بقلم عبدالوهاب البراري . مكتب تونس لمجلّة السياحة العربية
يزخر الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج بفسيفساء متنوّعة من ابداع خالقها. لوحات من جمال الطبيعة قبلة للمولعين بالسياحة وعشّاق السّفر. فهل ذلك الولع بالترحال وحبّ السفر يحظيان بأفضل الظروف وأحسنها من حيث الرّاحة المنشودة والأمن على النّفس والمال أينما حلّ السّائح ضيفا بيننا؟ هل مازالت السياحة في أوطاننا العربية تدرّ علينا ذلك القدر من العملة الصّعبة التي تنتعش بها خزائن دولنا؟ أم أنّ الأمر قد تغيّر ولم يعد كما كان عليه؟ ما هي أسباب ذلك يا ترى؟ وهل من سبيل لتغيير هذا الواقع ان كان كما افترضنا؟ هذا ما سنحاول التطرّق اليه وتحليله بكلّ أمانة وموضوعية ما استطعنا معتمدين في ذلك على تشخيص واقع السياحة في الوطن العربي. نبدأ أوّلا بالعودة الى واقع الأمر خلال ما قبل بداية القرن الحالي، أي الى الفترة الممتدّة من سنة 1970 الى بداية سنة الألفين… هل كان الأمر على ما يشهده واقع السّياحة العربية اليوم؟ من البديهي أن نؤكّد أن الأمر لم يعد كما كان عليه ولايزال والأسباب عديدة ومختلفة باختلاف ظروف وواقع كلّ وطن. نظيف الى ذلك تغيّر رغبات السّائح الوافد علينا وتطوّر الذّوق العامّ لديه، فلم تعد تستهويه النزل من فئة النجوم الخمسة في أكثر ما يبحث عنه، فذلك متوفر في وطنه وربّما أفضل ممّا عندنا. اولويّاته تغيّرت ورغباته تبدّلت، لقد حلّت مكانها رغبات أخرى كالبحث عن الرّاحة واثراء زاده المعرفي حول كلّ واقع مفقود في وطنه الأمّ… فظهرت مع هذا التغيير سياحة المقدّس، والسياحة الاستشفائيّة، والسّياحة الثقافيّة والتّقاليد وغيرها… لكنّ أوّل ما أصبح يسعى لتأمينه هو الإحساس بالأمان أينما حلّ، فتراه يتجنّب كلّ مكان لا يتوفّر فيه القدر الكافي من الأمن طيلة اقامته به. وهذا ما تسبّب في تراجع عدد السّواح الذين زاروا أغلب أوطاننا العربية بداية من سنة الألفين تقريبا. هذا ما تؤكّده الاحصائيّات الرّسمية في كلّ وطن عربيّ… قد يسأل السّائل، هل من حلّ لذلك؟ أنتجاهل ذلك الواقع وننتظر حتّى يتغير الأمر؟ لا هذا ولا ذاك بطبيعة الحال. الإجابة تأتي على لسان الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة Zurab Pololikashvili حين دعا جميع الشركاء الى المشاركة في نشر ثقافة السلام حتّى تتعافى السياحة في أراضينا وحتّى تصبح دارا آمنا لكلّ سائح فلا يمكننا أن نحضي ونستمتع بسياحة في واقع لا سلام فيه. انّ تحقيق ذلك الهدف يصبح واقعا ملموسا حين تتوفّر الإرادة الصّادقة والعمل المشترك والشعور بالمسؤولية لدي المشرفين على القطاع. أمّا إذا بقي الأمر مجرّد نصوص ومؤتمرات تنتهي بانتهاء فترة انعقادها فستضلّ دار لقمان على حالها. فلا سياحة بدون سلام ولا سلام بدون إرادة.