السياحة العربية
شهد السعودية تحوّلاً نوعيًا في خارطتها السياحية، إذ أصبحت وجهاتها الداخلية خياراً مفضلاً للزوار من الداخل والخارج في فصل الصيف. يعود ذلك إلى تنوع التضاريس والمناخات، وتطور البنية التحتية، وتوفر الفعاليات والمهرجانات، والخدمات الرقمية لتسهيل تجربة السائح
في إطار جهود تعزيز السياحة المحلية، أطلقت حملة “لون صيفك” ضمن برنامج “صيف السعودية” في شهر أيار الماضي. تهدف الحملة إلى تشجيع السياح على استكشاف المناطق الجبلية ذات الطقس المعتدل، مثل أبها والطائف والباحة، بالإضافة إلى الوجهات الساحلية والثقافية ذات الإقبال المتزايد، مثل جدة والرياض والعلا.
عززت جماليات التنوع الجغرافي في السعودية الخيارات أمام السائح لإثراء تجربته، في حين وضعت المملكة هدف جذب أكثر من 41 مليون زائر، ورفع الإنفاق السياحي إلى ما يتجاوز 73 مليار ريال، ضمن خططها لتعزيز القطاع السياحي المحلي.
في منطقة عسير، تتصدر أبها وقرية رجال ألمع قائمة الوجهات الصيفية بفضل الأجواء الباردة والمناظر الخلابة. وتقدم المنطقة تجربة متكاملة تجمع بين الجبال الخضراء والقرى التراثية والمتاحف المفتوحة، في الوقت الذي سجلت السعودية نمواً قياسياً في إنفاق الزوار القادمين من الخارج خلال الربع الأول من عام 2025، بنسبة 9.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

توفر تجربة “كوخ العسل” في رجال ألمع، وجولات “الهايكنج” في جبال السودة، فرصة للاستمتاع بالمغامرة والمذاق المحلي. تشهد منطقة عسير إقامة مهرجان المأكولات العسيرية، وهو فعالية مميزة تقدم تجربة غنية للزوار من خلال تشكيلة يومية تضم 15 طبقاً من الأكلات الشعبية التي يشتهر بها جنوب المملكة، تحت إشراف نخبة من أشهر الشيفات الجنوبيين. تعمل هيئة تطوير منطقة عسير على إثراء تجربة السياح عبر إعادة تأهيل 10 قرى في المنطقة لتكون وجهة سياحية جاذبة وتفعيل السياحة الريفية.

تشهد مدينة الطائف، المعروفة بلقب “عروس المصايف”، خلال شهر آب، حراكاً سنوياً متجدداً يتجلى في تنظيم مهرجان ولي العهد للهجن. أصبح المهرجان من أبرز الفعاليات الثقافية والرياضية في المملكة، ووجهة محورية لعشاق رياضة الهجن من داخل السعودية وخارجها، نظراً لتنوع السباقات، والجوائز المالية الضخمة، والتنظيم الاحترافي الذي يعكس الاهتمام الكبير بهذه الرياضة التراثية.

غابات وجبال وتاريخ
تقدم الباحة تجربة صيفية هادئة تجمع بين الطبيعة والثقافة. يستطيع السائح زيارة أماكن مختلفة كغابة رغدان، وكهوف جبال شدا، وقرية “ذي عين” التاريخية، وشلالات الخرار. تمنح هذه المواقع الزائر فرصة للابتعاد عن صخب المدينة والانغماس في مناظر طبيعية ساحرة، مع توفر أماكن إقامة مريحة وأنشطة مناسبة للعائلات.

عروس البحر الأحمر
على ساحل البحر الأحمر، تبقى جدة وجهة صيفية محورية تجمع بين البحر والتسوق والتاريخ. يمكن للسائح الاستمتاع بالغوص في جزرها، أو التنزه على الكورنيش، وزيارة “البلد” التاريخية، أو التسوق في المراكز التجارية الكبرى. أضاف مضمار فورمولا على كورنيش جدة تجربة مثالية، حيث شوهد مؤخراً سياح يمارسون رياضة المشي والجري على مضمار السباق.
الفنون والآثار والرياضة
على الرغم من مناخها الحار، أصبحت الرياض مركزاً صيفياً نابضاً بالفعاليات، من خلال مناطق مثل “بوليفارد رياض سيتي” ومبادرات “الرياض آرت”. تتيح هذه المبادرات للزائر تجارب ثقافية وفنية متواصلة. تشهد العاصمة السعودية حالياً أكبر حدث للرياضات والألعاب الإلكترونية، والذي يشمل فعاليات متنوعة تثري تجربة الزائر عبر الألعاب الإلكترونية.

أما العلا، فهي الوجهة الأثرية الأبرز، بما تحتويه من مواقع مثل “مدائن صالح” وصخرة “الفيل”، إلى جانب مهرجانات الفن والموسيقى، وخيارات الإقامة الفاخرة في عمق الصحراء. أطلقت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، بالتعاون مع الاتحاد السعودي للرياضة للجميع، النسخة الثالثة من مبادرة “تحدي حركتك صحتك”. تهدف المبادرة إلى تشجيع المجتمع على تبني نمط حياة صحي من خلال تحدٍ يومي لقطع 8,000 خطوة.

يشار إلى أن السياحة الصيفية في السعودية في السنوات الماضية كانت تقتصر على السفر إلى الخارج، إلا أنها تحوّلت خلال بضعة سنين إلى تجربة محلية ثرية، قوامها التنوع والمحتوى وجودة الخدمات. ومع استمرار هذا الزخم، تبدو السعودية ماضية في تعزيز حضورها كخيار صيفي منافس في المنطقة والعالم.