* تسلق الجبال رياضة شعبية ومتعة
* السياحة الجبلية متوارث من الاجداد
* شتاءا تزدهر رياضة التسلق والجبال مغطاة بالثلوج
العراق / محافظة اربيل / فريد حسن
خاص بمجلة السياحة العربية
نبدأ ببيت من قصيدة ( ارادة الحياة ) للشاعر التونسي ( ابو القاسم الشابي) حيث قال :
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
قصيدة بذات ابعاد كبيرة فيها التمرد وتغيير الواقع بالتصميم والعزيمة وقد قالها الشاعر بنمطية تفوق التصور وفي صورة شعرية مهيبة الاركان كثيرة المعاني والسلطان وفيها من الحكمة الكثير .
ان ابا قاسم الشابي يرى الحياة جهاد ونضال فالقوي هو من يثبت أمام العواصف وإن تسلق الجبال بحاجة الى الجرأة لتحقيق الطموح نحو العلا ومن يبقى متفرجا لن ينال من الحياة شيئا ويبقى في دائرة الضعف وفريسة سهلة للمجهول .
(فكرة تسلق الجبال )
ان فكرة تسلق الجبال متأتية من الكثير من الاعتبارات منها نضالية للشعوب ومنها سياحة ومنها رياضة ومنها هواية وتمتع باجواء صافية ومنها من يريد صعود القمم العالية ليؤكد على متانته وقوة ارادته .
ان المناطق الجبلية تتصف بالكثير من الصفات وفيها المنحدرات وفيها اماكن لن يناله الانسان الا بصعوبة كبيرة وتلك رمزية على الصلابة وعدم الاستكانة للحفر او قاع الارض
( جبال كردستان الشاهقة )
جبال شاهقة والقلب نابض سامق وتتجذر في اعماقها قصص بطولة والرقة واللطف وعند العناد المحقة .
انها منحنيات طبيعية وفي كردستان العراق تدنو من الحقيقة حيث العلو ولابد من المتسلق ان يكون بذات بنية قوية يتحمل صعاب الوصول الى وسطها وليس قمتها لان الجبال عالية ومنها جبال ( سفين ، كورك هلكورد وعشرات اخرى في محافظات السليمانية ودهوك وحلبجة .
وفي الجبال ذكريات نضال من اجل الحقوق واليوم يزور الابناء والاحفاد اماكن كانت في ماضي الايام عرينا لرجال قاوموا الغزاة وكتبوا فيها تاريخا للمجد الانساني ، وهذه البقاع المرتفعة والمغارات المظلمة شاهدة على سبق الاصرار في انتزاع الحق وتحقيق شعار نموت ويحيا الوطن .
كانوا الرجال المؤمنين بقضيتهم زمرة ثم كبرت الامال وصاروا كثرة فحققوا الامل واليوم تنعم كردستان وجبالها بحياة سعيدة .
(تسلق الجبال رياضة شعبية )
في بادرة طيبة ومن اجل المتعة ففي كل عطلة صيفية تنتظم مجاميع لاداء فروض تسلق الجبال من باب المتعة والهواية والاستطلاع والتعرف على الطبيعة ومشاهدتها والبقاء فيها ولو لساعات وهكذا هو حال التدريسيون من جامعة صلاح الدين في شقلاوة حيث يقومون باداء رياضة التسلق على الجبال مع عشرات من القادمين من مختلف المحافظات للاطلاع على سحر الجبل ونسائمه .
ورصدت مجلة السياحة العربية واحدة من الكَروبات التي كانت مؤتلفة من اساتذة جامعيين حيث يتسلقون الجبال بعيدا عن اعباء الدراسة والتدريس .
بدأنا بسوآل الاستاذة الجامعية ( خونجه صباح احمد ) استاذة اللغة العربية وادابها : هل استذكرتم قصيدة (ارادة الحياة ) للشاعر التونسي ابو القاسم الشابي فاجابت ان ركوب الصعاب وتسلق اعالي الجبال اضافة الى انها هواية جمعية ولكنها تحمل في طياتها تحمل الصعاب ومعاني التحدي ولنؤكد بان العلم والصعاب يجتمعان على قمم الجبال وإن كانت نزهة بريئة وتحدي لمن يتهيب صعود القمم وعليه فالمجازفة احيانا تعني صورة مثلى لمكانة الانسان وثقته بوجوده .
وعند سفح جبل مترام الاطراف وهو جبل كَه لى ميوسيك
وتعني جبل الموسيقى
وتقع هذه الجوهرة الطبيعية في جبل سفين، ذاك الجبل الذي يبعد نحو خمسٍ وأربعين دقيقة عن مركز مدينة أربيل، والمشرف على قضاء شقلاوة، البلدة التي تُشبه في جمالها لوحةً من الندى والضوء؛ تتوسّد الجبال وتتنفّس الورد، وهي عروس الربيع التي لا تشيخ، ووجهة العشّاق والسياح في موسمي: الصيف والربيع، وعند عتبات هذا الجبل الشامخ، حيث تعانق الغيومُ القممَ وتغتسل الصخور بندى الصباح، يمتدّ (گەلی میوسیک)، وهي منطقة جبلية ساحرة تشبه لحنًا حيًّا من الطبيعة، حقيقةً تُسمَع قبل أن تُرى؛ إذ تنبع من بين أشجارها أناشيد الريح، وتتداخل فيها أصوات الطيور كجوقةٍ سماوية تؤدّي سيمفونية الحياة.
ويُقال إنّ اسم (گەلی میوسیک) ارتبط بقصّةٍ طريفة؛ إذ يروي أهالي المناطق المجاورة أن شخصًا أجنبيًّا ذا ذوقٍ فنيٍّ رفيع زار هذه المنطقة قبل سنوات، فانبهر بجمالها الأخّاذ ووصفها بـ “الميوسيك” – أي الموسيقى – لما فيها من انسجامٍ طبيعيٍّ يشبه الألحان، وتُروى روايةٌ أخرى بأنّه كان فنانًا، وبعد زيارته للمنطقة سُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى فنه. وهناك من يقول إنّ أصل الاسم هو “ميوسَك” أو “ميوسَد”، ولا أحد يجزم أيّ الروايات أقرب إلى الحقيقة؛ لكنّ المؤكّد أنّ الاسم، أيًّا كان مصدره، صار لحنًا على ألسنة العاشقين للطبيعة، إذ لا توجد مصادر موثوقة تؤيّد تلك الحكايات.
وإذا أردت أن ترى هذا الجمال بعينك، فحين تسلك الطريق إلى شقلاوة، وبعد أن تمرّ بقرية (حوجران) على يمينك، ثم تصل إلى قرية (گَردەچاڵ)، يلوح لك من اليسار هذا الجمال الجبليّ الفاتن. هناك، على سفح جبل سفين، يفتح (گەلی میوسیک) ذراعيه للزائرين كما يفتح الشاعر صدره للقصيدة.
وفي عطلات نهاية الأسبوع، تتحوّل صخوره إلى مسرحٍ للبطولة؛ حيث يتدلّى متسلّقو الجبال من جنسياتٍ مختلفة، يمارسون هوايتهم بين الصخور والهواء الطريّ. تتمايل الحبال بين أيديهم كما تتمايل القصبة في مهبّ النسيم، وتعلو ضحكاتهم على وقع الطيور التي تبارك مغامرتهم من أعالي الأشجار.
وقد كان لي مع هذا الجمال الجبليّ موعدٌ من النقاء؛ ففي صباحٍ من صباحات الخريف الهادئة، في الرابع من أكتوبر من هذا العام، ذهبتُ مع مجموعةٍ من زملائي التدريسيين في جامعة صلاح الدين – أربيل، وكنا عشرةً من عشّاق الطبيعة والضوء. حملنا معنا شغفَ الاكتشاف، وتركنا خلفنا ضجيج المدن وضَجَر الأيام، حتى إذا وطئت أقدامنا عشبَ (گەلی میوسیک)، أحسسنا كأنّنا نخطو على نَفَسٍ أخضر، هناك، حيث يتسلّل النسيم بين الأغصان كهمسٍ أليف، نسينا الهمومَ الثقيلة وتخفّفنا من أعباء الوقت، كأنّ الهواء ذاته كان يُربّت على أرواحنا ويُعيدها إلى صفائها الأول.
نعم، هذا المكان الجبليّ يحتضن الزائر بحنوّ أمٍّ تحتضن طفلها العائد من السفر؛ سهلُ الوصول، آمنُ الخطوات، يناسب الكبار قبل الصغار، تتنوع فيه الأشجار كما تتنوّع ألوان القصائد، وتغاريد العصافير تشكّل إيقاعًا لا يملّه القلب، وعند تجاويف الصخور تنفتح الكهوف كأفواهٍ تحكي قصص الزمن القديم، وتطلّ صخرة معلّقة كأنّها توقّفت في الهواء احترامًا لجمال المشهد. وهناك، يلتقط السياح صورهم، وكأنّهم يريدون أن يحتفظوا بقطعةٍ من الخلود بين أيديهم، كما التقطنا نحن صورًا عند تلك الصخرة المعلّقة، نُوثّق بها لحظةً من الدهشة لا تتكرّر، ومع إشراقة الربيع، يتحوّل المكان إلى لوحةٍ من الزمرد والذهب؛ فالعشب يزداد اخضرارًا، والزهور تتفتح، ولا خطر فيه من انهيارٍ أو انزلاق، كأنّ الطبيعة عقدت معه اتفاقًا على الأمان والجمال معًا.
وتضيف الاستاذة ( خونجه ) حيث تقول
إنّ (گەلی میوسیک) اي جبل الموسيقى ليس مجرّد مكانٍ على سفح جبل، بل هو أغنيةٌ من صخرٍ وشجرٍ وضوء، تنساب على مسامع القلب وهمس الطيور، وحين تغادره، تشعر أنّك لم تتركه حقًّا؛ فشيئًا منك يبقى هناك، بين العشب والرذاذ، كأنّ الطبيعة سرقت منك تنهيدةً واحتفظت بها تذكارًا في صدر الجبل.