توفى الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، عن عمر يناهز 90 عاما، بعد صراع مع المرض، حسبما أعلنت وكالة أنباء كوبا الرسمية، صباح اليوم السبت.
وعلى مدار 50 عاما، ظل فيدل كاسترو شوكة في حلق الولايات المتحدة، حتى صورته واشنطن وحلفاؤها “شيطانا”، لكنه ظل صاحب مكانة فريدة في قلوب عشاق الاشتراكية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حتى وفاته.
وأمضى كاسترو قرابة نصف قرن من عمره في السلطة، قبل أن يضطر للتنحي عام 2006 بسبب أوضاعه الصحية، ليتولى أخيه الأصغر راؤول كاسترو مهامه قبل أن يجري تعيين الأخير بشكل رسمي رئيسًا للبلاد عام 2008، لكن “فيدل” ظل محتفظا بلقب “الزعيم الأسطوري”.
وقاد كاسترو ثورة يسارية في بلاده التي ظلت تحت الحصار الأمريكي لعقود، قبل أن تطلق الولايات المتحدة مؤخرا مبادرة دبلوماسية تجاهها.
وتؤكد وسائل إعلام كوبية، أن فيدل كاسترو، الذي كان زعيمًا لكوبا منذ ثورة عام 1959 دخل موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية من حيث العدد الكبير من محاولات الاغتيال التي تعرض لها في أثناء حكمه، وقد استندت موسوعة “جينيس” إلى وثائق “سي آي إيه” في منح فيدل كاسترو لقب “الشخص الذي تعرض إلى أكبر عدد من محاولات الاغتيال في العالم”.
ووفق الإحصاءات الرسمية الكوبية فقد تعرض كاسترو لـ638 محاولة اغتيال في الفترة التي سبقت عام 2006، حيث كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” في أغلب الأحيان الجهة المدبرة لهذه المحاولات.
وتنوعت وسائل محاولات قتله من “استخدام القناصة مرورًا بالمتفجرات وسيجارة مسممة إلى العبوة الناسفة التي وضعت في داخل كرة بيسبول”.
وُلد ثرياولد فيدل كاسترو، عام 1926 لعائلة ثرية، وتمرد منذ صغره على حالة الترف التي كان يعيشها بعد ما صدم بالتناقض الكبير بين رغد الحياة في أحضان عائلته وبين شظف العيش والفقر في مجتمعه.
في عام 1953 حمل كاسترو السلاح ضد الرئيس فالجنسيو باتيستا على رأس مجموعة مكوَّنة من حوالي 100 من أتباعه، إلا أن محاولته أحبطت، وسجن مع شقيقه راؤول.
بعد عامين صدر عفو عن كاسترو الذي شكل قوة مقاتلة عرفت بحركة 26 يوليو، وواصل حملته لإنهاء حكم باتيستا من المنفى في المكسيك.
واجتذبت حركة كاسترو الثورية تأييدًا واسعًا في كوبا، وتمكنت قواته في عام 1959 من الإطاحة بنظام باتيستا الذي أصبح يرمز إلى “الفساد وعدم المساواة”.
بعد إطاحته بنظام باتيستا وتسلمه سدة الحكم في البلاد، سرعان ما حوَّل كاسترو كوبا إلى النظام الشيوعي لتصبح أول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.
لم تكد الولايات المتحدة تعترف بالحكومة الكوبية الجديدة حتى بدأت العلاقات بين واشنطن وهافانا بالتدهور، لاسيما عندما قام كاسترو بتأميم الشركات الأمريكية العاملة في كوبا.
وفي أبريل عام 1961 حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا، إلا أن القوات الكوبية المتمركزة في خليج الخنازير تمكنت من صد المهاجمين وقتلت العديد منهم واعتقلت حوالي ألف شخص آخر.
وهكذا أصبح كاسترو العدو رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة، مما حدا بحليفه الاتحاد السوفياتي حينذاك بأن يقرر نشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية لردع أي محاولة أمريكية لغزوها، وذلك وفقا لمذكرات الزعيم السوفياتي حينذاك نيكيتا خروشوف.
وبعد ذلك بعام واحد، بدأت أزمة الصواريخ السوفياتية الشهيرة التي كادت تجر العالم إلى حرب كونية ثالثة.
وفي أكتوبر عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية بالفعل منصات الصواريخ السوفياتية في كوبا، مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر، إلا أن الأزمة لم تطل كثيرًا، فقد توصلت موسكو وواشنطن إلى تسوية أزال الاتحاد السوفياتي بموجبها صواريخه من كوبا، مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، والتخلص من الصواريخ الأمريكية في تركيا.
وقد أربك تحالف كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة التي قطعت هافانا علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمم عددا من الشركات الأمريكية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.
وأصبح كاسترو أحد النجوم اللامعة في عصر الحرب الباردة. ففي عام 1975، أرسل كاسترو 15 ألف جندي إلى أنجولا لمساعدة القوات الأنجولية المدعومة من السوفييت.
كما أرسل في عام 1977 قوات أخرى إلى إثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانجستو هيلا مريام.
وأثر انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991 كثيرًا على الأوضاع في كوبا، وخاصة الجانب الاقتصادي منها، إلا أن بعض المحللين يرون أن كوبا تمكنت من التقليل من آثار خسارة أهم حلفائها.