شاركت مجلة السياحة العربية بالندوة العلمية التي نظمتها كلية الآداب جامعة بغداد على قاعة المركز الالماني بمجمع الكيات الكائن بمنطقة باب المعظم في العاصمة بغداد وذلك في الساعة العاشرة صباح اليوم الاثنين الموافق 26/11/2018، بعنوان ( الامبراطورية الآشورية وتأريخها السياسي والعسكري)، والقت المحاضرة الاستاذة الدكتورة كارين رادنير من مؤسسة الكسندر فون هومبولت في التأريخ القديم للشرق الأوس.
في البداية عرف الدكتور ليث مجيد حسين العبودي رئيس قسم الاثار بكلية الاداب/ جامعة بغداد، الحاضرين بالسيرة الذاتية للمحاضرة، حيث عملت الدكتورة كارين رادنير بالعديد من الجامعات منها ميونخ ولندن.. وغيرها، وعملت ايضا في مجال التنقيبات الاثرية في العراق وسوريا، ولديها العديد من المنشورات والمطبوعات وصلت لـ(95) بين مقالة وكتاب حول الاثار والتراث وقامت بالقاء اكثر من 90 محاضرة في مختلف المعاهد والجامعات حول العالم.
من جانبها شكرت الدكتورة كارين رادنير الحاضرين كافة وعلى رأسهم الدكتور ليث مجيد على حسن الترحيب والضيافة واستطردت قائلة ان اخر زيارة كانت لها في بغداد في عام 2001م، وانها سعيدة جدا بمشاهدتها الروح العراقية غير المكسورة بالرغم من الحرب والاوضاع التي مرت بالبلد، وتحدثت عن بحثها حول (قوة سلطة الامبراطورية الاشورية وكيف التصدي لها)، ا اوضحت ان السلطة الاشورية كانت من اقوى القوى المسيطرة في الالفية الاولى ق.م ، وكانت مدن شمال العراق والموصل مقر سيطرة ونفوذ الامبراطورية الاشورية، مشيرة الى انه قد لا تكون هذه المدن وفق مفهومنا الحديث كافية لبسط سلطة بقوة الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت لكن في المفهوم القديم (الاثاري) هذه المساحة كانت كافية لتكون الامبراطورية الاشورية بالقوة التي نعرفها حاليا، اذ تم تأسيس امة جديدة في ذلك الوقت كانت عاصمتها مدينة (نمرود)، وهناك تقليد لدى العراقيين من المهم ايجاد عاصمة قوية، في الامبراطورية الاشورية هذه العاصمة كانت هي مدينة النمرود والان هي بغداد، والعراق طالما كان بلد البيروقراطية والسلطة وكان تغير العاصمة من مكان الى اخر دليل على مدى سلطة الدولة وقوتها بامكانية نقل العاصمة، وخلال الفترة من القرن التاسع الى القرن السابع توسعت حجم الامبراطورية خلال عشرين سنة الى ثلاثة اضعاف حجمها السابق عندما نشأت الامبراطورية الاشورية الحديثة، فاصبحت تمتلك في ذلك الوقت مساحة من الارض لم يسبق لاي دولة او قوة اخرى ان بسطت سيطرتها ونفوذها بهذا الحجم، وهذا الامر كان رائع ودليل على استقرار الدولة باتساع حجمها، فبالرغم من وجود خلافات كانت بين العائلة المالكة لكن هذا الامر لم يؤثر على توسع اوقوة الدولة انذاك، اذ كانت المشاكل تحفظ داخل العائلة المالكة ولا تؤثر سلبا على سلطة العائلة خارج مدارها، لذلك بقت الدولة مستقرها ومتسعة وبتقدم مستمر، وفي ذلك الوقت كان للملك سلطة مقدسة اذ كان يعتبر ممثل الاله اشور على الارض وبالتالي فان القوانين التي يصدرها تعتبر قوانين مقدسة لا يمكن مخالفتها، فالملك نفسه كشخص ليس مقدس لكنه يعتبر اداة بيد الاله، بالتالي ان ما يقوله او ما يؤمر به هو المقدس لانه مستمده من الاله اشور، وهناك مقولة مذكورة على تمثال اشوري مفاده ان الملك الحقيقي هو الاله اشور لكن الملك في الارض هو ممثل الاله ويده على السلطة في ذلك الوقت، وكانت هناك نظرية خاصة بالخلق تعتبر ان خلق الملوك يختلف عن خلق بقية البشر، لذلك كانت قدسية الملك تورث لابنائه وبالتالي فأن حق الحكم يورث من الاب الى الابن.
وهيئة الاله اشور مطابقة لحد ما لهيئة البلد، وفق المنحوتات الاثرية التي عثر عليها تظهر ان الاله اشور متطابق مع الجبل وكان هذا القلب الاصيل للمدينة الاشورية حينها لكن خلال عملية التوسع فأن اشور لم تبقى هي العاصمة، اذ في بداية نشأت الامبراطورية الاشورية كانت المدينة اشور في قلب المساحة الجغرافية لان الاله اشور هو اساس السلطة ولم يكن له معبد في المدينة اشور لانه اساس السلطة، لكن بعد ان توسعت المساحة الجغرافية لم تبقى السلطة في مكانها الاولي خلال القرن السابع عشر لذلك وجد الملك انه يجب ان يكون هناك نوع من السياسة الجيدة للسيطرة على اطراف المساحات الاخرى التي سيطرت عليها الامبراطورية في ذلك الوقت بدون وجود فعلي للحكومة في ذلك المكان، حيث كانت دور السكان قريبة من المعبد ومن الملك الذي كان حلقة الوصل ما بين سكان المدينة والاله اشور، ولم يكن هناك جدران تفصل بين الملك والسكان حينها، وعندما انتقلت العاصمة الى النمرود اختلف ذلك الامر وبدأ التوسع للسلطة اذ تم احاطت القصور بجدران عالية وقرر الملك الابتعاد عن الاله اشور وتأسيس سلطة بعيدا عن كيان الملك اشور، وقد وجدت منحوتات تؤكد على نمو المسافة والسكان حينذاك، وبدات عملية هندسة السكان فاصبح الملك يختار سكان مدينة النمرود بما يخدم مصلحته وحمايته، وبدأت الامبراطورية تعمل تحالفات مع الدول المجاورة وتعتمد في ذلك على الزواج من بنات الاسر المالكة في هذه الدول، اذ كان يعتبر التاريخ الجيني منذ الاف السنين امرا مهما فكانت السلطة والحكم يورث من الاب الى الابناء.
والمثير بالامر ان هذه السياسة الاستراتيجية التي اتبعها الملك نجحت فعلا طوال القرن التاسع والثامن وعلى طول القرن السابع ق.م لانشاء امبراطورية قوية ومستقرة، واصبح موقع الملك اقوى والتوسع ايجابيا، وفي المتحف الوطني العراقي في القاعة العاجية نجد العديد من القطع الاثرية من كل مناطق العراق التي تصب في مصلحة الامبراطورية الاشورية، وفي الجزء الثاني من المحاضرة تطرقت الدكتورة الى وضع الاسرة في زمن الامبراطورية الاشورية الحديثة اذ كانت تعتبر اساس المجتمع، وكان الملك يشجع العائلات على الابتعاد والتقسيم بهدف تطوير وتوسيع الامبراطورية فكانت الاسر تستعد للانتقال وان يقبلوا الاستغناء عن اولادهم ليذروهم للسلطة تماما، بناءا على اوامر الملك للحصول على القوى السياسية والاعفاء من دفع الضرائب المفروضة على السكان وغيرها، فتكون عندها (الطواشي) وهم حراس الملك وكانوا يتولون اعلى المراتب في الدولة الاشورية الا انه لم يكن لديهم أي صلة بعوائلهم او مكان نشأتهم الاصلي فهم منذورين للدولة تماما ورعية مختصة بالامبراطورية يتم اقتطاعهم من عوائلهم وتربيتهم داخل البلاط الملكي، وكانوا يختارون من بين المع واذكى الشخصيات سواء من داخل المدينة او خارجها الا انه لا يوجد معيار دقيق لحد الان يدل على كيفية او الية اختيارهم، وكان الطواشي يميزون بعدم اطلاقهم (اللحا) الذي كان يمتاز به غيرهم من الرجال في ذلك الوقت، ولم يكن يسمح لهم بالتزاوج او تكوين اسرة بالرغم من انهم كانوا يتولون ادوارا علية في السلطة، ومعنى الطواشي في قواميس ومعاجم اللغة العربية تعني : الخَصِيُّ وهذا ما كان يتم عمله للطواشي الذين يتم اختيارهم ليكونوا منذورين للسلطة وخدمة الملك، ومن اجل تقريب معنى الطواشي الى الطلاب في الجامعات الالمانية من خلال ايجاد اشياء مثيرة للطلبة لتشجيعهم على الدراسة، وايجاد طرق تعليمية من داخل محيطهم بدلا من اللهو بالاجهزة الالكترونية فحسب، اعتمدنا لعبة (ضاع العروش) التي كانت مفيدة في فهم الطواشي لدى الطلاب في قسم التاريخ القديم.
وخلال التنقيبات في مدينة النمرود وجد الاثارين منزلا لاحد رجال الطواشي الذي كان اكبر بخمس مرات مقارنة بمنازل السكان العاديين في اشور، وذلك لان الاشخاص القريبين من السلطة كانوا يجنون الارباح الوفيرة، مما يدل على العيش الرغيد للطواشي في ذلك الزمن، اما الاسر التي كانت ترفض الرضوخ لاوامر الملك كانوا يخسرون أي دور للاسهام في تأسيس الدولة فكانوا يجب ان يفكروا بايجاد بدائل للعيش لهم من خلال الانتقال الى خارج سيطرة الامبراطورية الاشورية كالسكن في الجبال او الصحاري اذ كانت سياسة الدولة تتضمن العمل مقابل الضرائب، فكانت تفرض الضرائب على الحنطة والشعير وتربية الابقار والاغنام والخيل او عند الدخول او العبور من المدينة اشور، وغيرها من الامور التي كانت تعتبر من اساسيات الحياة، لذلك كان الناس يحاولون الالتفاف على هذه القوانين من خلال زراعة بدائل غير مشمولة بالضرائب مثل الخيار وبعض الخضراوات كالعدس والبزاليا ونوع من النباتات التي كانت تطحن لتخبز الا انها ذات مذاق مر، فضلا عن تربية الخنازير واستخدام اللحم المقدد، كبديل عن الاغنام والابقار،
وقد واجهت الامبراطورية الاشورية في الفترة الآشورية الاخيرة تقلبات ادت الى ضعفها وانهيارها على ايدي الحكم البابلي بعد ان كان ينظر إلى الإمبراطورية الآشورية على انها الإمبراطورية الحقيقية الأولى في تاريخ البشرية.
اترك تعليقاً