آخر الأخبار

البشت الحساوي… أيقونة تراثية تصنع مستقبل الحرف الوطنية وتثري السياحة في الأحساء

شارك

د. فاطمة بنت عبدالرحمن المُلا

تُعد الأحساء إحدى أهم الحواضر التراثية والحرفية في المملكة العربية السعودية، فقد عُرفت عبر تاريخها الطويل بمهارة حرفييها وتنوّع صناعاتها اليدوية الأصيلة. وفي مقدمة هذه الحرف يبرز البشت الحساوي بوصفه قطعة متفردة تمثّل الفخامة العربية والهوية الثقافية المتجذّرة، وأصبح اليوم من أبرز المنتجات التراثية التي تستقطب الزوار والسياح الباحثين عن تجربة تجمع بين العمق التاريخي والأناقة والمهارة الحرفية.

ويأتي هذا الاهتمام متسقًا مع ما توليه المملكة من عناية كبيرة لإحياء التراث الوطني وتعزيز دوره في الهوية الثقافية، ضمن مسارات رؤية السعودية 2030 التي جعلت الثقافة والحرف اليدوية جزءًا أساسيًا من التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأسهم إعلان عام 2025 عامًا للحِرف اليدوية في توجيه الأنظار نحو مشاريع نوعية تُعيد صياغة مستقبل الحرف باعتبارها جزءًا من الاقتصاد الإبداعي ورافدًا مهمًا للسياحة الوطنية.

مصنع الماهود… محطة تحول للحرفة وأهلها

في هذا السياق يأتي مصنع الماهود للبشت الحساوي ليشكّل نقلة نوعية في مسار تطوير الحرفة والمحافظة عليها، حيث يجمع بين أصالة الحياكة القديمة وأحدث تقنيات التصنيع. وقد وُصف المصنع بأنه إضافة نوعية لمبادرات أرامكو السعودية الداعمة لبناء قدرات أبناء الوطن وتطوير أجيال جديدة من الحرفيين، ونموذج للعمل المتكامل في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، والارتقاء بالحرف التراثية لتتحول إلى مشاريع تجارية مجدية تُسهم في تمكين المجتمع وإبراز الأحساء كوجهة للحرف الأصيلة.

ويهدف المصنع إلى رفع جودة وإنتاج البشت الحساوي، وذلك عبر توفير أجهزة وتقنيات حديثة تضمن كفاءة عالية في العمل، مع الحفاظ على روح الحرفة التقليدية التي تميز الأحساء منذ قرون.

شراكات وطنية وتمكين مجتمعي

وقد وقّعت جمعية فتاة الأحساء التنموية الخيرية، بالشراكة مع أرامكو السعودية وجمعية حرفة التعاونية، مذكرة لإنشاء هذا المصنع عام 2023، ليكون منصة تدريبية لأبناء وبنات المحافظة، خاصة من الأسر المنتجة ومستفيدي الضمان الاجتماعي. وخلال افتتاح المصنع ضمن فعاليات عام الحرف اليدوية 2025، أكدت عائشة الدوسري، المدير التنفيذي لجمعية فتاة الأحساء، أن المصنع مثّل نقطة تحول في صناعة البشت الحساوي، إذ جمع بين الهوية الحرفية والأساليب الحديثة، وأسهم في مضاعفة فرص العمل لمستفيدي الجمعية، ليصبح أحد أهم مشاريع التمكين الاقتصادي في المنطقة.

بين الحياكة اليدوية والصناعية… هوية راسخة وجودة متطورة

وتُصنع البشوت داخل المصنع بطريقتين؛ الأولى يدوية تعتمد على مهارة الحائك ودقة التطريز وتستغرق وقتًا أطول، وهي الخيار المفضل لعشاق البشوت الفاخرة. أما الطريقة الثانية فهي صناعية تعتمد على مكائن دقيقة توفر سرعة إنتاج أعلى مع الحفاظ على مستوى الجودة، ما يجعل المصنع قادرًا على تلبية الطلب المتزايد في الأسواق المحلية والسياحية.

ويمتلك المصنع قدرة إنتاجية تصل إلى ثلاثين بشتًا يوميًا خلال عشر ساعات عمل، فيما تعمل الجمعية على مضاعفة الإنتاج ليصل إلى ستين بشتًا يوميًا بحلول الربع الثالث من عام 2026، عبر تدريب دفعات جديدة وتوسعة خطوط التطريز والخياطة.

واجهة للحرف الحساوية ومنتجات تتجاوز البشت

ولا يقتصر دور المصنع على إنتاج البشوت فقط، بل يشكّل واجهة متكاملة للحرف الحساوية، إذ يُنتج الصدريات الرجالية الفاخرة، والعباءات النسائية، والحقائب اليدوية التراثية، والشالات والشيلات، إضافة إلى الإكسسوارات المصاحبة للبشت، والمنتجات المستوحاة من النقوش الحساوية التقليدية، ليكون مركزًا يجمع روح التراث الحساوي ويترجمها إلى منتجات عصرية ومتجددة.

ويقدّم المصنع خيارات واسعة للتخصيص تشمل نوع القماش واللون ونمط التطريز ومستوى الدقة ونوع البشت، كما يستقبل التصاميم الخاصة بالمناسبات والقطع الفريدة التي يرغب بها العملاء، بجهود كادر سعودي مُدرّب يمثل جوهر رسالة التمكين التي تتبناها الجمعية.

منصة وطنية تسوّق التراث للعالم

وتعمل الجمعية حاليًا على تجهيز منصة وطنية رقمية خاصة بالمصنع، من المتوقع إطلاقها في عام 2026، لتقديم واجهة عصرية فاخرة تعكس هوية البشت الحساوي وتسهّل وصوله إلى الأسواق المحلية والعالمية، وبذلك تُسهم في تعزيز حضور الحِرف السعودية في المشهد الدولي، وتأكيد مكانة الأحساء كمدينة حاضنة للتراث والحرف.

البشت الحساوي… سياحة وهوية وامتداد حضاري

لم يعد البشت الحساوي مجرد زي تقليدي، بل تحوّل إلى عنصر رئيسي في الهوية السياحية للأحساء، حيث يحرص الزوار من داخل المملكة وخارجها على اقتناء البشت الحساوي لما يحمله من أصالة عربية وعمق تاريخي، ولأنه يمثل ذكرى فاخرة لتجربة سياحية مميزة. كما أن مشاهدة الزوّار لعمليات الحياكة والتطريز داخل المصنع تضيف بُعدًا تفاعليًا يعزز ارتباطهم بالحرفة ويجعل من الأحساء محطة مزدهرة في سياحة الحرف التراثية.

وتبرز أهمية مشاريع مثل مصنع الماهود في حفاظها على الحرفة، وتنميتها، وتسويقها بأساليب حديثة تجعل من البشت الحساوي منتجًا قادرًا على المنافسة عالميًا، وفي الوقت ذاته يظل وفيًا لجذوره وبيئته وخصوصيته التي تشكّل جزءًا من هوية المملكة الثقافية.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *