستكشاف المنطقة خلال الفترة من عام 1902م إلي عام 1905م علي يد عالم المصريات والمستشرق الإنجليزى إي وليامز بدج والذى كان له الفضل في إكتشاف معظم أكبر وأضخم آثار مملكة مروي حتي الآن ومنها مجسمات النحت البارز في حوائط المعابد التي تظهر أسماء الملكات وبعض الملوك وبعض فصول كتاب الموتى والمسلات المنقوشة باللغة المروية والأواني المعدنية وأعمال الخزف والتى ضمها فى كتابه السودان المصري- التاريخ والآثار والذى أصدره في العاصمة البريطانية لندن عام 1907م وأثبت من خلاله أن الأهرامات النوبية كان يتم بناؤها على غرف تم نحتها في الصخر وتحتوى علي أجساد الملوك الراحلين التي كان في العادة يتم تحنيطها كمومياوات أو يتم دفنها وفي عام 1910م وبناءا علي توصيات عالم الآشوريات الإنجليزى أرشيبالد سايس الّذي كان يرأس كرسي الدراسات الأشورية بجامعة أكسفورد تم القيام بأعمال حفر وتنقيب وإستكشاف واسعة في تلال مروي ومقبرتها الكبرى بواسطة العالم الإنجليزي جون جراستنج حيث أسفرت هذه الأعمال عن إكتشاف قصر كبير ومعابد شيدها حكام مروي ثم في عام 1916 قام الحاكم البريطاني للسودان السير ريجنالد وينجت مابين عام 1899م وعام 1916م بإرسال قوات لشق الطرق إلى أهرامات مروي وقد أدى ذلك إلي إغراق العديد من أعمدة هذه المعابد وغيرها من الآثار في مياه النيل .                

thumbnail (11)                                                                                                     

ويروى المؤرخون الإغريق الذين بحثوا في تاريخ المنطقة أن الملك أركماني هو أول ملك يشيد هرم في القرى المسماة بالبجراوية والتابعة لمروى كما أنه قد حدثت تغيرات عديدة طرأت إبان فترة حكمه على صعيد المشهد السوداني من خلال تطوير أساليب السودانيين الفنية والمعمارية الخاصة بالذوق العام والتي كانت تختلف عن الأساليب المصرية عندما أطلت الكتابة المروية التي حلت محل الكتابة المصرية في تلك الفترة وأصبح الإله المروي الأسد أبادماك بقوة الإله المصري آمون ويعتقد العلماء أنه كان مؤسسا لأسرة حاكمة جديدة حيث تم تحديد فترة حكمه كبداية للعصر المروي وعند موت أركماني وضع جثمانه في الهرم رقم 7 الذي يعكس مدي الطفرة الإقتصادية والفنية مقارنة بالأهرامات الأخري في مملكة مروي وجدير بالذكر أن الزائر لأهرامات البجراوية اليوم يعانق الماضي بالحاضر عندما تحولت ساحاتها حاليا إلى سوق تعرض فيه الكثير من المنتجات النوبية الشعبية ذات الطابع الأثري فيما تنشط حركة الأهالي بتقديم برامج ترفيهية للسياح الذين يتوافدون إلي المنطقة من أجل إكتشاف تفاصيل سودان الأمس وفي المقابل نجد أن نشاط السياحة قد بدأ ياخذ إهتمام حكومة دولة السودان بعد أن تعرضت المناطق السياحية هناك لعمليات سطو وسرقة في فترات متباعدة في السابق الأمر الذي لفت النظر إلي ضرورة الإهتمام بها وتطويرها في الفترة الأخيرة كما أنها قد وجدت إهتماما من الأهالي والمنظمات التي تهتم بالحفاظ على التراث القومي وقد بدأت الدولة السودانية بالفعل مؤخرا تولى عنايتها بتلك المناطق وما بها من آثار وتم تنظيم حملة قومية لترميم وإستعادة بهاء تلك الأهرامات التي تم إهمالها لفترات طويلة من الزمن حيث بدأت بعثة دولية تضم خبراء فى الآثار وأعمال الترميم من المعهد الألمانى للآثار بالإشتراك مع كوادر وطنية من الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالسودان وخبراء من مختلف أنحاء العالم بهدف وضع خطة متكاملة شاملة لإدارة موقع البجراوية بإعتباره أحد مواقع التراث المسجلة بالقائمة العالمية لمنظمة اليونيسكو والتى يتركز فيها دفن ملوك وملكات مملكة مروى وتأهيل أكثر من 40 هرم منتشرة في المنطقة من خلال خطة ممتدة حتي عام 2022م كما تشمل هذه الخطة إعادة تأهيل مناطق جبل البركل وجبانتي نورى والكرو للبحث عن مزيد من الكنوز الأثرية التى قد تحتويها رمال المنطقة .       

thumbnail (10)                                                                         

وبخصوص جبل البركل الذى جاء ذكره في السطور السابقة فهو جبل صغير جدا إرتفاعه 98 متر ويقع علي بعد حوالي 400 كيلو متر شمال العاصمة السودانية الخرطوم في الولاية الشمالية بجوار مدينة كريمة عند الإنحناء النيلي الكبير وهو يتميز بقمته المسطحة وكان من المعالم الأساسية في الطرق التجارية بين وسط قارة أفريقيا والجزيرة العربية ومصر حيث أن مكانه هو المكان الأفضل لعبور النيل إلى كلتا الضفتين وكذلك لكونه يشكل جزءا أساسيا من حضارة نبتة التي نشأت علي سفوحه وقد تم إعلان الموقعين نبتة وجبل البركل كأحد مواقع التراث العالمي الإنساني التابعة لليونيسكو في عام 2003م وهو من المواقع التاريخية المحورية التي شهدت جزءا طويلا من الحضارات النوبية والكوشية القديمة التي إمتدت لأكثر من 5 آلاف عام ولكن أبرز الأحداث التاريخية يبقي غزو الفرعون المصرى تحتمس الثالث للمنطقة في عام 1450 ق.م وإنشائه حامية عسكرية بجوار مدينهة نبتة أحد عواصم المملكة الكوشية القديمة حيث إعتبر أن تلك النقطة هي حدود مصر الجنوبية وبعد 300 عام من هذا الغزو تحولت مدينة نبتة الي عاصمة المملكة الكوشية وقام ملوك الأسرة الخامسة والعشرين بتشييد معبد آمون النبتي في المدينة والذي يعتبر من المعابد الضخمة والتي تعتبر مقدسة لدي السكان المحليين حتي اليوم كما قام بعانخي بنصب مسلته الشهيرة التي أسماها 20 عاما من الإنتصارات وفي عام 1820م إكتشف المنقبون الأوربيون 3 قصور وحوالي 13 معبدا علي الأقل حول الجبل كما إكتشف ضابط مصري في عام 1862م عدد 5 نقوش تعود للفترة الإنتقالية الثالثة وقام بإيداعها في المتحف المصرى بالقاهرة وتوالت البعثات بعد ذلك مثل البعثة المشتركة بين جامعة هارفارد ومتحف الفنون الجميلة في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأميريكية بقيادة عالم الآثار الأميريكي المعروف جورج أندرو ريزنر والذى قام ايضا بإكتشاف مقبرة الملكة الفرعونية حتب حرس أم الفرعون خوفو باني الهرم الأكبر بالجيزة والتي كانت تحتوى على عدد من قطع الأثاث الخشبية المزخرفة ولكن كان خشبها قد هلك غير أنه إستطاع بمساعدة معاونيه أن يعيد تركيب جزء كبير منه وكان ذلك في بدايات القرن العشرين الماضي ثم جاءت من بعده بعثة جامعة روما سابينزا التي عملت في الجبل طوال حقبة سبعينيات القرن العشرين الماضي بإشراف العالم سيرجيو دونادوني وإلتحق بهم في الثمانينيات فريق آخر من جامعة بوسطن بإشراف العالم تيموثي كندال .              

thumbnail (9)                                                                                                          

وبخصوص جبانة نوري والتي تقع علي الضفة الشرقية لنهر النيل علي بعد عشرة كيلومترات شمال شرق جبل البركل فيوجد بها بعض الأهرامات الملكية التي تخص ملوك النوبة ومن أقدم الأهرامات الموجودة بالجبانة هو هرم الملك النوبي الشهير طاهرقا كما شيد خلفاؤه مقابرهم وأهراماتهم في نفس المنطقة وكان أخر من شيد مقابر وأهرامات بهذه الجبانة هو الملك نستاسن وأما جبانة الكرو فهي تقع جنوب جبل البركل علي الضفة الغربية لنهر النيل وتضم هذه الجبانة أهرامات تؤرخ للفترة المبكرة من العصر الكوشي أي من عصر الملك ألارا وحتى عصر الملك نستاسن في بداية القرن الثالث ق.م وتنقسم الجبانة إلي ثلاثة أقسام بواسطة واديين وبها مقابر تلية وأهرامات ويبدو أن الجزء الأوسط منها هو الأقدم إذ يحتوي علي شواهد قبور وركام يعود الي ماقبل الحضارة الكوشية كما يضم مقابر علي هيئة تلال وهي الميزة التي تتميز بها الحضارة الكوشية عن غيرها من الحضارات وقد تم إستكشاف هذه الجبانة بواسطة عالم الآثار الأميريكي جورج أندرو ريزنر وإلي جانب هاتين الجبانتين عثر علي بعد 120 متر من الهرمين رقم 51 ورقم 55 بجبانة الكرو أربعة صفوف من الدفنات التي عثر بها علي جثث خيول وتتضمن الصفوف بالترتيب أربعة دفنات ثم ثمانية ثم ثمانية أخرى ثم أربعة ويؤرخ الصف الأول بعصر الملك بعنخي والصف الثاني بعصر الملك شاباكا والصف الثالث بعصر الملك شاباتكو والأخير بعصر الملك تانوات أماني ويتضح مما تبقي من هذه الدفنات أن الجياد كانت تدفن واقفة بكامل زينتها وإكسسواراتها .

thumbnail (8)

thumbnail (13)

thumbnail (14)

thumbnail (15)

thumbnail

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى