مقالات

المسحراتي .. بقلم “م.طارق بدراوى”

الـمـسـحـراتـي

المسحراتي أو المسحر هو لقب يطلق على الشخص الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان المعظم لتناول وجبة السحور والمشهور عنه الدق علي طبلته التي يحملها أو العزف علي المزمار بفمه  بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوبا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع والتكنولوجيا بدأت هذه المهنة في الإنقراض تدريجيا ومن ثم إختفى المسحراتي من معظم الحارات والأحياء بعدما كانت هذه المهنة مشهورة ومتواجدة بقوة في معظم الدول العربية خاصة في الأحياء الشعبية والريف وقد حث الرسول صلي الله عليه وسلم جميع المسلمين علي الحرص علي السحور قائلا تسحروا فإن في السحور بركة وقد كان الصحابي الجليل بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام وكان عبد الله بن أم مكتوم يقومان بمهمة إيقاظ الناس للسحور فكان الأول يؤذّن فيتناول الناس السحور ثم يؤذن الثّاني بعد ذلك فيمتنع الناس عن تناول الطّعام وفي مكة كان الزمزمي ينادي من أجل السحور وكان يتبع طريقة خاصة بحيث يرخي طرف حبل في يده يتدلى منه قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد .   

thumbnail (1)    

                    

وفي مصر كان أول من نادى بالتسحير عنبسة بن إسحاق عام 228 هجرية والي مصر من قبل الخليفة العباسي المنتصر محمد بن الخليفة المتوكل على الله جعفل حيث كان يذهب ماشيا من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص بالفسطاط وينادي في الناس بالسحور وفي عهد نفس الخليفة إبتكر أهل بغداد عاصمة الخلافة العباسية نفس الأسلوب فكان هناك رجل يوكل إليه أمر إيقاظ الناس للسحور وهو ينشد بعض التواشيح الدينية أما أهل بعض البلاد العربية الأخرى كاليمن والمغرب فقد كان المسحراتية يدقّون علي الأبواب بالنبابيت أما أهل الشام فكانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصة بشهر رمضان وكان أول من أيقظ الناس على الطّبلة هم أهل مصر وكان المسحراتية في مصر يطوفون في شوارع المدينة أو القرية وهم يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا طالبين منهم أن يوحدوا الله ويضربون على طار أو علي رق ضربات متوالية حتى يسمعهم النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور وكان المسحراتي يمثل شخصية وصورة لا يكتمل شهر رمضان بدونها وكان يرتبط إرتباطا وثيقا بالتقاليد الشعبية الرمضانية في مصر فقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحراتي جولته الليلية في الأحياء الشعبية موقظا أهاليها من النوم للقيام لتناول السحور وذلك عن طريق الدق علي طبلته مع إستخدام صوته الجميل وهو يصدح بأجمل الكلمات مما يضفي سحرا خاصا على المكان الذى يسير فيه ومن العبارات المشهورة للمسحراتية قولهم إصحي يا نايم وحد الدايم يـا غافي وحـد الله يا نايم وحد مولاك اللي خلقك وما بينساك قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم ويقوم بتلحين هذه العبارات بواسطة دقات فنية يوجهها إلى طبلته .      

thumbnail (2)        

وفي عهد الدولة الفاطمية كانت الجنود تتولى أمر إيقاظ الأهالي للسحور وذلك بأمر أصدره الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وبعد ذلك وفي عهده أيضا تم تعيين رجل أصبح يعرف بالمسحراتي كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا يا أهل الله قوموا تسحروا ولاحقا أصبح يقول عبارات من قبيل إصحي يا نايم وحد الدايم وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم أو السحور يا عباد الله أو يا نايم إذكر الله يا نايم وحد الله وأحيانا كان يتغني ببعض المدائح النبوية وتم تحديد مرتب لهذا الشخص نظير عمله مع أنه كان لايعمل إلا في شهر رمضان المعظم وقد إستمر هذا التقليد معمولا به في العصرين المملوكي والعثماني وأيضا في عهد أسرة محمد علي باشا ومابعده وإلي وقت قريب .                      

thumbnail (3)                            

وفي بعض القرى كان عمل المسحراتي يمتد أيضا إلي تنبيه الأهالي بوقت الإفطار بمجرد سماع صوت المؤذن وهو يرفع آذان المغرب وقديما كان الشكل المألوف للمسحراتي أنه يرتدى عادة جلباب بلدى وطاقية إلا أن بعض الشباب والأطفال الذين يرتدون الجينز والتشيرت في السنوات الأخيرة كانوا يطوفون أيضا بالشوارع بالطبلة لإيقاظ الناس كوسيلة من وسائل الإسترزاق وجمع العيدية بنهاية الشهر الكريم وجدير بالذكر أن المسحراتي كان لا يأخذ أجره وكان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل منزلا منزلا ومعه طبلته المعهودة فيوالي الضرب على طبلته في نهار العيد كما كان يفعل بالأمس في ليالي شهر رمضان فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد وتدريجيا بدأت هذه المهنة في الإندثار خاصة مع ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات وأصبح بالنسبة للمصريين أمر سماع طبلة وصوت المسحراتي في ليالي شهر رمضان في ذمة التاريخ اللهم إلا من عدد قليل مايزال يزاول هذه المهنة خاصة في الريف وبعض الأحياء الشعبية وتمشيا مع التكنولوجيا الحديثة كان التليفزيون المصرى يذيع فقرة بإسم المسحراتي بعد منتصف الليل في شهر رمضان من كل عام في وقت السحور كان يؤديها الفنان الراحل سيد مكاوى مستخدما أسلوب الدق علي الطبلة أيضا ومستخدما الكثير من العبارات التي كان المسحراتية القدامي يستخدمونها من أجل إيقاظ الناس للسحور .   

thumbnail (4) 

ومن الطريف أن هذه المهنة كان لايعمل بها سوى الرجال إلا أنه قد دخل فيها أيضا الجنس اللطيف حيث عملت بهذه المهنة ولاتزال حتي الآن إمرأة إسمها الحاجة دلال كان يعمل شقيقها في هذه المهنة قبل وفاته خاصة وأن هذه الوظيفة لا تتطلب تصاريح رسمية من الجهات المسئولة وأن الشرط الرئيسي لهذه الوظيفة هو الصوت العالي والجذاب فضلا عن العلاقات الودية مع سكان الحي أو المنطقة التي يعمل بها المسحراتي ومن ثم تقوم الحاجة دلال بمزاولة هذه المهنة فتدق علي طبلتها في جولاتها الرمضانية الليلية مرددة التواشيح الدينية ذات الصلة بشهر رمضان ومنادية على الأطفال بأسمائهم أثناء مرورها على منازلهم في منطقة أرض البصري الفقيرة في القاهرة وتفخر الحاجة دلال التي تعمل بدوام كامل في مصنع للملابس بعملها الجانبي وتقول إنها تفعل ذلك في شهر رمضان لتكريم ذكرى شقيقها الراحل ويرافقها إبنها محمود في جولاتها ليلا خلال شهر رمضان التي تمتد لثلاث ساعات من بعد منتصف الليل وحتي قرب وقت آذان الفجر حتى لا تكون وحدها في هذه الساعة المتأخرة من الليل وتقول أيضا إنه على الرغم من أن الكثير من الناس يسهرون حتى وقت متأخر بالفعل في شهر رمضان خاصة عندما يأتي في فصل الصيف إلا أنهم يحبون سماع أسمائهم وهي تنادى عليهم .

 

thumbnail (5)

thumbnail (6)

thumbnail (8)

thumbnail (9)

thumbnail

thumbnail

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى