مقالات

رائعة (القلب يعشق كل جميل) خلفها قصة

كتب_أحمد الزهراني

احدى الروائع التي تغنت بها سيدة الشرق ام كلثوم وعنوانها (القلب يعشق كل جميل) سيمفونية خالدة ترتكز على حب الجمال وانه سبحانه خالق الجمال وبارئه ومبدعه، وأن الجمال الحقيقي صفة أزلية لله سبحانه وأن مناظر الدنيا كلها تذوب امام منظر المسجد الحرام والكعبة المشرفة.


دقة عالية وابداع منقطع النظير في اللحن والأداء والكلمات كل متناسق في هذه الرائعة وتعود قصة هذه الاغنية أن أحد السفراء السعوديين من أصدقاء أم كلثوم سألها ذات يوم: لماذا لا تقدمي انشودة دينيه تعبر عن الحج والأماكن المقدسة ؟. الفكرة تبلورت واخذت منحنى جدي فاقتنعت ورحبت أم كلثوم بالفكرة، وعرضتها علي الملحن المبدع السنباطي، الذي هو أيضا ابدى سعادته وجاهزيته لهذا العمل ولكن كانت هنالك معضله من هو الشاعر الذي سوف يصوغ كلمات هذه الانشودة ، السفير السعودي ايقض ذكرياتها وجعلها تبحث في ارشيفها الذي يكتنز دواوين عده منها ديوان الشاعر الكبير بيرم التونسي وقبل مرور أسبوع وجدت أم كلثوم ،,احدى روائعه الشعرية ( القلب يعشق كل جميل) القصيدة المكتوبة بلغة القلوب قبل ان تكون مكتوبة بلهجة مصرية غاية في البساطة والجمال وعلى الفور سلمتها ام كلثوم الى السنباطي ااذي عكف فيه لمدة شهرين قدم فيها عصارة موهبته وخبرته وابداعه . وموهبته واحترافيته المذهلة وحسه الموسيقي المرهف، في أن يتعامل بكل كلمة من كلمات القصيدة بحرفنه عالية حيث جمع في لحنه بين الإحساس بالجلال وعظمة المكان والزمان والشجن من جهة، والبهجة والمحبة والفرح من جهة أخرى، فكان لحناً خفيفاً هادئا ذا ايقاع مبهر كانت هناك انسيابيه في الانتقالات اللحنية. ومجاراة مع الكلمات وقامت ام كلثوم بغناء هذه الرائعة الفنية لأول مرة على المسرح عام 1972ويستهل الشاعر الكبير بيرم التونسي قصيدته التي كانت تعبر عن رحلته.

التاريخية(رحلة العمر) في الخمسينات الميلادية لأداء مناسك الحج بتلبية المولى سبحانه وتعالى ودعاه إلى زيارة بيته الحرام بعد ان اختفى وغاب عن المشهد الفني وتوارى عن الأنظار وظل أهل الفن يضعون تحليلاتهم لأسباب الاختفاء، فتارة يقولون تم نفيه وأخرى إنه وراء أسوار السجن، إلى أن كانت المفاجأة للجميع وهي زيارة “التونسي” للبيت الحرام لتأدية مناسك الحج، الأمر الذي أدهش جميع من يعرفونه … فلبى بيرم النداء وكتب أروع ما كتب عن ما يختلج نفسه من التذلل والانكسار لله في الحج وفي عام 1961ميلادي انتقل الى رحمة الله بعد هذه القصيدة الخالدة … وجادت قريحته بأبيات تنبض حبا ببيت الله و المسجد النبوي وابيات تكاد تنطق من جمالها البدايه كانت باستهلال وإقرار يتغلغل الى شغاف القلب ويلامسه ، “القلب يعشق كل جميل”. هكذا خلق الله القلب يميل إلى ما هو جميل، ويعشقه، ويتيم به، وقد يشاهد الإنسان الكثير من مواطن الجمال، ومشاهد الحسن، ويعتقد أنه يحبها، والصدق في الحب بين البشر قليل، كما أن عمر الحب بينهم لفترة محدودة ، غير أن حب الله هو الحب الحقيقي الازلي حيث يناجي خالقه بأعلى درجات الادب والخنوع يصف وقوف الانسان المؤمن بخضوع امام خالقه التذلل والخشوع والانصهار في العبودية. وقد تجلى له بكل عظمته وانه مهما حاول الابتعاد فانه سبحانه وتعالى يتجلاه برحمته وعطفه أي السمو والارتفاع بالروح والعقل حتى يذعن ويعود ويعترف بنعمائه وكريم عطاياه وحينها يقف امامه ليناجيه بدموعه فلم يكن من لغة يناجيه بها سوى لغة الدمع “لما تجلى لي بالدمع ناجيته ثم ينتقل في المقطع الثاني من القصيدة يختزل حكاية عمره المليئ بالتقلبات بينه –وبين ربه فيصور التودد واللين الذي يبديه الله لعبده ليُعيدَه الى حياض رحمته – ،الشاعر صور كمية الرحمه والتلطف رغم انه كان بعيدٌ عن ربه والذي وصفه بجملة واحدة بقوله “كنت ابتعد عنه” وقد بدت في مفرداته ومعانيه حين يقول “كان يناديني” ثم يصف هذا النداء بـ “طاوعني يا عبدي ، طاوعني أنا وحدي” نافياً أحداً سواه في حبه من قبل ولا بعد ثم يسوق الأدلة العظيمة في وصف “العطايا” على انها “هدايا (انا اللى اعطيتك من غير ما تتكلم* وانا اللى علمتك من غير ماتتعلم* واللي هديته اليك لو تحسبه بايديك* تشوف جمايلي عليك من كل شيء اعظم.


، ويصور المشهد الثاني مكة المكرمة، بجبالها وشموخها وضيائها ومشاعر الأمن والأمان والراحة التي تغمر كل من يدخل المسجد الحرام.. ويصف حمام الحرم ألوفٍ محلقة بانتظام في حول الكعبة تطوف وتطوف تعبر عن فرحها وسعادتها ومرحبة بالحجاج، كأنه بشرى بالغفران والقبول: مكة وفيها جبال النور.. طلة على البيت المعمور.. دخلنا باب السلام.. غمر قلوبنا السلام.. بعفو رب غفور.. فوقنا حمام الحما.. عدد نجوم السماء.. طاير علينا يطوف.. ألوف تتابع ألوف.. طاير يهني الضيوف.. بالعفو والمرحمة.. واللي نظم سيره.. واحد ما فيش غيره.. دعاني لبيته.. لحد باب بيته.

وفي المشهد الثالث والأخير، يقدم بيرم وصفا رائعا لزيارة المسجد النبوي، والروضة الشريفة: جينا على روضة.. هله من الجنة.(كأنها فيض نوراني من الجنه). فيها الأحبة تنول.. كل اللي تتمنى.. فيها طرب وسرور.. وفيها نور على نور.. وكاس محبه يدور.. واللي شرب غنى.. وختم الشاعر امنيته لأهله واحبابه ان ينالوا مثل ما نال هو من الصفح والغفران، التي كانت ملائكة الرحمن تدعوا ربها بان يغفر لهؤلاء الذين تركوا كل شيء خلفهم لينالوا مغفرة الذنوب ِ….
وملائكة الرحمان.. كانت لنا ندمان.. بالصفح والغفران.. جايه تبشرنا.. يا ريت حبايبنا ينولوا ما نلنا.. يا رب توعدهم.. يا رب واقبلنا.. دعاني لبيته.. لحد باب بيته ،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى