قلعة شيزر بسوريا | مجلة السياحة العربية .. #السياحة_العربية
بقلم : م/ طارق بدراوى
قلعة شيزر هي قلعة سورية تقع في بلدة شيزر التي تبعد عن مدينة حماة بمسافة 30 كم في الإتجاه الشمالي الغربي على الطريق الجبلي المختصر الذي يربط مدن الداخل في سوريا بساحل البحر الأبيض المتوسط ومدينة حماة بمدينة وميناء اللاذقية الساحلية ومدينة حماة مدينة سورية تحتل المرتبة الرابعة من حيث السكان بعد دمشق وحلب وحمص وتقع في وسط الجمهورية العربية السورية وهي مركز محافظة حماة و تقع على نهر العاصي وترتفع عن سطح البحر حوالي مائتين وسبعين مترا وتقع عند خط عرض 35 وخط الطول 62 ومناخها معتدل جيد رطوبته قليلة وأجمل فصول السنة فيها فصل الربيع حيث يعتدل المناخ والهواء وتنتعش النفوس وتزهو الحدائق والمتنزهات بالزهور والورود وتفترش الخضرة السهول والجبال وهي تبعد عن العاصمة دمشق 210 كم وعن مدينة حلب 135 كم وتوجد بها العديد من المعالم السياحية منها نواعير حماة وهي من أقدم آثارها وهي قائمة على نهر العاصي وتعد أكبر السواقي في العالم وأقدمها في التاريخ وما زال العديد منها يدور على هذا النهر لتتشكل منها لوحة فنية أخاذة مميزة وقد جعل جمال وضخامة وتفرد هذه النواعير المؤرخين يطلقون على مدينة حماة إسم مدينة النواعير بالإضافة لإسمها الآخر وهو مدينة أبي الفداء نسبة لأحد ملوكها قديما وهو إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب ويطلق عليه ملك أو صاحب حماة في سوريا وعماد الدين والملك العالم والملك المؤيد وهو مؤرخ جغرافي أيضا قرأ التاريخ والأدب وأصول الدين وإطلع على كتب كثيرة في الفلسفة والطب كما نظم الشعر هو ليس بشاعر وأجاد الموشحات وقد عاش في الفترة مابين عام 672 هجرية الموافق عام 1273م وبين عام 732 هجرية الموافق عام 1331م .
وإلي جانب النواعير توجد بحماة أثار وقلاع مثل قلعة حماة وقصر العظم وهو الآن متحف الفنون الشعبية ويقع وسط مدينة حماة القديمة في حي الطوافرة وكان سابقا قصرا لأحد وجهاء المدينة ويحوي العديد من الآثار والتحف التي وجدت في وادي العاصي وقلعة حماة القديمة كما يوجد في حماة عدة جوامع قديمة مثل الجامع الكبير وجامع النوري وجامع أبي الفداء ومباني أثرية كثيرة وقناطر المياه الشهيرة على نهر العاصي إلي جانب عدد من الكنائس منها كنيسة سيدة الدخول للروم الأرثوذكس وتوجد في حي المدينة و أساس بنائها قديم وقائم على أنقاض كنيسة قديمة إكتشفت فيها لوحة من الفسيفساء عام 1982م وهي محفوظة حاليا في متحف حماة وهي مؤرخة بتاريخ عام 412م وبهذه الكنيسة يوجد أيقونات لكبار فناني المدارس التصويرية الإيقونوجرافية وأدوات فضية كنسية تعود لعام 1780م بعضها مؤرخ وعليه كتابات يونانية وسريانية وعربية إضافة إلى مخطوطات يونانية وعربية مؤرخة في عام 1452م كما تحوي في نهايتها لوحة للسيدة مريم العذراء والمسيح أما خارج المدينة فهناك الكثير من القلاع مثل مدينة أفاميا الأثرية والمناظر الطبيعية والجبال والغابات كما في وادي العيون ومصياف وأبو قبيس واللقبة حيث الطبيعة والجو المعتدل كما يقام في مدينة حماة مهرجان سنوي يسمى مهرجان الربيع في شهر أبريل من كل عام حيث يحضر المواطنون والسياح إلى هذا المهرجان ليشاهدوا فعالياته الجميلة من عروض فلكلورية ورقصات شعبية من جميع المحافظات السورية ويرون شخصيات تراثية قديمة كانت موجودة في الماضي وترحب نواعير حماة بضيوفها بصوتها الشجي المميز ويقام بجانب العروض الكرنفالية سوق للصناعات الشعبية والفلكلورية والصناعات الحديثة من حماة وغيرها والذي يقام في عدة أماكن في حماة منها السوق المقام حول القلعة كما تقام أيضا ضمن فعاليات المهرجان عروض مسرحية ومعرض للكتاب.
وقلعة شيزر الموجودة بقرية شيزر إحدى قرى حماة سميت بإسم هذه القرية شيزر حيث تسمي قلعة شيزر ومايزال في هذه القرية بعض الآثار القديمة المتبقية فهناك الجسر القديم بقواعده التي تعود إلى العصر الروماني في القرن الأول الميلادي وبقناطره التي تعود إلى العهد الأيوبي والذى رمم عدة مرات غير أنه تعرض عام 1941م لفيضان نهر العاصي فتهدم القسم الأوسط منه وأعيد بناؤه فيما بعد وهناك الطاحونة بجانب الجسر والحمام الذي يعود أيضا إلى عهد الأيوبيين ويحتوي على حجرات وتمديدات للمياه ويطلق سكان البلدة على هذا الحمام إسم القهوة والذى إستعمل لفترة طويلة كخان وأيضا هناك سد الخرطلة التاريخي الذي يزيد إرتفاعه على 10 أذرع وكان قد تهدم عام 1343م وإستخدمت بقاياه في سد بسيط وقد شيدت قلعة شيزر على أكمة صخرية تحاذي نهر العاصي من الغرب وقد ورد إسم هذه القرية بين أسماء المدن السورية القديمة بإسم سيزار وسنزار وقد سميت في العهد السلوقي بإسم لاريسا ولكن السوريون أعادوا الاسم القديم وصارت تعرف بإسمها الحالي شيزر ويقال لها محليا قلعة سيجر وقد ذكرها الشاعر الشهير أمرؤ القيس بإسم شيزر في قصيدته الشهيرة عندما مر بها في طريقه إلى القسطنطينية إذ قال تقطّع أسباب اللبانة والهوى عشية جاوزنا حماةَ وشيزرا ويعود تاريخ بناء قلعة شيزر إلى الفترة السلوقية في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد وقد إنتقلت السيطرة عليها وعلي المدينة التي تحمل إسمها إلي الرومان ثم إلي البيزنطيين ثم فتحها العرب المسلمون عام 17 هجرية الموافق عام 638م بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وإستولوا عليها من أيدي البيزنطيين الذين ظلوا يحاولون السيطرة عليها لأنها باب سوريا للداخلين من أنطاكية ولكنهم لم يستطيعوا الثبات فيها .
وقد تعرضت القلعة للإحتلال البيزنطي مرة أخرى عام 388 هـجرية الموافق عام 998 م حتى إستعادها بنو منقذ عام 477 هـجرية الموافق عام 1081م وأصبحت في هذه الفترة من القرن الحادى عشر مقرا للحكام العرب وفي عام 552 هـجرية الموافق عام 1157م أصابها زلزال شديد قتل حاكمها وأفراد عائلته كلهم من سلالة بني المنقذ كلها الذين كانوا مجتمعين في القلعة في مناسبة ختان أحد المواليد ولم ينج منهم إلا شاعرهم وفارسهم أسامة بن منقذ الذي يشاء القدر أن يكون في دمشق مع شقيقين له فنجا الثلاثة فرممها نور الدين زنكي وولى عليها مجد الدين بن الداية ثم هدمت القلعة مرة أخرى بزلزال عام 1170م وأعيد بناؤها وقد صمدت في وجه الهجمات الصليبية التي توالت علي المشرق العربي بداية من أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر الميلادى ولما جاء التتار إلي سوريا في منتصف القرن الثالث عشر الميلادى أصيبت بأضرار شديدة ثم رممها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس وجدد عمارتها وتحصينها عام 660 هجرية الموافق عام 1261م ومن بعده السلطان قلاوون والذى أقطعها للأمير سنقر الأشقر عام 1280م ثم دخلت في حوزة العثمانيين وبدأ عصر تراجعها البطيء حيث تحولت إلى قرية سكنية في نهاية الفترة العثمانية وقلت أهميتها العسكرية حتى تلاشت وفي النصف الأول من القرن العشرين الماضي تم إخلاء السكان من القلعة لتبقى أطلال شيزر شاهدة على فترات الإزدهار والقوة التي مرت بها هذه المنطقة .
وعلي الرغم من الدمار والخراب الذى تعرضت له قلعة شيزر بسبب الزلازل الشديدة في القرون الماضية أكثر من مرة لكن مخططها العام ما زال واضح المعالم فعلى الأكمة الصخرية التي ترتفع أكثر من 50 متر عما يجاورها من الأرض من الغرب ويسايرها نهر العاصي من الشرق والشمال ليشكل خندقًا منيعا وقد أكمل الإنسان عمل الطبيعة بحفره خندق صناعي من الجهة الغربية للقلعة بحيث يفصل الجرف الصخري ويعطي القلعة منعة وقوة وحصانة ويصعب على الغزاة تجاوزها كما تمتد القلعة على الجرف الصخري بشكل متطاول 450 متر × 50 متر وقد بنيت أسوارها من الحجر الكلسي مستندة إلى القاعدة الصخرية حيث يعطي الإنحدار الشديد للجرف الصخري إرتفاعا شاهقا للقلعة من الجهة الغربية ويقع مدخل القلعة في جهة الشمال ويمكن الوصول إليه بدرج حجري يرتفع على طابقين من القناطر فوق الخندق والباب ذو عتبة مستقيمة يعلوها قوس منكسر فوقه كتابة عربية ومن فوقها يوجد مرميان للسهام وبقايا شرفة وحول الباب توجد كتلة هرمية مبنية بشكل مائل بحجارة كلسية كبيرة تستند من الأسفل إلى قواعد الجرف الصخري وتحمل الجدران من الأعلى ويولج من الباب عبر ممر معقود على طرفيه محارس فيها أدراج توصل إلى الطابق الثاني من الأبراج التي تحمي الباب عبر ممر معقود على طرفيه محارس فيها أدراج توصل إلى الطابق الثاني من الأبراج التي تحمي الباب ثم يوصل هذا الممر داخل القلعة حيث يستمر حتى البرج الجنوبي المعروف ببرج عرف الديك .
ولقلعة شيزر عدد من الأبراج أهمها أبراج المدخل التي تقوم على قمة الكتلة الهرمية وفوق المدخل مهمتها حماية المدخل والبرج الغربي ويطل على نهر العاصي من الغرب ويرتفع بعلو طابقين حيث توجد مرامي السهام في الطابق الثاني وقد تهدم منه الجزء الداخلي وقد إستخدم لبنائه الحجر الكلسي الكبير الحجم لبناء المداميك والأعمدة للربط الأفقي في الجدران لإكسابها المتانة والقوة والبرج الجنوبي وهو كتلة معمارية غاية في الجمال ويعطي فكرة عن روعة العمارة العسكرية الإسلامية وقد بني هذا البرج على مرحلتين وبابه في ناحية الشمال ويتصل بدرج يؤدي إلى الطبقات العليا وسقوفه معقودة وتحملها قواعد مربعة ضخمة وتتوسطه قاعة كبيرة تنفتح على مرامي سهام غاية في الروعة وفي الواجهة الغربية للطابق الثاني توجد شرفة لرمي السهام ويطل جداره الجنوبي على الخندق المحفور من الجنوب مما يعطي هذا البرج مشهدا شاهقا ومنيعا أما داخل القلعة فيوجد عدد من المباني التي ترجع إلى فترة أواخر العصر العثماني أى في بداية القرن العشرين الماضي حيث كانت القلعة مأهولة وتمتزج هذه الأبنية مع ما تبقى من أقبية وجدران ترجع إلى القرون الوسطى منها ناعورة مياه شهيرة هي ناعورة شيزر التي خربت بفعل الزمن وكانت هي الناعورة الوحيدة الموجودة خارج مدينة حماة من مجموع النواعير وعددها مائة يعمل منها اليوم 20 فقط أما الباقي فيخضع للترميم والإصلاح ومنها هذه الناعورة ناعورة شيزر وفي هذا السياق تنشط مديرية الآثار السورية حاليا بأعمال ترميم واسعة النطاق في قلعة شيزر تشمل برج مدخلها وتصفيح محيطها للحد من التصدعات لجعل القلعة آمنة وسهلة الزيارة لكل من يقصدها من السياح المحليين والعرب والأجانب ثم أن هناك مشروع مهم نفذته البعثة الأثرية السورية الإيطالية المشتركة لإكمال أعمال التوثيق والدراسة التاريخية للقلعة وكانت قد بدأت في عام 2005م في إجراء أعمال ترميم للبرج الجنوبي والسور الغربي وكذلك إجراء تنقيبات وحفريات أثرية في قلب القلعة للكشف عن المزيد من أسرارها المعمارية وكنوزها التاريخية وتعتبر القلعة والجرف التي تقوم عليه من أملاك الجمهورية العربية السورية أما المحيط من الأراضي من الشرق فهو أملاك خاصة وللوصول إلي القلعة من مدينة حماة عبر بلدة شيزر يوجد طريق معبد يقود حتى مدخل الدرج المؤدي إلى القلعة .