كتب عبدالوهاب البراري

حين نتحدّث عن مصر فنحن لانتحدث عن دولة أو وطن أوشعب فقط، نحن نستحضر تاريخا متجذرا في الذاكرة الإنسانية، نتحدث عن حاضر فرض إرادته على ساحة الواقع، وأخذ له مكانا متميزا في مسيرة الإنسان عن استحقاق…

نحن لا نتحدّث عن حضارة، بل عن حضارات متعاقبة مترابطة، عن أرض لا تنجب سوى العباقرة ، عن تاريخ فرعوني شامخ منتصب كأبي الهول يتحدى التاريخ ولا يعترف بعقدة النسيان والتناسي، عن إبداع فكر إنساني حيّر العلم والعلماء وروّاد الفكر الإنساني ولايزال، عن إهرامات منتصبة على أرض مصر تقول: هنا مصر، هنا أمّ الدنيا، هنا التاريخ، من هنا يبدأ وإلى أمّه يعود… جمال مصر مطبوع في عيون كيلوبترا وعلى جبينها، فنّ مصر وُلد قبل سنفونيات بيتهوفن وموزارت وفاردي، خلّدته رائعة القندول وسحر النهر الخالد، نحتته فتاة مصر وكوكبها من خلال الأطلال والرباعيات…

الحكمة أسسها يوسف وورثها عبدالناصر…

الأدب وُلِدَ من صُلب طه حسين ورافق في شبابه توفيق الحكيم..

الإيمان إلتقت فيه الكنيسة بالمسجد، ورنّة الأجراس لها موعد يومي مع صوت المؤذّن، سماء مصر زيّنها الصّليب ونجم وهلال تعانقا في مشهد إنساني بديع، وأرض مصر ركحٌ إلتقى عليه المسلم والقبطي حول رقعة نرْدٍ في خان الخليلي والسيدة زبنب وتواصل في الحسين، مشهدٌ تغنّت به حناجر الصعيد وحمله موْج النيل، وسكبه عطْرا أزليًّاعلى شاطئ المتوسط…

كيف لأرض مباركة ألاّ تكون أمّ الدّنيا ؟

قالها ترامب في زيارة له في الصين، قال إنّ الحضارة الصّينية عمرها خمسة قرون، أمّا الحضارة المصرية فتاريخها زاد على الثمانية، قالها وزير الإقتصاد الألماني حين دوّن في السّجلّ الذهبي للمتحف المصري بالتحرير قائلا: إنّ ألمانيا تتضاءل حضارتها أمام الحضارة المصرية.

فمن منّا لايحبّ أمّه؟

ومصر أمّ الدنيا…

مصر أم العجائب…