مقالات

مقياس النيل بجزيرة الروضة | مجلة السياحة العربية

بقلم : م/ طارق بدراوى

يقع مقياس النيل في الطرف الجنوبي لجزيرة الروضة بمدينة القاهرة وكان يستخدم لقياس فيضان النيل وعلي أساسه يتم تحديد قيمة الضرائب في العام الزراعي الذى سيلي الفيضان وقد عرف المصريون منذ أقدم العصور تشييد مقاييس المياه علي النيل على طول مساره من أقصى الجنوب ببلاد النوبة وحتي المصب عند دمياط ورشيد لكي يتعرفوا على إرتفاع المياه بنهر النيل نظرا للعلاقة الوثيقة بين كمية وحجم المياه بالنيل ونظام رى الأراضي الزراعية وتحصيل الضرائب والخراج ومنذ إستقرار الإدارة المركزية للدولة وضع قدماء المصريين نظاما دقيقا لتسجيل منسوب مياه النيل في سجلات رسمية وتظهر أقدم تلك السجلات لمناسيب الفيضان على حجر باليرمو الذى يعود تاريخه إلي الأسرة المصرية الخامسة ويحمل عدد 63 سجلا لمناسيب مياه النيل وتواصل القياس وتطور حتي الفتح الإسلامي لمصر حين بني مقياس النيل أو مقياس الروضة كما يطلق عليه أحيانا على رأس جزيرة الروضة بنيل القاهرة وإستمر إستخدام هذا المقياس حتى بداية القرن العشرين الماضي وكان لرصد منسوب مياه النيل التأثير الأساسي الذي يتم في ضوئه تقدير قيمة الضرائب والمساحات التي يمكن ريها خلال العام وكانت إدارات الأقاليم مسؤولة عقب الفيضان السنوى عن إدارة القنوات والترع بينما تجرى عمليات قياس مساحات الأراضي ومناسيب المياه على المستوى القومي هذا ويعتبر مقياس النيل بجزيرة الروضة من أوائل نماذج العمارة الاسلامية في مصر.

thumbnail (1)

وتعود قصة تشييد مقياس النيل بجزيرة الروضة الموجود حاليا إلي أنه لما تم الفتح الإسلامي لمصر إعتمد والي مصر آنذاك الصحابي الجليل عمرو بن العاص علي نفس الطريقة التي كانت متبعة قبل ذلك في تقدير الضرائب والخراج والتي تعتمد بصفة أساسية علي حجم ومقدار الفيضان السنوى وشيد مقياسا لمياه النيل لهذا الغرض في المكان الحالي وبذلك فهو يعد ثاني أثر إسلامي في مصر بعد جامع عمرو بن العاص ثم تم إعادة البناء عدة مرات آخرها ماتم بأمر من الخليفة العباسي المتوكل عام 247 هجرية الموافق عام 861م وهو البناء الحالي وجدير بالذكر أن هذا المقياس لم يكن المقياس الوحيد الذى تم بناؤه في العصر الإسلامي حيث بني مقياس آخر في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان والذى تولي الخلافة مابين عام 41 هجرية وعام 60 هجرية ومن بعده بني عبد العزيز بن مروان والي مصر في العصر الأموى أيضا في عهد الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان مقياسا للنيل في حلوان عام 80 هجرية وبني أسامة بن زيد التنوفي عامل الخارج مقياسا آخر عام 92 هجرية في عهد الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك وفي عهد سلفه سليمان بن عبد الملك أبطل العمل بهذا المقياس وأنشأ غيره عام 97  هجرية وفي سنة 247 هجرية أمر الخليفة العباسي المتوكل الذى تولي الخلافة بين عام  232 هجرية وعام 248 هجرية بإنشاء المقياس الحالي والذي عرف بعدة أسماء منها المقياس الهاشمي والمقياس الجديد والمقياس الكبير ومقياس الروضة وهو الإسم الذى يعرف به حتي الآن .   

thumbnail (3)                             

وقد عرف الموظف المسؤول عن المقياس بإسم صاحب المقياس وكان يقيس الزيادة بالمقياس كل يوم عصرا كما كان يقارن مستوى الزيادة في الماء كل يوم بما كان عليه في اليوم الذى قبله وبما كان عليه في ذلك اليوم في العام المنصرم حيث كانت تدون تلك البيانات في سجلات خاصة يتم رفعها إلى أولى الأمر وحيث يظل أمر تلك البيانات سرا وخاصة إذا قل مقدار الماء عن المقدار المطلوب حيث يجب ألا يعلم الناس بأمر تلك البيانات إلا مع إنتهاء موسم الفيضان وعندما يبلغ منسوب الماء 16 ذراعا أو 8.4 متر أو 27.5 قدم فهذا معناه أن الفيضان جيد وكافي فتعلن تلك البشرى للناس فيحتفلون بهذه المناسبة حيث أن ذلك يشير إلي أن مياه الرى ستكفي لرى زراعاتهم وعليه سيكون محصولها وفيرا ومن ثم لن تكون هناك أزمات في المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها الناس في حياتهم اليومية وغذائهم .                             

thumbnail (4)                 

عصر الخليفة العباسي المتوكل تمت عدة عمليات تجديد وترميم بمقياس النيل أولها ماقام به أحمد بن طولون عام 259 هجرية وتلاها عمليات أخرى أيام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 485 هجرية ومن بعده أيام دولة المماليك علي يد السلطان الظاهر بيبرس خلال القرن السابع الهجرى ثم أيام السلطان الأشرف قايتباى في أواخر القرن التاسع الهجرى وبعد ذلك حظي المقياس أيضا باهتمام سلاطين الدولة العثمانية السلطان سليم الأول في أوائل القرن العاشر الهجرى والسلطان سليمان القانوني من بعده وأخيرا السلطان سليم الثاني في أواخر القرن العاشر الهجرى ومن بعدهم نال أيضا المقياس إهتمام الحملة الفرنسية في أوائل القرن الثالث عشر الهجرى الموافق أوائل القرن التاسع عشر الميلادى وأخيرا كان مانم من إصلاحات في عهد الخديوى توفيق عام 1887م ومن بعده شقيقه الملك فؤاد الأول عام 1925م .

thumbnail (5)

ويتكون هذا المقياس الأثرى مما يلي :-
1- عمود رخامي مثمن القطاع ومدرج يعلوه تاج روماني يبلغ طوله 19 ذراع ومحفور عليه علامات القياس.

2- هذا العمود يتوسط بئر مربع مشيد بأحجار مهذبة روعي ان يزيد سمكها مع عمق البئر ولذلك فقد تم بناؤه علي 3 طبقات أكثرها سمكا الطبقة السفلية وأقلها سمكا الطبقة العلوية.

3- يجرى حول جدران البئر من الداخل سلم حجرى يصل إلي قاع البئر.

4- يتصل البئر بالنيل عن طريق 3 انفاق يدخلها ماء نهر النيل ليصل البئر من خلال 3 فتحات تقع في الجانب الشرقي حتي يظل الماء ساكنا فيه حيث أن حركة مياه نهر النيل تكون من الجنوب إلى الشمال.

5- يعلو هذه الفتحات عقود مدببة ترتكز على أعمدة ذات قواعد وتيجان ناقوسية.

وبحسب إرتفاع الماء بالبئر والذى يتم قياسه من التدريج الموجود علي العمود الرخامي يتم تقدير مستوى الفيضان فلو كان الإرتفاع أعلي من 16 ذراع كان هذا دليلا على أن الفيضان سيكفي لرى الأراضي الزراعية وبالتالي ستكون قيمة الخراج كبيرة ولو كان الإرتفاع أقل من 16 ذراعا كان هذا دليلا على قدوم موسم جفاف وعليه يجب علي الدولة عمل الإحتياطات اللازمة حتي لاتحدث أزمات في المحاصيل الزراعية .

thumbnail (6)

thumbnail (7)

thumbnail (8)

thumbnail (9)

thumbnail (10)

thumbnail (11)

thumbnail

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى