بعد رحلة ربع قرن في تأسيس منشأة تعليميَّة جامعيَّة على النظام الربحيِّ، مرورًا بتحدِّيات صعبة جدًّا، نظرًا لأنَّ التعليم الجامعي الأهلي في المملكة لم يصدر له نظام يُشرِّع هذا النوع من التعليم الجامعي الأهلي قبل ٢٥ عامًا، وخوفًا من أنْ يُساء استخدامه، تمَّت الموافقة بعد ذلك على أنْ تُمنَح التراخيص لإنشاء كليَّات جامعيَّة أهليَّة غير ربحيَّة من خلال نظام المؤسسات الخيريَّة، وقد كان قرارًا صائبًا، إلَّا أنَّني أعترفُ اليوم بأنَّني كنت أوَّل المطالبين بأنْ يُفتح المجال لإنشاء كليَّات جامعيَّة أهليَّة ربحيَّة، يُوضَع لها نظام منضبط، وتحت مراقبة وزارة التجارة، ووزارة التعليم، وقد وافقت الدولة قبل خمسة وعشرين عامًا على هذا التوجُّه، وفُتِحَ الباب لرجال الأعمال -وأنا من أوائلهم- لإنشاء إحدى الكليات
ثمَّ أصبحت من أوائل الجامعات الأهليَّة الربحيَّة، ثمَّ أنشأت العديد من الكليَّات والجامعات الربحيَّة فيما بعد، وحظيت هذه الكليَّات والجامعات الأهليَّة الربحيَّة بدعمٍ كبيرٍ من جميع أجهزة الدولة، وعلى وجه الخصوص وزارة التعليم من خلال المنح الدراسيَّة، وأمانات المدن بتأجير الأراضي، ووزارة المالية بإعطاء القروض لبعض الكليَّات الجامعيَّة والجامعات، وتفاعل المجتمع بقناعة لإرسال أبنائهم وبناتهم للجامعات الأهليَّة، وتخرَّج عشرات الآلاف في هذه الجامعات التي ربطت التعليم بالتدريب حسب احتياجات سوقالعمل، ورغم جميع التحدِّيات، وبعد خمسة وعشرين عامًا، أعترفُ أنَّها مشروعات اقتصاديَّة ناجحة ذات عوائد مجزية للمستثمرين، لكنَّ فِكْر بعض المستثمرين اتَّجه إلى هدف تحقيق الأرباح وتعظيمها وتوزيعها دون النَّظر إلى أهميَّة تدوير أكبر نسبة من الأرباح لتطوير هذه الجامعات، وتطوير التقنية المستخدمة في التعليم، وتطوير واستقطاب الكفاءاتالأكاديميَّة والإداريَّة والفنيَّة السعوديَّة والأجنبيَّة، وتطوير بيئة التعليم من بنى تحتيَّة ومبانٍ ذكيَّة وخدمات نوعيَّة، وتخصيص احتياطيات ماليَّة لضمان استدامة الجامعة، وتخصيص نسبة من إجمالي الإيرادات لدعم البحث العلمي والابتكار، وتخصيص منح دراسيَّة كاملة أو جزئيَّة للطبقة غير القادرة على دفع الرسوم الدراسيَّة، أو تخصيص منح دراسيَّة للطلبة الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، أو لبعض أبناء الجاليات الذين حكمت عليهم ظروف بلادهم للهجرة والإقامة في بلادنا، أو المساهمة في دعم البرامج الثقافيَّة في مختلف المجالات، أو المساهمة المجتمعيَّة في دعم الطلبة المتميِّزين والمبتكرين، والحقيقة أنَّ نظام الجامعات الأهليَّة الربحيَّة لم يضع هذه الضوابط على الجامعات الأهليَّة الربحيَّة أو غير الربحيَّة، وترك الحريَّة لمجالس الأمناء ومجالس الجامعات حسب رؤيتهم وقناعتهم، وهو توجُّه مُتميِّز من وزارة التعليم في إعطاء الحريَّة للجامعات الأهليَّة، ورغم أنَّ لبعض الجامعات دورًا بارزًا في برامج المسؤوليَّة الاجتماعية، إلَّا أنَّ ممارسات بعض من الأفراد المستثمرين تؤكِّد عدم إيمانهم بكل هذا، ويُركِّز جُل اهتمامهم على تعظيم تحقيق الأرباح، حتَّى لو كانت على حساب الجودة وتطوير العمليَّة التعليميَّة.
وهذا ما دفعني اليوم لأنْ أُغيِّر رأيي الذي تبنَّيته ودافعت عنه قبل خمسة وعشرين عامًا، بفتح المجال للتعليم الربحيِّ، ولم أكنْ أتصوَّر أنْ يصبح هدف بعض المستثمرين الربح فقط، والعمل على تعظيم الأرباح فقط، وهي سياسة خاطئة تحتاج إلى إعادة نظر، وأنا أتحدَّث اليوم وأنا أحد أوائل المستثمرين في التعليم، وشاهد على عصر التعليم الجامعيِّ الأهليِّ في المملكة، وبعد خمسة وعشرين عامًا أُطالب بإعادة النظر في نظام التعليم الجامعيِّ الأهليِّ الربحيِّ، ووضع ضوابط على هيكلة ميزانيَّته لتخدم تطوير التعليم أوَّلًا، وتخدم البحث العلمي والابتكار، وتخدم برامج المسؤوليَّة الاجتماعيَّة، على أنْ لا يكون هدف تعظيم الأرباح على حساب تطوير التعليم وتقنيته
نعم.. لا وألف لا.. أن يتحول التعليم الأهلي الجامعي الربحي إلى متاجرة لتحقيق الأرباح المباشرة أو غير المباشرة، كتطوير الأراضي، وإحياء بعضها، أو أن يلجأ البعض إلى رهن حصص المستثمرين في الجامعة للحصول على قروض لأعمال تجارية خاصة أخرى؛ مما يضع المركز المالي للجامعة في خطر.
ولو جاز لي الاقتراح، لوضعتُ شروطاً لتخصيص نسبة من الإيرادات للبحث العلمي والابتكار، وبرامج المسؤولية الاجتماعية والاستدامة، والمنح الدراسية، قبل إصدار تراخيص إنشاء الكليَّات والجامعات الأهليَّة الربحيَّة، وأُجزم بأنَّ تحقيق أرباح من 5% إلى 10% كافية جدًّا لتوزيعها على المستثمرين، وأعتقد أنَّ تحقيق نسبة أرباح 40% وتوزيعها على المستثمرين؛ فيها متاجرة في التعليم، والأولى بفائض الأرباح هو تطوير المؤسسة التعليميَّة، وتخفيض الرسوم الدراسيَّة.