آخر الأخبار

الأدلة الرقمية ومستقبل موثوقية القضاء في المحاكم السعودية

شارك

المحامي احمد بن حمد العنزي

مع تسارع التحول الرقمي في المملكة تحت مظلة رؤية 2030، اتخذ الجهاز العدلي خطوات مهمة ومتسارعة نحو دمج الأدوات الرقمية، والوثائق الإلكترونية، وخدمات التقاضي عن بعد، ومن أبرز التحولات اليوم تزايد الاعتماد على الأدلة الرقمية بدءً من التواقيع الالكتروني، واعتماد المراسلات الالكترونية ومرورًا بتسجيلات الكاميرات، ووصولاً إلى سجلات الدخول الموثقة.
هذا التحول يثير أسئلة محورية حول موثوقية هذه الأدوات، وحجية إثباتها، والدور المتغير للمحامين والمتقاضين في بيئة قضائية تعتمد على التكنولوجيا.

*بيئة قانونية جديدة للإثبات*

اعترف نظام الإثبات السعودي رسميًا بحجية المستندات الرقمية، والتواقيع الإلكترونية، وسجلات النظام، والبيانات الوصفية (Metadata). هذا الاعتراف ينسجم مع المعايير الدولية، ويجعل للمحاكم القدرة على التعامل مع الأدلة الإلكترونية بميزان قانوني مماثل ومساوي للأدلة المكتوبة شريطة استيفاء معايير التحقق والثبوت

الأدلة الرقمية لم تعد استثناءً؛ بل أصبحت القاعدة. أغلب التعاملات التجارية، والخدمات الحكومية، والاتصالات المؤسسية تترك أثرًا إلكترونيًا يحدّ من احتمالات النزاع، ويوفر أساسًا موضوعيًا للوصول للحقيقة.

*تحديات الموثوقية وسلامة البيانات*

هذا التطور يفتح الباب لتحديات جديدة.
إذ أصبحت المحاكم تواجه أسئلة مثل:
• هل تم تعديل الدليل الإلكتروني بعد إنشائه؟
• هل التوقيع الإلكتروني قابل للتحقق ومستوفٍ للمعايير المعتمدة؟
• هل تدعم البيانات الوصفية رواية مقدم الدليل أم تناقضها؟

هذه الأسئلة تتطلب معرفة تقنية لم تكن مطلوبة سابقًا. دور المحامي امتد من تقديم المستندات إلى فهم بنيتها الرقمية، وطابعها الزمني

*ثقة قضائية وشفافية أعلى*

التحول الرقمي يعزز الشفافية.
فالملفات المقدمة للمحكمة يمكن تتبعها والرجوع إليها دون خطر الضياع أو التلاعب. كما أن التسجيلات الصوتية والمرئية تقدم صورة موضوعية قد لا توفرها الشهادات الشخصية الشفهية.

إضافة إلى ذلك، تمكّن منصات مثل ناجز المتقاضين من رفع الدعاوى، وتقديم الأدلة، وحضور الجلسات عن بُعد—مما يحسّن الوصول للعدالة ويقلل الوقت الإجرائي.

*واقع قضائي يقوده البيانات*

تمر المحاكم السعودية بمرحلة تحول هي الأكبر في تاريخها. الأدلة الرقمية تعيد تشكيل قواعد الإثبات، وترفع سقف الدقة، وتعزز الشفافية والكفاءة الإجرائية.

التحدي القادم ليس في قبول الأدلة الرقمية فهذا أصبح واقعًا.
التحدي الحقيقي هو استمرار تطوير القدرات المهنية والمؤسسية لمواكبة التكنولوجيا التي باتت تحدد “الحقيقة القضائية” في العصر الحديث

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *