القاهرة :السياحة العربية
بعد طول انتظار دام لأكثر من ٢٣ سنة تقف مصر اليوم على أعتاب حدث تاريخي ينتظره العالم كله.. الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير مساء غداً ، بحضور ملوك ورؤساء وزعماء من مختلف دول العالم، ليكون الإعلان الأضخم عن ميلاد أكبر صرح حضاري أثري على وجه الأرض.
يقع المتحف المصري الكبير على مساحة شاسعة تبلغ نحو 120 فدانًا على هضبة الجيزة، على بُعد خطوات من أهراماتها الشهيرة، في تلاحم بصري ومعنوي بين الماضي والحاضر.
تبلغ المساحة البنائية للمتحف أكثر من 490 ألف متر مربع، ليصبح بذلك أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة — حضارة مصر القديمة التي أبهرت البشرية منذ فجر التاريخ.
المتحف صُمم ليكون أيقونة معمارية تجمع بين الحداثة وروح التاريخ، حيث تولى تصميمه مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي الفائز في المسابقة العالمية عام 2003.
وجاء التصميم ليحافظ على خط الرؤية المفتوح بين المتحف والأهرامات، بحيث تراها بعينك من داخل القاعات دون أي حاجز.
فكرة إنشاء المتحف بدأت عام 2002، وبدأ التنفيذ الفعلي بعد عام من ذلك، لكنه مر بمراحل تأجيل وتطوير طويلة، حتى اكتمل حلم المصريين بعد أكثر من ثلاثة وعشرين عامًا من العمل والتخطيط.
وخلال هذه السنوات، شاركت العديد من الشركات العالمية وبيوت الخبرة، ومئات الخبراء المصريين والأجانب في المشروع الذي يُعد اكبر واهم مشروع أثري في القرن الحادي والعشرين.
يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل مختلف العصور المصرية القديمة، من عصور ما قبل الأسرات حتى العصر اليوناني الروماني.
وسيُعرض لأول مرة مجموعة توت عنخ آمون كاملة — أكثر من 5 آلاف قطعة من مقبرته الشهيرة — في قاعات مخصصة بتقنيات عرض متطورة، لتكشف للزوار تفاصيل لم تُعرض من قبل في أي مكان.
كما يضم المتحف 12 قاعة عرض رئيسية تم تصميمها وفق فكرة مبتكرة:
• السير بالعرض يكشف تطور التاريخ المصري بشكل زمني متسلسل
• والسير بالطول يأخذ الزائر في رحلة عبر موضوع واحد عبر العصور — مثل الفن، أو المعتقد، أو الملكية
في قلب المتحف يوجد ما يُعرف بـ الدرج العظيم، بمساحة تتجاوز 6 آلاف متر مربع، تصطف على جانبيه تماثيل الملوك والنقوش الضخمة والقطع المعمارية، ليحاكي رحلة المصري القديم نحو السماء.
وفي نهاية هذا الدرج، يصل الزائر إلى بهو بانورامي يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، في مشهد يخطف الأنفاس، وكأن المتحف يفتح نافذة على التاريخ الممتد آلاف السنين.
تمثال رمسيس الثاني.. من ميدان رمسيس إلى قلب المتحف
قصة نقل تمثال رمسيس الثاني هي حكاية أخرى من حكايات الدهشة.
فقد تم نقله عام 2018 من ميدان رمسيس في القاهرة إلى موقع المتحف بعملية هندسية معقدة، استخدمت فيها رافعات هيدروليكية وسيارات نقل صُممت خصيصًا لهذه المهمة، مع مراقبة دقيقة للحركة والاهتزازات لحماية التمثال الذي يزن أكثر من 80 طنًا.
واليوم يقف رمسيس شامخًا في مدخل المتحف، كأنه يستقبل العالم بوجهه المضيء الذي سيشرق عليه ضوء الشمس في يوم الافتتاح في محاكاة مهيبة لتعامد الشمس على وجهه كما في معبده بأبو سمبل.
واجهة المتحف الضخمة من الحجر الجيري مزخرفة بنقوش هيروغليفية تحمل أسماء ملوك مصر عبر العصور، لتكون جدارًا من المجد يروي تاريخ الحضارة لمن يمر أمامه.
وفي ساحة المتحف تقف المسلة المعلقة، وهي الأولى من نوعها في العالم، تُعرض بطريقة فريدة بحيث يمكن للزائر أن يرى قاعدة المسلة من أسفلها، في تجربة بصرية مذهلة.
المتحف لا يقدم عرضًا للآثار فقط، بل تجربة متكاملة للزائر:
تقنيات عرض رقمية ووسائط تفاعلية
مركز مؤتمرات عالمي
متحف للأطفال لتعليمهم أسرار الحضارة القديمة بطريقة ممتعة
قاعات سينما، مطاعم، ومناطق خضراء تطل على الأهرامات مباشرة
يُعتبر المتحف المصري الكبير نموذجًا في الجمع بين الأصالة والتكنولوجيا، حيث استخدمت فيه أحدث أنظمة الإضاءة الذكية والتحكم في المناخ لحماية الآثار، إلى جانب نظام رقمي متكامل لتتبع كل قطعة أثرية ومعرفة مكانها بدقة.
كما تم استخدام أحدث تقنيات BIM (نمذجة معلومات البناء) لتنسيق العمل بين أكثر من ألف مهندس وفني ومقاول، وهو إنجاز هندسي يوازي عظمة الفكرة ذاتها.
وفي مساء الغد (السبت)، ستتجه أنظار العالم نحو الجيزة، حيث يقام حفل افتتاح أسطوري للمتحف المصري الكبير، بحضور عدد كبير من الملوك والرؤساء والقادة من مختلف القارات، إلى جانب شخصيات ثقافية وفنية عالمية.
وسيتضمن الحفل فقرات فنية مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة، وعروضًا ضوئية وموسيقية مبهرة أمام الأهرامات، لتجسيد عبقرية المصريين القدماء وعظمة الدولة المصرية الحديثة.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للآثار، بل هو رسالة مصر إلى العالم بأن الحضارة لا تموت، وأن ما بناه الأجداد يكتمل اليوم بأيدي الأحفاد.
هو صرح سيُغيّر خريطة السياحة الثقافية في العالم، ويجعل من القاهرة وجهة أولى لعشاق التاريخ والفن والإنسانية.
من هنا.. تبدأ رحلة جديدة للحضارة المصرية.
واليوم سيقف العالم مذهولًا أمام “أكبر متحف في التاريخ”.. المتحف المصري الكبير، هدية مصر للعالم.



