مقالات

جامع الزيتونة بتونس | مجلة السياحة العربية .. #السياحة_العربية

بقلم : م/طارق بدراوى 

جامع الزيتونة أو الجامع الأعظم كما يطلق البعض عليه يقع في مدينة تونس العتيقة أو مدينة تونس القديمة وهي الجزء العتيق من مدينة تونس عاصمة دولة تونس العربية الواقعة في شمال القارة الأفريقية وهي تقع فوق ربوة تطل على البحر المتوسط وتمتد على نحو ثلاث كيلومترات من باب الفلة وباب عليوة من الجهة الجنوبية إلى باب سعدون في الجهة الشمالية كما نجد باب العلوج من الجهة الغربية وباب البحر من الجهة الجنوبية وقد صنفت هذه المدينة منذ عام 1979م ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو ويعود تاريخ هذه المدينة العريقة إلي عام 814 ق.م وهو تاريخ تأسيس مدينة قرطاج بواسطة الفينيقيين الذين كان لهم علاقات تجارية مع أهل تونس القدماء ومن هنا قام الفينيقيون بتأسيسها لتكون قاعدة عسكرية لحماية الموانئ التجارية على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط وعلى إثر الإضرابات التي نشبت في فينيقيا قامت مجموعة من التجار بالفرار إلى قرطاج والإستقرار فيها وقد أدى هذا إلي أن ضعفت الإمبراطورية التجارية الفينيقية وورثت قرطاج أمجادها ومستعمراتها وقامت بتوسيع رقعتها لتشمل جزءا كبيرا من سواحل البحر الأبيض المتوسط ونظرا لموقعها الإستراتيجي إستطاعت بسط نفوذها والسيطرة على حركة التجارة بشكل لم يكن لينال رضا القوة العظمى حينذاك حيث شكل التوسع القرطاجي خطرا على مصالح ونفوذ الإغريق مما أدى إلى إشتباكات عسكرية بين الدولتين .             

thumbnail (1)

وفي عام 753 ق.م برز كيان جديد في شبه الجزيرة الإيطالية تحت قيادة روما ودخلت روما حلبة الصراع منافسة لقرطاج الشيء الذي أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب بداية من عام 264 ق.م إشتهرت بإسم الحروب البونيقية ولعل أشهرها حملة هانيبال الذي قام بعبور سلستي جبال البيريني والألب بفيلته وإنتهت هذه الحروب البونيقية بهزيمة القرطاجيين وإضعافهم بشكل كبير خاصة بعد حرب زوما المفصلية مما مهد الطريق لحرب ثالثة وحاسمة إنتهت بزوال قرطاج وخراب المدينة وقيام الرومانيين بإعمارها من جديد لتكون أول مقاطعة رومانية بشمال أفريقيا وذلك في عام 146 ق.م وفي عام 44 ق.م قرر الإمبراطور الروماني جول سيزار إعادة بناء مدينة قرطاج ولكن أعمال البناء لم تبدأ رسميا إلا مع خلفه أوجيست وبذلك بدأت فترة الإزدهار في المنطقة حيث أصبحت قرطاج مخزن حبوب روما وقد أدى نمو قرطاج السريع إلى تبوئها مكانة ثاني مدينة في الغرب بعد روما إذ ناهز عدد سكانها 100 ألف نسمة وبدأت الديانة المسيحية في الإنتشار بها في تلك الفترة والذي لاقى في البداية معارضة كبيرة من السكان ولم يحسم الأمر للدين الجديد إلا مع القرن الخامس الميلادى حيث أصبحت قرطاج إحدى العواصم الروحية الهامة للغرب آنذاك .        

thumbnail (6)                   

وفي عام 429م عبرت القبائل الجرمانية التي إقتطعت أجزاء من أملاك الإمبراطورية الرومانية وتحكموا فيها والمعروفة بإسم الوندال مضيق جبل طارق وسيطروا سريعا على مدينة قرطاج وإتخذوها عاصمة لهم وكانوا أتباع فرقة تسمي بالأريانية والتي إعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية آنذاك فرقة من الهراطقة أو الزنادقة كما إعتبرهم السكان برابرة وأدى ذلك إلى حملة قمع سياسي وديني واسعة ضد المعارضين لهم وبدأت مناوشات بين الوندال والممالك البربرية المتاخمة للدولة وإنتهي الأمر بهزيمة الوندال سنة 530م مما شجع بيزنطة على القدوم لطرد الوندال وبالفعل إستطاع البيزنطييون السيطرة بسهولة على قرطاج عام 533م حيث إنتصر الجيش البيزنطي والذي كان أغلبه مكونا من المرتزقة على الخيل الوندالية والتي كانت أقوى تشكيل في جيش الوندال وإستسلم آخر ملك وندالي عام 534م وسرعان ما عاد الحكام البيزنطيون من جديد إلى سياسة القمع والإضطهاد الديني كما أثقلوا كاهل الناس بالضرائب مما أثار السخط عليهم وإستمر الحال هكذا حتي بداية الفتح الإسلامي علي يد عقبة بن نافع عام 50 هجرية الموافق عام 670م ثم إستكماله علي يد حسان بن النعمان الغساني عام 79 هجرية الموافق عام 698م وتم السيطرة تماما علي قرطاج ومن ثم بدأ المسلمون في بناء مدينة تونس العربية .

thumbnail (5)                                                 

يوجد في تونس القديمة العديد من المعالم الأثرية من عدة عصور منها موقع دقة الأثري الذي يعد من أهم المواقع الأثرية والسياحية في الجهة الشمالية من القارة الأفريقية ومتحف باردو الذي يضم العديد من اللوحات الرومانية الفسيفسائية التي يعود تاريخها إلى ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن السادس للميلاد وكاتدرائية القديس فنسنت دي باو الواقعة في ساحة الإستقلال والتي شيدت في العام 1893م وتمتاز بتصميمها المتقن بشكل رائع وذلك إلي جانب العديد من الأسواق مثل سوق العطارين الذي شيد على يد أبو زكريا الأول مؤسس الدولة الحفصية في القرن الثالث عشر للميلاد والذى يشتهر ببيع الورد والحناء وعطور الياسمين وسوق الباي والذى يشتهر بتجارة الأقمشة الحريرية والسجاد والمجوهرات وسوق البلاغجية والذى يشتهر بصناعة الأحذية التقليدية وسوق البلاط الذي يختص بتجارة الأعشاب الطبية وبالإضافة إلي هذه المواقع الأثرية والأسواق توجد بتونس القديمة عدة قصور ومنازل أثرية منها دار إبن أبي ضياف الواقع في زنقة إبن أبي ضياف ودار باش حامبة الذي سمي بهذا الإسم نسبة إلى عائلة باش حامبة التي ترجع بأصولها إلى تركيا ودار بيرم الواقع في نهج الأندلس والذى يعتبر من أكبر البيوت التاريخية المشيدة في المدينة وأخيرا تزخر مدينة تونس العتيقة بالكثير من المساجد التي بدأ بناؤها مع الفتح الإسلامي وأشهرها جامع الزيتونة وجامع القصر وجامع المهراس ومسجد القبة ومسجد الحفصية ومسجد حمودة باشا الحسيني ومسجد الفال ومسجد الإشبيلي ومسجد لاز ومسجد سيدى عامر وغيرها . ويعتبر أهم هذه الجوامع والمساجد جامع الزيتونة وهو يعد واحدا من أهم الجوامع على الإطلاق على مستوى العالمين العربي والإسلامي لكونه يعتبر منارة علم وهدى لكافة الناس على وجه العموم وللمسلمين على وجه الخصوص ويقوم على الجامع هيئةٌ تعرف بإسم مشيخةِ الجامع الأعظم وهو يحتل المرتبةَ الثّالثة من حيث تاريخِ البناء في القارة الأفريقّية بعد جامع عمرو بن العاص في مصر وجامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان التونسية ويرجع تأسيس هذا الجامع إلى أواخر القرن الأول الهجري الموافق لأواخر القرن السابع الميلادي وذلك أثناء فتوحات شمال أفريقيا وتحديدا منطقة تونس فقد كانت من عادة المسلمين إذا ما فتحوا منطقةً ما أن يبنوا فيها جامعا يؤدون به الصلوات وينشرون من خلاله تعاليم الدين الإسلامي ويعلمون أهل البلاد المفتوحة الراغبين في إعتناقه مبادئ وفروض وأصول وأحكام الإسلام وهذا ما قد كان فقد أمر القائد الأموى من جانب الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان حسان بن النعمان الغساني إقامة جامع الزيتونة وكان ذلك في عام 79 هجرية الموافق عام 698م والذي ما لبث أن  لعب دورا مهما وكبيرا في التعليم ونشر الديانة الإسلامية السمحة في منطقة الشمال الأفريقي .            

thumbnail (4)  

وقد عرفت مئذنة جامع الزيتونة العريق مبكرا جدا حيث تشير الروايات إلى أن العرب والمسلمين كانوا يمرون بالمنطقة فيجدون راهبا نصرانيا جالسا بالقرب من صومعة يتعبد فيها فيستأنسون به وكانوا يقولون إن هذه المنطقة تؤنس وهنا أشار على المسلمين أن يشيدوا جامعهم في مكان هذه الصومعة ولما سألوه عن الحكمة في تلك النصيحة قال إنه يرى في هذا المكان نوراً يتألق أثناء الليل لذا فهو جدير بأن يتخذ مسجدا لله وعند ذلك أقيم الجامع في نفس هذه البقعة من الأرض وهنا صارت الصومعة مئذنةً للجامع الأعظم أما بالنسبة لتسميته فُيرجح أنها جاءت بسبب شجرة زيتون وحيدة كانت قد نبتت بالقرب من الجامع ومن المعلوم أن شجر الزيتون يعد شجرا مباركا  ورد ذكره في كتاب الله مع وصفها وبذلك ومن هنا تم تسمية الجامع بإسمها وبعد 6 سنوات من بناء هذا المسجد قام القائد حسان بن النعمان بإجراء عملية توسعة له ويذكر للقائد حسان بن النعمان أيضا تجديده الشامل لمسجد عقبة بن نافع في مدينة القيروان عام 80 هجرية الموافق عام 699م وقد أجرى المسلمون على إمتداد تاريخهم الطويل بعد ذلك زيادات وتوسعات في جامع الزيتونة حتى يظل صالحا وملائما لإستيعاب الأعداد المتزايدة ممن يقصدونه للعلم والعبادة ففي عام 114 هجرية الموافق عام 732م قام الوالي الأفريقي عبد الله بن الحبحاب خلال عهد الخليفة الأموى العاشر هشام بن عبد الملك  بإستكمال ما شيده السابقون للجامع ثم تم إعادة بناء هذا الجامع من جديد بشكلٍ كلي عام 250 هجرية الموافق عام 864م بعد طلب من الخليفة العباسي المستعين بالله في ذلك الوقت وأشرف على بنائه الأغلبي بن الأغلب المكني بأبي إبراهيم والمعماري فتح الله وقد عرفنا ذلك من خلال كتابة موجودة في الجزء الأسفل من محراب المسجد .        

thumbnail (3)                                               

 وبعد ذلك شهد أيضا جامع الزيتونة على إمتداد تاريخه الطويل العديد من عمليات الصيانة والإصلاح والترميم من قبَل معظم السلالات التي حكمت البلاد التونسية بإعتبارِه إرثا ورمزا تاريخيا هاما حيث تم في عام 380 هجرية الموافق عام 990م  تشييد قبة البهو من قبل المنصور بن زيري ثاني السلاطين الصنهاجيين وفي عام 648 هجرية الموافق عام 1250م إستفاد السلطان محمد بن يحيى  من القناطر الرومانية القديمة التي طولها 90 كيلو متر فجلب فيها مياها للجامع من زاغون وإستحدث الخزانات المملوءة ماء ليزود المسجد بالماء الطهور اللازم للوضوء بشكل دائم وفي عام 676 هجرية تم تزيين الجامع بأمر من السلطان الحفصي يحيى بن المنتصر وفي عام 716 هجرية الموافق عام 1316م أمر السلطان زكريا الحفصي بترميم ركائزِ الجامع وصنع أبواب خشبية له وزخرفتها وأمر أيضا بصنع عوارض خشبية مزخرفة في بيت الصلاة وفي عام 854 هجرية الموافق عام 1450م تم تزويده بمكتبة كبيرة ضمت آلاف الكتب والمراجع والمخطوطات ذات طراز تركي بأوامر من السلطان العثماني مراد الثاني سادس سلاطين الدولة العثمانية وفي عام 1047 هجرية الموافق عام 1637م وفي عهد الدولة العثمانية أيضا تم تشييد رواق في الجزء الشرقي منه وتزيين منطقة المحراب وفي عام 1311 هجرية الموافق عام 1894م تم بناء  منارةً ذات طراز مرابطي بواسطة المهندسين المعماريين سليمان بن نيقرو وطاهر بن صابر وتم النداء للصلاة والآذان من أعلى هذه المنارة لأول مرة في يوم 26 من شهر رمضان عام 1312 هجرية الموافق يوم 22 من شهر مارس عام 1895م بحضور حاكم تونس في ذلك الوقت علي باي الثالث كما شهد الجامع بعد إستقلال البلاد يوم 20 مارس عام 1956م عملياتِ ترميم شاملة وكبيرة وواسعة إلا أنه عانى من بعض الأضرار خلال الثّورة التونسية عام 2011م والمسماة بثورة الياسمين وحفاظا عليه وخشية من حدوث تلفيات به  تم إغلاقه لفترة من الزمن .                       

thumbnail (2)                           

ولم يتوقف دور جامع الزيتونة علي دوره في مجال خدمة الدين الإسلامي فقط حيث أنه يعتبر أيضا منارةً علميةً حقيقية أسهمت في مد الأمة الإسلامية بالعلماء والدارسين والباحثين ليس في المجالات الدينية وحدها بل وفي المجالات الأخرى أيضا فقد لعب جامع الزيتونة دور الجامعة منذ لحظات تأسيسه الأولى إلي جانب مساهمته الفعالة في نشر التعاليم الإسلامية في دول المغرب العربي على وجه التحديد حيث كانت تعقد به حلقات الدرس حول الأئمة والمشايخ للإستزادة من علوم الدين ومقاصد الشريعة وبمرور الزمن أخذ التدريس فيه يتخذ شكلا نظاميا حتى غدا في القرن الثامن للهجرة الموافق للقرن الرابع عشر الميلادى عصر العلامة إبن خلدون بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها ونواميسها وعاداتها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها والتي تشد إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبا للعلم بكل فروعه وقد إرتبطت أسماء لامعة عبر التاريخ الإسلامي بجامع الزيتونة منها إبن عرفة التونسي الفقيه والمحدث ومفسر القرآن الكريم بالإضافة إلى العلامة إبن خلدون الغني عن التعريف والذي يعتبر واضع الأسس الأولى لعلم الإجتماع ولذا فقد إعتبر بعض المهتمين والمفكرين العرب جامع الزيتونة حصنا منيعا ومدافعا شرسا عن الثقافة العربية والإسلامية إلى جانب كل من الجامع الأزهر في مصر والجامع الأموي في سوريا وجامع القرويين في المغرب وقد لعب جامع الزيتونة دورا كبيرا في الذود عن ثقافة العرب والمسلمين أثناء فترة الإستعمار الفرنسي الذى حاول بكل قوة طمس هوية تونس العربية الإسلامية وإستبدال لغتها لتكون اللغة الفرنسية بدلا من اللغة العربية حيث حافظ جامع الزيتونة على هوية تونس الأصلية وساعد بشكل كبير على تجاوز تونس للمحنة الكبرى التي كانت تمر بها من خلال المصلحين والزعماء الوطنيين الذين أسهموا في هذا الأمر إسهامات كبيرة وعظيمة من خلاله .     

thumbnail (8)    

وتصميم وتخطيط جامع الزيتونة يتبع نظام الأروقة الأربعة المحيطة بفناء فسيح والذى توجد به مزولة لضبط أوقات الصلاة حسب الفصول السنوية الأربعة وقد تم الإستغناء عنها اليوم بوجود الساعات الدقيقة إلا أنها كانت من قبل من أتقن الأدوات وأدقها ضبطا للأوقات وتبلغ مساحة الجامع حوالي 5000 متر مربع منها 1344 مترا مربعا مساحة مغطاة ويوجد به عدد 184 عمود بتيجان أثرية كما يحتوي على تسعة مداخل ومن أهم العناصر المعمارية به والتي إستمدت جمالياتها من هندسة الفن المعمارى الإسلامي هي بيت الصلاة الشاسع والذي يتوسطه محراب يعود إلى القرن السابع عشر الميلادى ويوجد خلفه المحراب الأغلبي الأصلي نسبة إلى دولة الأغالبة بحجمه الكبير وقد كان مزخرفا على نمط محراب جامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان والأمر نفسه بالنسبة إلى المنبر وإن كان أصغر منه والذي وقعت عليه بعض التحويرات وهو يتميز بشكله البديع ويعود صنعه إلى عام 250 هجرية الموافق عام 864م وتوجد به عدد 22 حشوة مستطيلة الشكل في كل من الكتفين مع أن كل حشوة تنفرد عن أخواتها ولا تشابهها وتزدان هذه الحشوات بزخارف هندسية على شكل مربعات ودوائر ومعينات محفورة بمهارة وذوق رفيع في الخشب حفرا غائرا مفرغا لتضفي على المنبر جمالا ورونقا وروعة بل وإجلالا ومهابة حتى زعم بعض أهل تونس ولهم جميعا تعلق شديد بهذا الجامع أن الدعاء بين حافتي المنبر مستجاب .                   

thumbnail (9)                                            

وعلاوة علي ماسبق يتميز جامع الزيتونة بأنه يحتوي على أجمل ختمه للقرآن الكريم كتبت في البلاد التونسية وقد تم الإنتهاء منها وإهداؤها للمسجد أيام الشيخ تاج الدين البكري في أواخر القرن الثاني عشر الهجري الموافق لأواخر القرن الثامن عشر الميلادى كما يتميز جامع الزيتونة أيضا بوجود قبتين واحدة أمام المحراب والثانية على مدخل البلاط الأوسط مما يلي الصحن ويحمل قبة المحراب 32 عمودا و تتخللها طاقات مفتوحة ومغلقة متعاقبة في المحيط الدائري لعنق القبة أما قبة البهو فتعد من أروع القباب التونسية جميعا لما فيها من تناسق الزخرفة وإتقان المعمار وتوافق النسب وقد بنيت وفق نمط جديد دخل إلى تونس في العهد الفاطمي أما في عهد بني خراسان أي خلال الفترة من أواسط القرن الحادى عشر الميلادى إلى أواسط القرن الثاني عشر الميلادي فقد أضيفت إلي الجامع بوابات كبيرة تفتح على الخارج فضلا عن مقصورة الإمام والسبيل الذى كان يوجد تحتها كما أدخلت الدولة الحفصية إضافات مهمة أخرى للجامع مثل الرواق الخارجي الذي يطل على سوق الفكة الذي كان يطلق عليه حينها صحن الجنائز وقد أعيد بناء هذا الرواق عام 1638م خلال عهد السلطان العثماني مراد الرابع وفي أوائل العقد الثالث من القرن الحادي عشر الهجري تولى إمامة المسجد عدد من العلماء من الأسرة البكرية منهم تاج العارفين الشيخ محمد الذي بنى في صحن مسجد الزيتونة الرواق الشرقي وأدخل على الجامع ترميمات واسعة ونقشت في عهده على واجهة المحراب وأعالي السواري تيجان بديعة من الجبس هي الأجمل من نوعها في بلاد تونس ويتميز جامع الزيتونة أيضا بزخرفة فريدة تقوم على تناوب اللونين الأبيض والرمادي في كتل الحجارة التي تؤلف سنج العقود أو مداميك البناء داخل قبة المحراب ولعل مهندس جامع الزيتونة قد إستلهم فكر وتناوب اللونين من عقود جامع قرطبة الكبير التي إستخدمت فيها حجارة ذات ألوان عديدة ويعتبر جامع الزيتونة بوجه عام صورة مصغرة لجامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان والذى يعد أقدم جوامع تونس وذلك من ناحية التخطيط المعماري والزخارف الرخامية والحائطية المميزة له ومن الملاحظ انه عرف خلال 13 قرنا تحويرات وإضافات وزيادات ومحطات كثيرة فكل دولة حكمت تونس أضفت عليه بصمتها وهو ما يفسر لنا تنوع الأنماط والطرز الهندسية والزخرفية به .                 

thumbnail (10)

وكان من أهم المواد التي شيد بها جامع الزيتونة الحجارة حيث كانت هي أكثر العناصر المستعملة سواء في تشييد الأعمدة وتيجانها أو الأقواس فضلا عن الصحن الذي كان مغطى بألواح مرمرية كبيرة مأخوذة من معابد رومانية قديمة تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد كما كانت هذه الأعمدة رومانية الأصل في حين تعود تيجانها إلى الحقبتين الأندلسية والحفصية وقد بنيت الأقواس علي شكل حدوة الفرس ونأتي أخيرا إلي أهم ما يميز جامع الزيتونة وهي المئذنة المربعة الشكل التي تقع في الزاوية الشمالية للواجهة الشرقية ويبلغ إرتفاعها 43 مترا وهي مصنوعة من الحجر الجيري على خلفية من الحجر الرملي وكانت المئذنة التي بنيت مع البناء الأول للجامع قد تداعت للسقوط عام 1309 هجرية الموافق عام 1891م فأمر حاكم تونس آنذاك الباي علي باشا الثالث بهدمها وإعادة بنائها مع الإتقان والإهتمام فأعيد بناؤها ثانية بإرتفاع 43 مترا بعد أن كانت من قبل لا تزيد على ثلاثين مترا وجرى يوم الإحتفال بإتمامها حفل ديني رائع وتأخذ هذه المئذنة في زخارفها شكل زخارف المآذن الموحدية المغربية والأندلسية والتي تأخذ شكل  تشبيكات تغطي واجهات المئذنة بسلسلة من المعينات أما الجزء العلوي فينفتح بخمسة أقواس محاطة بإطار من التلبيس الخزفي ويتوجها رأس هرمية الشكل .        

thumbnail (11)                              

هذا ومما لا ينسى بخصوص مكتبة جامع الزيتونة تلك الجريمة الحضارية النكراء التي إرتكبها الجنود الأسبان عام 970 هجرية الموافق عام 1563م عندما إستباحوا حرمة جامع الزيتونة ضمن هياج عام لهم في تونس فأطلقوا أيديهم في إتلافها حتى صارت نفائس الكتب ملقاة في الطرق تدوسها خيلهم بأرجلها كما قاموا بسرقة كثير منها ونقله إلى أسبانيا أو إلى مكتبة البابا ولا تزال خطوط وقفها على مسجد الزيتونة مثبتة عليها إلى اليوم تثبت علي الأسبان جريمتهم وتثبت للمسلمين حقهم وإستمرت دموع مسجد الزيتونة تبكي مكتبته المنكوبة ردحاً من الزمن حتى كان عهد حاكم تونس مابين عام 1837م وعام 1855م أبي العباس أحمد باي من الملوك الحسنيين فأعاد لها نضارتها وجددها وإعتنى بها وإشترى لها آلاف الكتب والمراجع والمخطوطات فعرفت المكتبة بإسم المكتبة الأحمدية نسبة إليه  ثم جاء بعد ذلك خير الدين باشا وزير الصادق باي فوجه العناية لمتابعة المكتبة الزيتونية الأحمدية فقام هو الآخر بشراء العديد من الكتب ووقفها على المكتبة وتوالت عمليات وقف الكتب على المكتبة الزيتونية ليعود لها رونقها ومكانتها مرة أخرى ويعود لها مجدها الزائل ورونقها من جديد .

thumbnail (12)

thumbnail (13)

thumbnail (14)

thumbnail (15)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى