بقلم : م/ طارق بدراوى
“الفصل الآول”
تعد مصر من أغني بلاد العالم قاطبة بالآثار بل لا يكاد يخلو ركن من أنحائها إلا وتجد فيه قطعة فنية مصرية تعد كنزا لا يوجد له مثيل علي مستوى العالم وما لايعرفه الكثيرون أنه من الآثار والمعالم والكنوز التي تزخر بها أرض مصر هو وجود كهوف منذ حقب زمنية غاية في القدم يبلغ عمرها ملايين السنين علي تلك الأرض تعد آية في الروعة والجمال والإبداع أبدعتها يد الخالق سبحانه وتعالي وإختص بها مصر كنانته التي إختصها بعنايته وحراسته وحفظها من كل سوء ومن تلك الكهوف التي حبا الله بها مصر كهف يسمي كهف الجارة يقع بالصحراء الغربية المصرية يعد من أروع ماوقعت عليه عين إنسان وهو يوجد بالقرب من كثبان أبو محرق الرملية بالقرب من درب قديم للقوافل التجارية كان يربط بين محافظة أسيوط بوسط صعيد مصر بواحة الفرافرة في الصحراء الغربية بعد محمية الصحراء البيضاء بحوالي 7 كيلومترات هذا وتعد الصحراء الغربية من أغنى الصحروات في مصر بل والعالم وذلك لغناها بالمناطق الأثرية والمعالم السياحية بل لا يكاد يخلو ركن منها إلا ويوجد به قطعة فنية من وحي الطبيعة فضلا عن المعالم والكهوف التي تحتفظ بها الصحراء لنفسها منذ القدم لتكون هذه الصحراء وتلك المعالم شاهد تاريخي علي مر العصور والحقب التاريخية المختلفة التي مرت بها مصر والبشرية بوجه عام
وقد تم إكتشاف هذا الكهف يوم 24 من شهر ديسمبر عام 1873م في عهد الخديوى إسماعيل علي يد المكتشف الألماني جيرهارد رولفز أثناء رحلته التي سجلها في كتابه ثلاثة أشهر في الصحراء الغربية وذلك أثناء رحلته في تلك الصحراء للوصول إلي واحة الكفرة بليبيا عبر بحر الرمال الأعظم فلم يستطع فإتجه شمالا نحو الفرافرة ومكث بجوار هذا الكهف للتعرف علي طبيعته السحرية وكيفية نشأته وتاريخه والذى مايزال بعض من أسراره مجهولة حتي الآن ومازالت لغزاً محيرا لعلماء الجيولوجيا حتي وقتنا الحاضر وكان ذلك عندما قاده دليله في الرحلة هو والبعثة المرافقة له والتي كانت تتكون من 90 رجل منهم عدد 12 عالم الماني متخصصين في علوم الجيولوجيا والفلك والمساحة والنبات والحيوان والآثار إلي مكان يسمي الجارة يوجد به هذا الكهف الذى سمي بنفس الإسم والذى يتميز بوجود ما يطلق عليه الجيولوجيون رسوبيات الصواعد والهوابط وعلي الرغم من إنبهار هذا المستكشف ومرافقوه بالكهف وجماله وهو ماسجله في كتابه المشار إليه إلا أن الكهف لم يلق ساعتها الإهتمام الكافي من الباحثين أو الدارسين لمحاولة معرفة تاريخه أو علي الاقل لتفسير الرسوم الجرافيتية التي وجدت علي جدرانه والتي تعود إلي العصور الأولي للإنسان الأول الذى كان يسكن في تلك المنطقة وفي عام 1989م أعاد أحد المغرمين برحلات السفارى في الصحراء يدعي كارلو بيرجمان إكتشاف هذا الكهف محاولا إلقاء الضوء علي المخربشات البدائية التي تميز حوائطه ومدخله وقد تم عمل أول مسح أثرى علي أسس علمية للرسوم الموجودة بالكهف في عام 1990م علي يد مجموعة من المتخصصين في هذا المجال من جامعات كولونيا وبرلين والقاهرة وبداية من عام 1999م وحتي عام 2002م تمت دراسة كيفية نشوء وتكوين هذا الكهف وكذلك دراسة حقيقة ومعني المخربشات والرسوم والزخارف التي وجدت علي جدرانه بشكل مكثف ودقيق ضمن مشروع بحث علمي أكاديمي متكامل .
![]()
وقد أسفرت تلك الدراسات والأبحاث عن نتائج هامة تتلخص في أن العوامل الجغرافية التي جرت في الصحراء الغربية منذ ملايين السنين هي التي خلقت هذا الكهف وأن هذا الكهف نشأ كنتيجة طبيعية للماء النقي ومناخ الصحراء الجاف خلال ملايين السنين وهو يخالف كل كهوف المنطقة في تكويناته وشكل رسوبياته الرائعة حيث تبدو الأشكال الرسوبية الهابطة والصاعدة أشبه ماتكون بشلالات مياه متجمدة وهي نتيجة لملايين الأمتار المكعبة من المياه الأرضية التي تسربت خلال رمال الصحراء منذ ملايين السنين وخلقت هذا الكهف الأرضي ثم جرى ترسيبها وتكثيفها بفعل الحرارة الشديدة وتصل إرتفاعات التكوينات الأرضية به إلي ثلاثة أو أربعة أقدام كما أسفرت الدراسة عن أن الرسومات الجدارية الموجودة علي جدران هذا الكهف تمثل الأنشطة المعتادة لإنسان تلك المنطقة مثل الصيد واللعب وترجع تلك الرسومات إلي عصر الهولوسين الرطب ففي هذه الحقبة الزمنية سكن تلك المنطقة صيادون مارسوا أيضا نشاط جمع وإلتقاط الثمار ليقتاتوا بها وتوحي الرسومات بأن منطقة الجارة التي يوجد بها الكهف المسمي بإسمها بما عليه حاليا من جدب وعدم توافر لمقومات الحياة قد كانت يوما ما منطقة آهلة بالسكان ومفعمة بالحياة .
![]()


