مقالات

باحث أثري: “الفراعنة” كانوا يحتفلون بـالمولد | مجلة السياحة العربية

قال الباحث الأثري أحمد عامر: إن المصريين عرفوا الاحتفال بالموالد بدايةً مع حكم الفاطميين لمصر، وقد شهد الاحتفال بالمولد في عام 973هـ في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، وكانت الدولة مكتملة في تلك الفترة “الخليفة والوزراء وعامة الشعب”، حيث كان يتم استقبال هذه المناسبة بدايةً من أول ربيع الأول حتى 12 من الشهر نفسه، وقد كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من سمات عصر الفاطميين؛ حيث بالغوا في الاحتفال به، وأفرطوا في ذلك، بل ولم يحتفل الفاطميون بالمولد فقط، بل كان للخلفاء الفاطميين أعياد أخرى ومواسم على مدار العام، وهي مواسم “رأس السنة، وأول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم”، وقد قاموا بصُنع الحلوى بأشكال عدة ومختلفة كالطيور والقطط والخيول وعروسة المولد، كما تم ابتكار نظم جديدة تهدف إلى تخزين المواد الغذائية من سمن وسكر ودقيق، حتى يتم تصنيع الحلوى التي كانت توزع بأمر الخليفة على جميع فئات الشعب في كل المناسبات الدينية وبصفة خاصة المولد، كما أن الفكرة بدأت بالاجتماع وأكل الطعام وتعليق الزينات وإظهار الفرح والسرور فى مثل هذه المناسبات، ويرى البعض أن الاهتمام الشديد لدى المصريين بتلك الأعياد الدينية، ما هو إلا ميراث مصرى قديم يضرب بجذوره في عمق التاريخ المصري الذي شهد اهتمامًا بإقامة طقوس وتقاليد دقيقة، سواء في أعياد “جلوس الملك على العرش، وعيد مولده، وعيد الحصاد، وعيد وفاء النيل”، ومن ثمّ توارث المصريون من أجدادهم ذلك الاهتمام بطقوس الاحتفالات الدينية فيما بعد.
وأشار “عامر” إلى أنه مع حكم العصر الأيوبي تم إلغاء جميع مظاهر الاحتفالات الدينية، وكان القائد صلاح الدين الأيوبي وقتها يستهدف من ذلك تقوية دولته عسكريًا ومواجهة ما يهددها من أخطار ومحو جميع الظواهر الاجتماعية التي ميزت العصر الفاطمي، ومع بداية الدولة المملوكية اتخذ الاحتفال بمولد النبي الكثير من الوجاهة والعظمة بما يتناسب مع ما شهده المجتمع من رفاهية وقتها، حيث كان السلاطين دائمي الحرص على مشاركة الشعب الاحتفال بهذه المناسبة، وكان السلطان يقيم بالحوش السلطاني خيمة في القلعة أُطلق عليها اسم “خيمة المولد”، وكان أول من قام بتأسيسها “السلطان قايتباي”، ويمكن وصف هذه الخيمة بأنها زرقاء اللون على شكل قاعدة يتوسطها قُبة مقامة على أربعة أعمدة، كان تُكلف وقتها ما يقرب من 23 ألف دينار، وكان يتم وضع أحواض عند أبوابها يتم ملؤها بالماء المحلي بالسكر والليمون، وكان يُعلق حولها الأكواب الفاخرة التي تم تصنعيها من النحاس، وتم تزيينها بالنقوش وكان المقرئون يبدءون التلاوة بآيات القرآن الكريم، وكان عند انتهاء المُقرئ من القراءة يعطيه السلطان صُرة بها 500 درهم من الفضة، وبعد صلاة المغرب يتم توزيع الحلوى، وفي صباح يوم المولد يقوم السلطان بتوزيع كميات من القمح على الزوايا.
وتابع “عامر” أن الموالد قد أخذت في التطور فنجد أن أول مولد أُقيم لأول مرة في عام 922هـ وكان ذلك فى عهد السلطان المملوكي “قنصوه الغورى”، وقد اتسم وقتها بالبذخ والترف، وعندما دخل العثمانيون مصر عام 923هـ ألغوا الاحتفال به، لكن الاحتفالات تجددت مرة أخرى بعد ذلك، وعندما دخل نابليون مصر اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 1213هـ _ 1798م وكان ذلك من خلال إرساله 300 ريال نفقات الاحتفال لمنزل الشيخ البكري نقيب الأشراف وقتها في مصر، كما قال بإرسال الطبول الضخمة والقناديل أيضًا، وعندما أتى المساء بدأت إقامة الألعاب النارية احتفالًا بالمولد النبوي، وفي العام التالي احتفل “نابليون بونابرت” بالمولد النبوي الشريف، وذلك من أجل استمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها.
وأضاف “عامر” أنه في عهد الأسرة العلوية كانت مسئولية الاحتفال تقع على عاتق نقيب الأشراف الذي يتلقى أموالا من الخزانة العامة للدولة وإدارة الممتلكات الخديوية، وكانت تخصص كميات كبيرة من الأرز واللحوم والسكر لبيعها في الاحتفالات، بالإضافة إلى أن من مظاهر تلك الاحتفالات أن تزدان خيمة البكري بزيارة الخديوي ومعه العلماء والأعيان لسماع قصة المولد النبوي وتوزع الحلوى وشراب الليمون، أما فى العصر الحديث، وتحديدًا فى عهد الملك فؤاد انتقلت ساحة الاحتفال إلى العباسية، وتولت وزارة الأوقاف إقامة السرادقات طوال فترة الاحتفالات، والآن يتم الاحتفال بالموالد فى أكثر من مكان حسب مولد الشخص نفسه، فهناك “مولد الحسين بمسجد الحسين، ومولد السيد البدوى بطنطا، والمرسى أبو العباس بإسكندرية، والسيدة زينب، والسيدة عائشة” وغيرها من الموالد والاحتفالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى