عبدالفتاح هداني ـ! مجلة السياحة العربية
المملكة المغربية
نظمت جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس يوم السبت 5 ديسمبر 2025، ممثلة في مختبر العلوم الإجتماعية والثقافية والفلسفية بالمركب الجامعي ظهر المهراز، تحت إشراف الدكتور جمال بوطيب، فعاليات المؤتمر السنوي التاسع الموسوم بالهامش في المجتمع والثقافة: أسئلة نظرية وسياقات الممارسة. وقد شكل هذا المحفل الأكاديمي فضاءا رئيسيا لمساءلة التحولات البنيوية التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، خصوصا في سياق تقاطع الأسئلة التربوية مع متطلبات العدالة الاجتماعية والاهتمام بقضايا الهامش.

في هذا الإطار العلمي المتميز، جاءت المشاركة النوعية للأستاذة زينب الجعنين، الباحثة في سوسيولوجيا التربية وقضايا التربية الدامجة، بمعية الدكتور گسيم زهير، الأستاذ الجامعي بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس ومنسق ماستر التربية الدامجة والتكنولوجيات الذكية، لتسلط الضوء على موضوع إشكالي وجوهري يمس صلب الحقوق الفردية والتنشئة الاجتماعية، وهو “التربية الجنسية وعلاقتها بالإعاقة في المغرب”.
لقد أتاحت المداخلة المشتركة فرصة لإعادة مناقشة هذا الموضوع الذي يتزايد حضوره في النقاش العمومي والبحث الأكاديمي، خاصة في ارتباطه بتمثلات الإعاقة وحق الأشخاص في وضعية إعاقة في المواطنة الصحية والإدماج الشامل.
انطلق الباحثان من منطلق أكاديمي راسخ مفاده أن التربية الجنسية تتجاوز كونها مجرد مضامين معرفية، لتكون سيرورة اجتماعية-تربوية تتفاعل داخلها الأنساق القيمية والممارسات المؤسساتية والمحددات الثقافية. ونظراً لعمق ارتباط الموضوع بالجسد والهوية، فإن حضور الإعاقة يضاعف من تعقيداته، سواء على مستوى الولوج العادل إلى المعرفة أو على مستوى الاعتراف بالحقوق الجنسية لهذه الفئة.
ركزت المداخلة على تفكيك التمثلات الاجتماعية التي تؤطّر العلاقة بين الإعاقة والجنس. فقد وضح المتدخلان أن هذه التمثلات غالبا ما تتبنى طابعا أبويا أو حمائيا مبالغا فيه، ينتج عنه عمليا حرمان الأشخاص في وضعية إعاقة من حقهم في التثقيف الجنسي، تحت ذرائع الهشاشة أو الخوف من الانحراف. هذه الرؤى ليست آراء فردية، بل هي آليات تساهم في إعادة إنتاج الوصم الاجتماعي الذي يجرد الأشخاص ذوي الإعاقة من القدرة الذاتية ويضعهم في موقع تشييئي.
أبرز التحليل المعمق كيف أن غياب سياسة وطنية شاملة للتربية الجنسية في المغرب، وضعف إدماجها في المنظومات التعليمية والتأهيلية يشكل هشاشة وعنف صامت، يجعل الأشخاص في وضعية إعاقة أكثر عرضة للعنف والاستغلال. إذ أن قصور المعرفة يفاقم الهشاشة، كما أن ضعف تكوين الأسر والمربين يديم دائرة الصمت ويحول التربية الجنسية إلى “تابو” يصعب الاقتراب منه، رغم ما يحمله من بعد حقوقي ووقائي أساسي.
وقد طرح الباحثان التربية الدامجة كمنظومة قادرة على إدراج التربية الجنسية بطريقة تراعي خصوصيات كل فئة، شريطة توفر الإرادة السياسية والموارد البيداغوجية. وتم التشديد على ضرورة اعتماد مقاربات متعددة المستويات تشمل التمكين المعرفي، وتعديل المناهج، وتكوين الأطر التربوية، وتوفير آليات تواصل ميسَرة للأشخاص ذوي الإعاقة الحسية أو الذهنية.
وقفت المداخلة عند الرهانات الأخلاقية والسوسيولوجية والقانونية، مؤكدة أن غياب إطار تنظيمي واضح يزيد من اتساع الفجوة بين حاجات الفئات الهشة والممارسات الفعلية، ما يحتم بلورة رؤية وطنية تستند إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وتنسجم مع الدينامية المجتمعية المغربية.
الإسهام السوسيولوجي للباحثة زينب الجعنين، قدمت قراءة معمقة لتمثلات الأسرة والمجتمع المدرسي تجاه الإعاقة والجنس، مستعرضة نتائج بحث ميداني أظهر كيف تساهم التفاوتات الطبقية والمجالية في تعميق الفجوة المعرفية، لتكون الفئات الهشة الأقل استفادة من التثقيف الصحي والجنسي.
ومن زاوية البعد البيداغوجي والتكنولوجي، ركز الدكتور گسيم زهير على اقتراح مسارات لدمج التربية الجنسية في منظومة التربية الدامجة، بالاعتماد على موارد رقمية مكيفة وتقنيات تواصل بديلة ومتعددة الحواس، بما يضمن نقلا آمنا وملائماً للمعرفة يراعي الفروق الفردية.

اختتم الباحثان مداخلتهما بالتأكيد على أن الإدماج الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة في المجال الجنسي والمعرفي يتطلب تجاوز المقاربات الخيرية والحماية المبالغ فيها، والتحول نحو منظور حقوقي يقوم على الاعتراف بالحق في المعرفة، والحق في اتخاذ القرار، والحق في الاستقلالية الجسدية. ودعا المتدخلان إلى تكثيف البحث العلمي وتصميم برامج تكوينية متخصصة تستهدف الأسر والمربين والفاعلين الاجتماعيين.
لقد شكلت مشاركة الأستاذة الجعنين والدكتور گسيم إضافة نوعية لأشغال المؤتمر، لما اتسمت به من عمق علمي وتقاطعات بين السوسيولوجيا والتربية، مما أسهم في توسيع النقاش حول أهم قضايا الهامش واقتراح بدائل عملية لتعزيز الإدماج وبناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة.



