مقالات

مقابر كوم الشقافة .. بقلم “م” طارق بدراوى

القاهرة – السياحة العربية 

تقع هذه المقابر في الإسكندرية في منطقة كوم الشقافة مابين حي كوم الدكة وحي كرموز وهي تعتبر من أقدم مناطق الإسكندرية حيث أنها تقع مكان قرية راكوتيس التي أقيمت مكانها مدينة الإسكندرية وتعتبر تلك المقابر من أهم مقابر المدينة وسميت المنطقة بهذا الإسم بسبب كثرة البقايا الفخارية التي كانت تتراكم في هذا المكان وترجع أهميه المقبرة نظرا لإتساعها وكثرة زخارفها وتخطيطها المعقد كما أنها من أوضح الأمثلة علي تداخل وإختلاط الفن الفرعوني بالفن الإغريقي والفن الروماني في المدينة والتأثير الشديد للفن الفرعوني عليهما وكذلك تعد هذه المقابر من أروع نماذج العمارة الجنائزية بها وقد عثر علي المقبرة بطريق الصدفة البحتة في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني يوم 28 سبتمبر عام 1900م بالرغم من أن التنقيب قد بدأ في هذه المنطقة منذ عام 1892م إلا أنه لم يعثر عليها إلا عام 1900م مصادفة وهذه الصدفة تمت بواسطة حمار حيث أن الحمار قد سقط في الفتحة الرئيسية للمقبرة على عمق حوالي 12 مترا وبالتالي عرف القائمون علي الحفر أن هناك آثار في هذه المنطقة وهم يبحثون عن سبب سقوط الحمار فكان ذلك سببا رئيسيا في العثور علي هذا الكشف الأثرى الكبير والهام .

thumbnail (1)

وتخطيط الجبانة وتشعب المقابر بها وتسلسلها وإختلاف العناصر الزخرفية فيها يجعلنا نعتقد أن هذه المقبرة لم يتم بناؤها دفعة واحدة وقد أكدت الحفائر بأن المقبرة قد تم توسعتها خلال السنوات التالية لبداية بنائها ولكن تشابه العناصر المعمارية والزخرفية بها يجعلنا لانمد الفترة التي تمت خلالها التوسعة إلي أزمنة طويلة ويجعلنا نحصر تلك الفترة فيما بين القرن الأول والثاني الميلادين وبالتحديد في الفترة بين أواخر القرن الأول الميلادى ومنتصف القرن الثاني الميلادى ومما يؤكد ذلك وجود النحت البارز الذي نشاهده في المقبره الرئيسية وأيضا الرسومات المصرية الصحيحة التي ترجع الي منتصف العصر الروماني حيث يوجد تأريخ يشير إلي عام 96 ميلادية وأيضا تأريخ يشير إلي عام 117م وأخيرا تأريخ يشير إلي عام 138م وهو عصر الإمبراطور الروماني هادريان وقد عثر أيضا بهذه المقابر علي عملات ترجع الي الفترة ما بين عهد ترايمان وعهد كلينيوس الأصغر مما يدل علي أن المقبره ظلت تستعمل حتى بدايه القرن الرابع الميلادي ثم أهملت بعد ذلك .

thumbnail (2)

ويبدو أن هذه المقبرة كانت خاصة بعائلة ثرية ثم إستخدمت لدفن العديد من الأسر بعد أن تولي أمرها جماعة من اللحادين وقد قامت هذه الجماعة بإضافة بعض الحجرات وبحفر فتحات الدفن في الجدران في صف واحد أو صفين يعلو كل منهما الآخر والمقبرة ذات أربع طوابق منها طابق فوق الأرض إندثر عبر الزمن كما أن الطابق الأخير الموجود تحت الأرض قد أصبح مغمورا الآن بالمياه نتيجة تسرب مياه الرشح في مسام الصخر مما أدى إلي إرتفاع منسوب المياه الجوفية وغمر هذا الطابق بالكامل بالمياه ويمكن إيجاز وصف تخطيط المقبرة بداية من مدخلها الواقع فوق سطح الأرض الذى يؤدى إلي سلم حلزوني يؤدى بدوره إلي الطابق تحت الأرضي الأول ويتكون بدوره من دهليز يتصل بصالة مستديرة الشكل يتوسطها بئر ويجاور هذه الصالة المستديرة صالة مستطيلة الشكل متسعة مزودة بثلاثة أرائك هي صالة المآدب وفي نهاية الصالة المستديرة يوجد سلم يؤدي الي الطابق تحت الأرضي الثاني وهو الطابق الذي يوجد فيه الجزء الرئيسي للدفن في المقبرة وهو عبارة عن حجرة ذات ثلاث فتحات في الحائط ودهليزين يمتدان في زوايا قائمة حول حجرة الدفن ونجد في هذين الدهليزين فتحات وحجرات صغيرة للدفن ثم نصل بعد ذلك إلي الطابق تحت الأرضي الثالث وتغمره المياه الجوفية حاليا كما أسلفنا القول وكان قد إستخدم للدفن في عصر لاحق وكان ضمن التخطيط الأصلي للمقبرة ويعتقد أن هذا الطابق كان يحتوي علي ممرات وسراديب تؤدي إلي معبد السيرابيوم الذى كان متواجدا بالقرب من منطقة المقبرة ولكن هذا غير مؤكد .      

thumbnail (7)                      

 والسلم الحلزوني الذى نجده بعد مدخل المقبرة يدور حول بئر أسطواني أو مسقط نور محفور في الصخر قطره 6 متر تقريبا ويصل عمقه الحالي إلي 10 أمتار والسلم مبني من كتل حجرية مربعة شكلت فيها نوافذ مستديرة من أعلى وتعتبر الواجهة الداخلية من المنور ويبلغ عرض درجه السلم حوالي 1.2 متر وسقفه على شكل قبو مبني من خمسة صفوف من القطع الحجرية الطويلة المتلاصقة ويلاحظ أن درجات السلم السفلية منها أكثر إرتفاعا من العليا حيث يأخذ إرتفاع الدرجات في التناقص تدريجيا حتي يكاد ينعدم قرب سطح الأرض والسر في ذلك كما نعرفه في كثير من المباني الرومانية هو أن الصاعد لأعلي بعد زيارة المتوفي يكون أكثر نشاطا وقدرة في القاع منه عندما يقترب من سطح الأرض إذ يكون التعب قد أخذ منه ولذا تبدو الدرجات العليا وكأن الصاعد لا يرتقى سلما بل يسير في طريق حلزوني قليل الإنحدار لتحقيق راحة الزائر أما إضاءة السلم فقد كانت تأتي عن طريق الفتحات التي تم فتحها في المنور وعن طريق فتحات أو نيشات صغيرة مستطيلة في الحائط علي جوانب السلم كانت توضع فيها مسارج من الفخار تضاء بالزيت وتستخدم لإضاءة بقية المقابر وكذلك لحرق البخور وخاصة في المناسبات الهامة .

thumbnail (6)

ومدخل المقبرة عبارة عن مكان صغير مغطي بقبو عند نهاية اللفة الثالثة للسلم علي جانبيه فجوتان متساويتان أشبه بالمحراب ولكل منهما مقعد نصف دائرى يشكل الفتحة وله سقف مزخرف علي هيئه الصدفة أو قوقعة البحر منحوتة من نفس الصخر وهذه الزخرفة الرومانية الأصل إنتشرت في منتصف القرن الثاني الميلادي ويبدو أن هذين المقعدين النصف دائريين كانا كعامل مساعد لراحة الصاعد أما الصالة المستديرة بالطابق تحت الأرضي الأول والتي يفضي المدخل إليها فيتوسطها بئر قطره 8.5 متر يعلوه سقف علي شكل قبة وترتكز القبة علي 6 أعمدة ويصل بين كل عمود وآخر حوائط الستائر فيما عدا الجزء المواجه للمدخل والجزء الداخلي لهذه الحوائط ذو زخارف هندسية ملونة باللون الأحمر وقد عثر في قاع البئر علي عدة رؤوس رخامية معروضة الآن بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية وهي رأس لأحد كهنة سيراميس ورأس شاب ورأس صبي ورأس طفل صغير أما الرؤوس الموجودة علي حافة الحائط المستدير المحيط بالبئر فقد صنعت من الحصي وهناك شك فيما إذا كانت هذه التماثيل تنتمي إلى نفس المقبرة أو إلي مبني آخر وطريقة نحت هذه التماثيل خاصة العينان والشعر تدل علي أنها ترجع إلى الفترة من آخر القرن الأول الميلادي إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي .

thumbnail (5)

أما صالة المآدب التي يؤدى إليها مدخل في جانب الصالة المستديرة فهي صالة ذات مصاطب ثلاثة كان يجتمع فيها أهل المتوفي لتناول الطعام عند زياره المقبرة في المناسبات الخاصة بالذات والصالة عبارة عن حجرة واسعة مربعة الشكل تقريبا 8.5 متر × 9 متر وسقف الحجرة مسطح ويرتفع في المسافة الداخلية بين الأعمدة التي تتوسط الحجرة وربما كان السبب في هذا الإختلاف محاولة تقليد بئر الإضاءة والأعمدة الأربعة بتيجان من الطراز الدوري ويعلوهما عتب مصقول وفي العمودين الأماميين فتحة ربما كانت لوضع مشعل لزوم الإضاءة وبالصالة ثلاثة أرائك محفورة في الصخر وعرضها مترين متصلة بقواعد الأعمدة ومتصلة ببعضها علي شكل مصطبة وقد كان هناك أمام الأرائك مائدة خشبية تتوسط الحجرة تشبه صالات تناول الطعام في المنازل الرومانية الثرية ومن خلال النقش نعرف أن هذه الأرائك كان يوضع عليها وسائد يضطجع عليها الزوار وقت الطعام علي الطريقة الرومانية كما أن الصالة المستديرة تفتح أيضا علي عدة حجرات صغيرة تقع إلي جوارها .

thumbnail (4)

وبخصوص الطابق تحت الأرضي الثاني ففي نهاية الصالة المستديرة الخاصة بالطابق تحت الأرضي الأول من الناحية الغربية يوجد سلم صمم بإنحدار شديد ويقع في منتصف الممر المائل ناحية الطابق الثاني أمام الواجهة الزخرفية بحيث يعطي فكرة أو مقدمة عن حجرة الدفن والتي تعتبر قلب المجموعة الجنائزية ويتكون السلم في البداية من 15 درجة واسعة وتقل الدرجات كلما إتجهنا للداخل ويلى ذلك مسطح صغير ينقسم إلى جزئين جزء علي اليمين وآخر علي اليسار أما سقف السلم فهو مقبي وبه زخارف على شكل الصدفة وعند نهاية السلم نجد منصة تشبه منصة الدفن حيث يمكن من خلالها مشاهدة حجرة الدفن ويوجد أسفلها سلما كان مغمورا بالمياه وقت إكتشاف المقبرة ثم ردم ويؤدى هذا السلم إلى الطابق تحت الأرضي الثالث وقد وجدت جثث طافية علي سطح هذه المياة الجوفية والمنصة مائلة في إتجاه عكسي لإتجاه السلم وتخفي لمن ينظر من أعلى جزءا من الواجهة الزخرفية ويصبح المنظر كاملا عندما يصل الإنسان إلى نهاية السلم .  

thumbnail (3)  

ولايفوتنا هنا أن نلقي الضوء علي معبد السيرابيوم الذى جاء ذكره في السطور السابقة والذى يظن أنه كان يقع إلي جوار منطقة مقابر كوم الشقافة وحقيقة الأمر أن هذه التسمية السيرابيوم كانت تطلق على كل معبد أو هيكل ديني مخصص لعبادة إله الوحدانية سيرابيس وهي عبادة مقدسة إنتشرت في مصر فى العصر الإغريقي الروماني وهي عبادة أساسها الجمع بين إلهين من آلهة مصر القديمة وهما أوزوريس وأبيس وقد شيد بطليموس الأول خليفة الإسكندر الأكبر أول معبد سيرابيوم بالإسكندرية وكان بناءا بسيطا ومتواضعا شيد على الطراز الإغريقي إلى أن اصبح لاحقا زاخرا بالعناصر المعمارية المصرية ومن بعده أضاف إليه بطليموس الثاني مكتبة ضخمة كانت تلي مكتبة الإسكندرية في الحجم والشهرة وكانت تحوى عدد 42800 من لفائف البردي وهذا البناء ذكر الجغرافي اليوناني سترابو أنه لم يبق له أى أثر وأنه كان موجودا فى الجزء الغربي من المدينة وبعد ذلك كلف بطليموس الثالث المهندس المعماري الإغريقي بارمينيسكو بمهمة إعادة تأسيس معبد السيرابيوم فأنجز المهمة وكان البناء الجديد للمعبد يضم تمثال للإله سيرابيس الذى يأتى على شكل رجل ملتح جالس على عرش يحمل على رأسه سلة مليئة بالبذور وفي يده اليسرى المرفوعة يحمل صولجان طويل في حين أن يده اليمنى متكئة على رأس الكلب المسمي كيربيروس وفي عهد الإمبراطور تراجان حدث في الإسكندرية عصيان من قبل اليهود أدى إلى تدمير معبد السيرابيوم وقام الإمبراطور هادريان الذى خلفه بإعادة بناء المعبد وأضاف إليه تمثال كبير للثور أبيس وهو التمثال الذي يتم الإحتفاظ به حاليا في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية وذلك بعد إكتشافه في عام 1895م وظل السيرابيوم علي حاله حتي عهد الإمبراطور ثيوديوس الذى قام بإصدار المراسيم التى تمنع ممارسة كل العبادات الوثنية والدخول إلى المعابد مما أدى في النهاية بالسيرابيوم إلى التدمير وقد أدت عمليات التنقيب التي أجريت عام 1944م في محيط منطقة عمود السوارى بالإسكندرية إلى إكتشاف ودائع الأساس الخاصة بهذا المعبد وكانت عبارة عن مجموعتين تتكون كل منهما من عشرة صفائح في المجموعة الواحدة يوجد صفيحة من الذهب وأخرى من الفضة وأخرى من البرونز وأخرى من طمي النيل المجفف وخمسة صفائح من الزجاج المعتم وتحمل كل صفيحة نصوص باليونانية وبالهيروغليفية تتعلق بالمرسوم الذى أصدره بطليموس الثالث لبناء المعبد في نفس المنطقة التي عثر بها على ودائع الأساس .

thumbnail (8)

thumbnail (9)

thumbnail (10)

thumbnail (11)

thumbnail (12)

thumbnail (13)

thumbnail

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى