السياحة العربية

سليانة: من ترابك يولد الجمال والتاريخ من جديد.

كتب عبد الوهاب البراري. مكتب تونس

من ترابك يا دوحة الشمال سيولد الجمال من جديد، من أرضك الخضراء يا ريحانة الوطن يستعيد التاريخ شبابه وعنفوانه، وستولدين ريحانة تستعيد تاجها فيتغنّى بك ملك القوافي والقصيد والثورة أبو القاسم الشابّي، يغازلك عاشق الاكليل والزّعتر فتحيلك قصائده لوحة لم ترسمها فرشاة كلود موناي Claude Monet أو بابلو بيكاسّو Pablo Picasso، لوحة تتزيّن بها وتخلّدها أروقة متحف اللّوفر الباريسيّ، لوحة تخجل من حسنها موناليزا ليوناردو دا فينشي Leonardo da Vinci، ترمقها عيناها السّاحرتان، يركع على وجنتيها حنّبعل فينبت الأقحوان على جبال الآلب.
أنت أرض الطّيبة، ورحم الوفاء، وفاء أولاد عون وقبائل أولاد عيّار، أنت مسرح الشعر الشّعبيّ وأهازيج النّسوة، يستقبلك عطر حقولها وروابيها، أرض الغزال الاسباني الذي استوطن في جبال السّرج واتّخذ منه بيتا ومقاما، يغازلك الأقحوان بحمرته خجِلا في حضرة كبار القوم وحفظة التّاريخ، رسمتك الأيّام عروسا في أعين حرائر سيدي بورويس والرّوحيّة ونقشتك وشما على سواعد الفلاحين في تربة الكريب، سواعد تسقي ارضك عشقا فتحوّلها جنّة من عطاء بديع السّماوات والأرض، خلّدتك صفحات اتحاف أهل الزّمان بقلم أحمد ابن أبي الضّياف سليل قبيلة أولاد عون وأرض سليانة.
أنت قبلة أهل الجنوب والسّاحل يحجّون الى ربوعك في رحلة الصّيف طلبا لخيراتك، كيف لا وأنت مطمور روما وأرض العطاء والجود تنتصب مخازن القمح على جانبي الطّريق رزقا لهذا الوطن وأهله الطّيّبين…
عين بوسعدية وتراب برقو يشهدان على نضال أحرار الوطن، وهبوا دماءهم الطّاهرة مهرا لعيونك الحالمة، يشهد على نضالهم جبل برقو بشموخه الّذي لا تبليه السنوات ولا تؤثّر فيه الأيّام…

يتغنّى جبل السرج وقبّة سيدي مرشد ببطولاتهم وقصص جهادهم، يتباهى الشّجر والحجر بعشقهم لهذا الوطن الأخضر ويخلّدها، وكما ارتوت حبّات ترابها بدمائهم فقد سقاها عشقنا لها لتخضرّ من جديد.
في سليانة يلتقي التّاريخ بالذّاكرة وتلتحم القصص بالأحاجي لتؤلّف منها الجدّة حكايات في ليالي السّمر، حكايات تنحت ذاكرة الأطفال وهويّتهم وتنحت رجولتهم فتنبت من بين الأحاجي عزّتهم وتاريخهم…


يتعرّج بنا طريق الحكاية الى الجنوب قليلا فنمرّ بأرض مكثر أو مكتاريس كما يحلو للرومان تسميتها، فترمقنا أشجار التّين من بعيد، وتلوّح لنا شجيرات الصّنوبر المتسلّل من بين تجاعيد الصّخر في كسرى، تلك القرية البربرية ذاكرة الأمازيغ وأقدم موطن لهم في القارّة السمراء.
عيون الصّبايا في كسرى تنير أزقّة القرية فتزيدها اغراء للزّائرين يؤمّنوها في رحلة الشّتاء والصّيف، وبركة ماء صاف كصفاء قلوب حسناوات كسرى يقفز فيها أطفال لم تحرمهم قلّة ذات اليد من سعادة طفولية لا يدرك كنهها سواهم ونسوة يلقين عليك التّحيّة في همس لذيذ وعيونهنّ لا ترتفع اليك خجلا وحياء…

ان كانت الأسطورة قد منحت لأميرة كسرى هواءها وماءها، فقد خلّدت أرض جامة أو زاما كما تذكرها بعض كتب التّاريخ القائد حنّبعل برقة أو هانيبال وليد قرطاج، حين تكون وجهتنا جامة، يولد القائد من جديد ويستعيد أمجاده فتنهض سواري قصره من تحت التّراب ويتربّع حنّبعل على عرش التّاريخ حاملا سيفه ويدوّن بطولاته من جديد، تتراءى له سهول سليانة جنوبا وتطلّ أقواس النّصر في مكثر غربا، يؤذّن التاريخ فيها فتتحوّل الأرض الى جنّات عدن وتتبدّل الأرض غير الأرض ويولد التاريخ شابّا يافعا…
حينها يصبح كلّ شبر من أرضك قبلة للزّائرين يحجّون اليك كلّما داعبهم الحنين الى لقاءك.


جمالك لم يوشّح أرضك فقط بل حفظه بديع السماوات والأرض كنزا في مغارة عين الذّهب على سفح جبل السّرج، مغارة نحتتها قدرة الخالق منذ ملايين السّنين، عالم تعجز الكلمات على رسمه وتركع الأعين في محراب روعته وابداع الخالق فيه…مغارة ممتدّة على مسافة ثلاثة كيلومترات تحت الجبل، ماء عيونها أنقى من أعين حسناوات كسرى، تتدلّى النّوازل البلّوريّة من سقفها قطرات ماء متجمّد منذ ملايين السّنين، ألوانها تحدّت قوانين الجمال وحدوده وتفرّدت بروعة تسبّح الله في محراب قدرته وابداعه، مغارة يؤمّها الزّوار والباحثون من أرجاء الأرض، عالم فريد من نوعه لا تضاهي جماله سوى مغارة أخرى على كوكبناّ عين الذّهب خلّدته ذاكرة اليونسكو كأجمل مزار تحت الأرض…أمّا ربوع سيدي حمادة موطن العلم والتّاريخ لا تنقطع مواسم الفرح والمدائح الدّينيّة فيها يستقبلك أبناؤها بالفرح وخبز الملاوي وزيت الزّيتون من وادي السّواني، فكلّ الأيّام في سيدي حمادة فرح لا ينتهي.


أرض الخضراء تغنّى بها ملك العود العربي شقيق أسمهان، وتغزّل بها عاشق المرأة والأرض مصرّحا بعشقه لها: يا تونس جئتك عاشقا… كيف لا يغازلها وهي عروس المتوسّطّ، خضراء الوطن الكبير الممتدّ من المحيط الى المحيط، من رحمها ولد الجمال واستوطن في ترابها الابداع الإلهي، تراقص النّجم والخميلة على نغمات تواشيحها في مواسم الزّرع والحصاد، من تربتها بعث الخالق رجالا وحرائر نحتوا على درب حياتهم عشقا أبديّا لا يعترف بالنسيان مهما طال الزّمان.
ذلك بعض من حكايات الوطن وما ترويه سليانة لزوّارها، فأرضها لا تنتظر شيئا من أحد، سليانة تنتظر مقدمكم، فهل يرفض الزّائر جنّة الأرض، فهنا الطبيعة، وهنا الأرض والعرض والتّاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى