محمد قنديل يكتب *صفحات من مسيرة الطيب”
بقلم / محمد قنديل
كنت محظوظا لأننى عملت فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى بشركة تهامة للإعلان والعلاقات العامة والتسويق والتى كان يرأسها حينذاك المستشار محمد سعيد طيب والذى كنا نطلق عليه نحن موظفو تهامة لقب “الشيخ سعيد ” .
ولمن لايعرف كانت تهامة بحق مدرسة فى فن الإعلام والاعلان والتسويق والادارة والعلاقات العامة ولايستطيع اى موظف عمل ب “تهامة” أن ينكر فضل الشركة عليه ماديا ومعنويا ومهنيا خاصة مندوبى الإعلان.
وخلال عملى بالقسم الصحفى وقسم الترجمة تعاملت قليلا مع الشيخ سعيد وأقول قليلا لأن فرقة المطبلاتية على مختلف مستوياتها كانت كثيرة العدد وحجبت كثيرين عن التعامل المباشر مع الرجل .
ورغم ذلك توطدت صلتى بالشيخ سعيد بعد تركى العمل بتهامة حيث كنا نلتقى معا فى بعض المناسبات العامة وخاصة فى صالون الاثنينية لصاحبه الراحل الكريم الشيخ عبد المقصود خوجة يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.
ومن خلال متابعاتى للشيخ سعيد وجدته فعلا شخصية لها من اسمها نصيب فهو رجل طيب يتعامل مع الناس بكافة مستوياتهم بروح انسانية ودودة والأهم أنه يتحلى بالجرأة والشجاعة والصراحة فى آرائه مهما واجه من تحديات على المستوى الشخصى وهى آراء عاصرتها وسمعتها منه فى صالونه “الثالوثية” الذى يحتضنه أسبوعيا كل يوم ثلاثاء ويطرح فيه مختلف القضايا دون مواربة مع نخبة من المثقفين والمفكرين والادباء من رواد الثالوثية وكذلك فى صالون الاثنينية وبعض المناسبات الخاصة التى يدور فيها الحوار أخذا وردا حول شتى الموضوعات والقضايا المثارة .
ومما أسعدنى هذا الكتاب الذى أهداني اياه الشيخ سعيد بعنوان “صفحات من مسيرة محمد سعيد طيب ” وفيه يكشف عن شخصية مثقفة ذات رؤية إصلاحية وفكر ثاقب وعقل واع تتصدى لكل التحديات التى تواجه المثقف العربى وهمومه وآلامه التى كبلته بالاغلال ففقد كثيرا من حريته ومع ذلك ظل المثقف الحق غير خاضع للاغراء أو الاغواء كالاديب محمد سعيد طيب الذى يقول دائما مقولته الشهيرة :
– ليس عندى ماأخشاه..
– وليس عندى ماأخفيه ..
– وليس عندى ماأخجل منه ..
والذى وصفه الأستاذ محمد حسنين هيكل قائلا :
إن سعيد طيب – كما عرفته – وطنى وقومى واضح الفكر ملتزم فى تصرفه بالشرعية والمعقولية معا .
إنه محارب قديم فى كتيبة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضيف أن المستشار محمد سعيد طيب كان فعلا ديقراطيا فى الحوار وإدارة صالونه “الثالوثية” بحكمة وحصافة تحتوى كل أطياف الاراء بلباقة بعيدا عن الحنجورية الممجوجة .
وازيد أن الراحل الشيخ عبد المقصود خوجة كان يعهد إليه لإدارة صالون الاثنينية فى غيابه وكان الطيب يدير الصالون فعلا إدارة ديمقراطية أمينة تتيح لكل الآراء أن تعبر عن فكرها فى إطار من الاحترام واتيكيت المثقف الواعى لدور الثقافة فى الارتقاء بالعقول .
ورغم أن الكتاب يضم مجموعة متميزة من مقالات الطيب تعبر بمصداقية عن آرائه المختلفة فى الكثير من القضايا التى شغلت الرأى العام كتجربة الانتخابات والمجالس النيابية وازمة العقل العربى والمثقفين المزيفين الذى اعتبرهم الأعداء الحقيقيين للأمة والحاكم معا إلا أنه يضم مجموعة كبيرة من المقالات بقلم نخبة من الأصدقاء الذين يكنون كل الاحترام والتقدير للمستشار محمد سعيد طيب الذى لعب ومايزال دورا ايجابيا كمثقف إصلاحى يدرك مسئوليته الواعية فى تقدم أمته بالفكر والحوار والرأى والرأى الأخر ليكون عونا لمن يتخذ القرار بناء على مبادئ الحق والعدل والخير والجمال .
أما حوارات الطيب فهى حوارات ثرية تعبر عن صراحته المعهودة وشجاعته فى إبداء الرأى وقناعته بمايقول ويتحدث دون تزييف أو ممالئة أو مداهنة للحقائق
إن الكتاب سيرة ذاتية من نوع جديد يجمع بين التعبير عن النفس وآرائها ومكنوناتها من خلال الكتابة ونوع آخر ارتبط بصاحب السيرة ارتباطا وثيقا منذ الطفولة وأيام الدراسة فكتب رأيه بكل صراحة ودون تحفظ عن صاحب السيرة الذى اتاح لأصدقائه ومحبيه الاطلاع على اى من ملفاته التى كانت بضخامة ملفات الدواوين الحكومية فى أعتى البيروقراطيات .
صحيح السيرة طويلة وتصل صفحاتها إلى الخمسمائة صفحة ولكنها جديرة بالقراءة للإطلاع على ملامح ومعالم شخصية المستشار محمد سعيد طيب رائد فن الإعلان فى السعودية والمثقف العربى صاحب الآراء الإصلاحية الداعية إلى الحق والعدل والخير والجمال .
اقرأوا كما قرأت “صفحات من مسيرة محمد سعيد طيب ” فالقراءة مضاد حيوى شديد الفعالية ضد الاكتئاب وهموم الحياة واحزانها كما يقول الطيب .