مقالات

“النخلاوى” بقلم م/طارق بدراوى | مجلة السياحة العربية

القاهرة – السياحة العرربية 

أشجار النخيل من أهم أنواع الشجر في العالم نظرا لما تنتجه النخلة من خامات مفيدة أولها البلح الذى يعد فاكهة لذيذة والذى تصنع منه التمور وهو ذو قيمة غذائية عالية ويمكن إعتباره غذاءا كاملا حيث يحتوي على السكريات والبروتين وأملاح مثل أملاح البوتاسيوم وفيتامينات عديدة وهو غذاء يمكن تخزينه بسهولة وينتجه النخيل في منتصف الصيف وقد أوصانا الرسول محمد صلي الله عليه وسلم بالإفطار في شهر رمضان علي التمر لتعويض ما فقده الجسم من سكريات في ساعات الصيام وبعض أنواع النخيل قد يتقدم في نضج ثماره أو قد يتأخر وذلك يرتبط بصنف النخلة ومكان تواجدها كما ينتج النخيل الجريد الذى تصنع منه الأقفاص والسلال وبعض أنواع من الأثاث والخوص الذى تصنع منه منتجات عديدة منها القفف وأسبتة الغسيل والقبعات والليف الذى تصنع منه المكانس والحبال والنوى الذى تستخرج منه بعض أنواع من الزيوت وأخيرا جذوع النخيل والتي تستخدم كدعامات لتسقيف المنازل الريفية وغير معلوم لنا أصل موطن النخل إلا أن العالم الإيطالي إدواردو بيكاري يدعي بأن موطن النخل الأصلي هو منطقة الخليج العربي بينما يقول العالم دو كاندول بأنه  نشأ نخل التمر منذ عصور ما قبل التاريخ في المنطقة الشبه حارة الجافة التي تمتد في غرب قارة أفريقيا وتنحصر غالبا بين خط عرض 15 وخط عرض 30 وقد نشاهد نماذج منه مزروعة شمال هذه المنطقة لأسبابٍ غير إعتياديةٍ وتعد هذه المناطق التي أشار إليها دو كاندول من أكثف مناطق زراعة  نخل التمر منذ إكتشافه وإلى الوقت الحاضر وتاريخيا فقد بدأت زراعة النخل في بلاد ما بين النهرين وهي العراق الحالية  نحو عام 4000 ق.م. وفي مصر حوالي عام 3000 ق.م كما عرفت النخلة في فلسطين وفي بلاد فينيقيا وهي لبنان الحالية خصوصا بمنطقتي صور وصيدا الساحليتين وهي المنطقة التي عرفها الإغريق والرومان قديما بإسم بلاد النخيل وقد أفاد المؤرخ اليهودي فلوفيوس جوزفوس في القرن الأول الميلادي عن وجود بساتين شاسعة للنخيل في أريحا حول بحيرة طبرية على جبل الزيتون في فلسطين . 

              thumbnail (10)                                                                                                         

ومهنة النخلاوي ويقال له أيضا طالع النخل مهنة إرتبطت بالنخيل منذ قديم الزمان ولا غني عنها في مجال زراعة النخيل وهو الشخص الذى يمتهن حرفة إزالة السعف اليابس وقواعد السعف من النخيل وتدعى هذه العملية بالتقليم ويعتبر التقليم من عمليات الخدمة الهامة حيث يتم خلالها إزالة السعف الجاف والذى يزيد عمره عن 4 إلي 5 سنوات وذلك عندما تكون النخلة سعف جديد أكثر قدرة على التمثيل الغذائي وعلى أن يكون القطع من الأسفل إلى الأعلى بحيث يكون سطح القطع منحدرا للخارج حتى لا تتجمع مياه الأمطار بين الكربة وساق النخلة وكذلك تسهيل وصول العامل إلى النورات المؤنثة ليقوم بعمليات خدمة رأس النخلة كالتلقيح وتدلية العراجين الصغيرة التي ستنتج المحصول إلي جانب تقليل الرطوبة حول عذوق أو عراجين البلح التي تحملها كل نخلة بالإضافة إلى إن هذه المرحلة تساهم في نمو النخلة وتحسين الإضاءة ودخول اشعة الشمس إلى الجريد والعراجين الصغيرة فضلا على أنها تقضى على توطن الحشرات والفئران والطيور والزواحف التي تتخذ من الجريد والألياف الكثيفة في قلب النخيل مأوى لها كما يقوم النخلاوى أيضا بعملية أخرى تسمي التكريب وهي تشمل إزالة الأشواك من الأوراق وقطع الكرب وهي قواعد السعف مع الليف الذي يتخللها حتى يتم التخلص من أماكن تتجمع فيها الحشرات والأعفان وذلك إلي جانب إزالة الليف من حول ساق النخلة وهذه العملية تسمي التشريب أو التنقيح ويفضل أن يقتصر التقليم على إزالة السعف الجاف فقط وأيضا يفضل في عملية التكريب قطع الكرب البعيدة عن السعف الأخضر مع الإحتفاظ بالقريبة منه لحماية رأس النخلة .   

thumbnail (2)                                                                                                                  

وتتم هذه العمليات مرة واحدة في موسم محدد كل عام إما في أوائل فصل الربيع مع عملية التلقيح أو في خلال فصل الصيف عند إجراء عملية التقويس وتدلية عذوق أو عراجين البلح أو في فصل الخريف بعد جني المحصول وهي الفترة المثلى لإجراء هذه العملية حتى تتمكن الشجرة من الإستفادة من جميع مخزون السعف من مواد غذائية بغية تكوين النورات الجديدة وعلينا أن نلاحظ أن هناك علاقة واضحة بين عدد السعف إلى عدد العذوق التي تحملها كل نخلة حيث وجد أن زيادة نسبة عدد السعف لكل عذق تؤدي إلى زيادة في حجم الثمار وتحسن نوعيتها والسبب في ذلك واضح لأن السعف الأخضر يصنع غذاء النبات ويمد الثمار بما تتطلبه من مواد سكرية ومواد غذائية أخرى ويجب أن تتوافر لكل عذق على النخلة من 9 إلي 12 سعفة حسب الصنف والعمر والخدمة وهذا يعني أن النخلة التي يوجد عليها 12عذقاً تحتاج إلى حوالي من 100 إلي 140  سعفة خضراء بعمر ثلاث سنوات أو أقل وعادة بعد إجراء عمليات التقليم والتكريب والتنقيح يتم تسميد النخيل وريه جيدا حيث أنه بعد هذه العمليات تبدأ عراجين البلح الصغير في النمو وإذا لم يتم الإعتناء الشديد بأشجار النخيل في هذه الفترة الحرجة فإنها تضعف وتذبل وبالتالي لا تعطي إنتاجا جيدا من البلح .           

thumbnail (3)                                                                                                             

وهذه المهنة من المهن الشاقة التي تحتاج إلي الأناة والصبر وتحمل المخاطر وتتطلب مجهودا كبيرا ومخاطرة كبيرة لأنها تعتمد على آلات بدائية في نهاية الأمر كما لا يتوافر فيها سبل لتأمين من يمارس هذه المهنة ولذلك فالأمر دائماً يستلزم الحيطة والحذر الشديدين لأن أي خطأ قد يكلف من يقوم بها حياته حيث أنه يقوم بلف حبل قوى حول وسطه يسمي المطلاع ويقوم بإستخدام القدمين واليدين بحرفية عالية من أجل تسلق النخلة للوصول إلى هدفه مع إحتساب كل خطوة يخطوها بدقة والمطلاع عبارة عن حبل مبطن بالقماش ويكون عريضا لنحو 10 سم ويلف حول النخلة وجسم الإنسان من ناحية الوسط وبحيث يتيح له أن يحتضن النخلة بينما ترتكز قدماه على جذعها في ثبات وتركيز خاصة في منطقة باطن القدم ويظل ينقل المطلاع كلما صعد خطوة لأعلى وكذلك في رحلة الهبوط وفائدة هذا المطلاع مهمة جدا فهو بمثابة حزام الأمان للمتسلق وبدونه يتعذر عليه الصعود لاسيما إذا كانت النخلة شاهقة الإرتفاع كما يكون مع المتسلق فأس صغير يستخدمه في العمليات المذكورة في السطور السابقة أو في تقطيع البلح وهو مصنوع من الحديد والصلب وله نصل حاد ويضعه المتسلق في قايش وهو حزام صغير مربوط حول وسطه إلى أن يصعد النخلة فيستخدمه في تقطيع جريد النخل وكذلك عراجين البلح وعن المخاطر التي يتعرض لها النخلاوى فهي عديدة وتشمل إمكانية تعرضه للجروح في القدمين واليدين حيث يكون تسلق النخيل وهو حافي القدمين ليتمكن من ضبط خطواته أثناء عملية الصعود كما قد تتعرض اليدين للجروح بسبب أشواك ورق النخيل أو الأشواك الحادة التي تكسوا الجريد إلى جانب إحتمال وجود  بعض الزواحف الخطيرة التي تسكن جريد النخيل مثل الثعابين وبالإضافة إلي ذلك لابد وأن يكون لدى النخلاوى مهارة عدم المساس بقلب النخيل الذى يسمي بالجمار عند جمع محصول البلح حيث أن إمتداد فأسه إلي منطقة القلب يعني موت شجر النخيل لذا فالأمر يتطلب مهارة فائقة وخبرة عالية ومعرفة بطبيعة النخيل .             

thumbnail (4)                  

ويقول العاملون بهذه المهنة أنه قد جرت العادة  قبل الصعود إلى أي نخلة أن يتوضأ النخلاوى ويصلي لله ركعتين ثم يقرأ آية الكرسي إلى جانب ما تيسر من القرآن الكريم وأن يدعو الله ويطلب منه الستر وأن يعود إلى الأرض سالما بعد أداء عمله ثم ينطق بالشهادتين ويتوكل على الله ويقولون أيضا إن للبسملة والتشهد خلفية تناقلوها جيلا بعد جيل وهي أن النخل من أشجار الجنة وأنها تسبح الله كبقية المخلوقات ولذا فعلى المتسلق البسملة وهى بمثابة إستئذان كي يسمح له حراس النخلة غير المرئيين بتسلقها والإتيان بخيرها وعادة يتوارث هذه المهنة الأبناء عن الآباء والأجداد وهي من المهن المهددة بالإنقراض في وقتنا الحاضر وذلك نظرا لقلة إهتمام الأجيال الجديدة بها وعزوفهم عنها إلي جانب مخاطرها وقد لعب الزحف العمراني والإنحسار البيئي إضافة إلى قلة المياه دورا كبيرا في تقليل أعداد النخيل علي مستوى مصر والبلاد العربية التي تنتشر بها زراعة النخيل ومن ثم قلة أعداد الأشخاص الذين يحترفون هذه المهنة هذا ويبلغ عدد النخيل في مصر حسب إحصائيات وزارة الزراعة حوالي 14 مليون نخلة موزعة مابين مناطق الواحات البحرية وواحة سيوة ومحافظة الوادى الجديد بالواحات الداخلة والخارجة وواحة الفرافرة ومنطقة جنوب محافظة الجيزة في البدرشين والعياط  وفي محافظة الفيوم ومحافظة قنا وغرب أسوان وبلاد النوبة وفي منطقة رشيد بمحافظة البحيرة وفي بعض مناطق شمال الدلتا بمحافظات دمياط والدقهلية وكفر الشيخ كما أن فدان الأرض الصحراوية في واحات مصر يستوعب زراعة نحو 150 نخلة ومتوسط إنتاج النخلة الواحدة من البلح سنويا يقدر في المتوسط بنحو 100 كيلوجرام ولذلك فإن مصر تحتل مركزا متقدما بين دول العالم المنتجة للبلح والتمور إذ تنتج قرابة مليون و330 ألف طن سنويا .     

thumbnail (5)                                                                                           

ولا يوجد عمر محدد لمزاولة مهنة النخلاوى فطالما كان الإنسان قادرا على تسلق النخيل فإنه يظل يعمل بها ومن الممكن أن يتناوب على تسلق النخلة الواحدة أكثر من جيل في العائلة حيث كما قلنا إن هذه المهنة يتوارثها الأبناء من الآباء والأجداد لأن النخلة من الأشجار المعمرة التي يمتد عمرها لقرابة 150 عاما لذا فهناك من يتفاخر بأنه يعرف أسرار تلك النخلة من وقت أول طرح لها عبر ما سمعه من حكايات وأسرار قالها جده وأبوه والنخلاوى أو طالع النخل من المهن الشيقة التي ينظر لأصحابها بنوع من التقدير والإعتزاز لاسيما في الريف المصري حيث ينظر الأطفال هناك لطالع النخل كما لو كان فارسا مغوارا فيتحاكون عنه وعن قدراته ويقارنون بين المتسلقين أيهم أسرع وأكثر ثباتا وأحيانا يسعى بعض الأطفال والمراهقين إلى تقليد هؤلاء المتسلقين ويتبارون فيما بينهم على تسلق النخل القصير كما أن هناك أغان شعبية كثيرة متداولة عن طالع النخل في الريف المصري يحلو للصغار والكبار ترديدها في مواسم جني البلح وتقول إحداها يا طالع النخلة شمر جلاليبك لتشبك في فرع شوك على الأرض وتجيبك واللي بيجمع خير الشوك ما بيهمه مثبت الأقدام وبإيده بيلمه كما غنت المطربة وردة الجزائرية من كلمات الشاعر صالح جودت وألحان الموسيقار بليغ حمدى يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى وبالإضافة إلي ماسبق إشتهرت طقطوقة إٌسمها يابلح زغلول والتي قام بتأليفها بديع خيرى ولحنها موسيقار الشعب سيد درويش تحية للزعيم المصرى سعد زغلول باشا وهو عائد من المنفى بعد ثورة عام 1919م وغنتها جماهير مصر كلها بجميع طوائفها ومن مختلف الأعمار بعد أن منع الإحتلال البريطاني ذكر إسم سعد زغلول فى النوادى العامة والخطابات والمظاهرات والأغانى وتقول كلماتها يابلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول يا زرع بلدي عليك ياوعدي يابخت سعدي زغلول يابلح يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول عليك أنادى في كل وادى قصدي ومرادي زغلول يا بلح يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول الله اكبر عليك يا سكر يا جابر إجبر زغلول يا بلح يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول ماعتش أبكي وفيه مدبر مين بس ينكر زغلول يابلح ياروح بلادك ليه طال بعادك تعال صون بلادك زغلول يا بلح يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول سعد وقال لي ربي نصرني وراجع لوطني زغلول يا بلح يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول .       

thumbnail (7)                                                                                                              

كما أنتج التليفزيون المصرى عام 1988م فيلما بإسم طالع النخل عن قصة للروائي عصام الشماع وإخراج محمد فاضل وجسد دور طالع النخل الفنان الراحل عبد الله محمود وشاركه البطولة الفنان صلاح السعدني والفنان عبد السلام محمد والفنان محمد توفيق والفنانة فردوس عبد الحميد  كما كان للنخل وجود في بعض الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية منها إن فلان راسخ أو ثابت كالنخلة كناية عن تمسك شخص بموقفه وثباته خاصة عند الشدائد مثل النخلة الراسخة الثابتة التي لاتهتز ولا تتحرك بتأثير الهواء والرياح ولاتؤثر فيها أى عواصف أو زعابيب كما يقال أيضا إن النخلة التي تقذف بالحجارة تلقي بأحلي مافيها وهو البلح في إشارة إلي أنه إذا تعرض الإنسان للإيذاء فعليه أن يظهر ويخرج أحسن مايتمتع به من أخلاق مثل النخلة التي تلقي ببلحها الجميل إذا ألقيت عليها الحجارة ويقال أيضا لاهو فوق عذوق ولا هو تحت عروق ويقال لمن لا يستفاد منه في شئ وهوعكس النخلة تماما التي عذوقها من التمر في أعلاها كما أن لها جذور ثابتة في الأرض كما يوجد مثل شعبي متداول بين العامة وهو قالوا الجمل طلع النخلة قلنا أهو الجمل وأهي النخلة ويضرب هذا المثل فيمن يدعون حدوث شيء مستحيل أو لايمكن حدوثه مثلما لايمكن للجمل أن يصعد أو يتسلق النخلة . 

thumbnail (8)

thumbnail (9)

thumbnail (11)

thumbnail (13)

thumbnail

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى