طوف وشوف

وارسو.. عاصمة التاريخ والحداثة

 

وارسو _ السياحة العربية

لعاصمة بولندا، وارسو، تاريخ ضارب في القدم يمتزج بالحداثة التي باتت تميز المدينة اليوم. فهي أشبه بعالمٍ تمتزج فيه العصور والثقافات المختلفة التي تمنح قاصديها وزوارها خياراتٍ واسعة ومتنوعة من خلال المعالم السياحية والحدائق البديعة والأماكن الترفيهية والمسارح الثقافية والمتاحف والقصور الممتلئة بالمقتنيات الأثرية والمعروفة بطرازها المعماري الآسر. ويبلغ عدد سكان المدينة التي تقع وسط بولندا نحو 1.7 مليون نسمة كأكبر مدينة في البلاد من حيث عدد السكان. ومن السهولة البالغة التنقل بين أحياء وارسو باستخدم وسائل النقل العامة، إذ لا يكاد شارع يخلو من خط للحافلات والترام وكذلك المترو. ولعل أشهر الوجهات التي يمكن البدء بها لاستكشاف المدينة، هي البلدة القديمة التي تعرف أيضاً باللغة المحلية بـ”ستاروكا”، حيث تحظى بإقبالٍ كبير بين زوار المدينة، ويندر أن لا يجد قاصدها عشرات السياح على مدار السنة. وأعاد البولنديون بناء البلدة القديمة بعد تدميرها خلال الحرب العالمية الثانية. وبالإضافة إلى كل ذلك، يمكن ملاحظة المتاجر التي تبيع الهدايا والتذكارات والمشغولات اليدوية التي لا يمكن للمرء إلا أن يشتري منها، خاصةً لأسعارها الرخيصة، إذ لا تزال بولندا تستعمل عملتها المحلية “زلوتي” ولم تتبن “اليورو” على الرغم من عضويتها في الاتحاد الأوروبي منذ أعوامٍ طويلة. وتتميز الشوارع المحيطة بالبلدة القديمة بالعديد من المعالم المشهورة بالفن المعماري من العصور الوسطى مثل كاتدرائية باربيكان وكاتدرائية سانت جون. وفيها أيضاً متحف الكاريكاتير والرسوم المتحركة الذي يحتوي على مجموعةٍ مثيرة للإعجاب من الرسوم الكاريكاتورية عبر التاريخ. وفي وارسو، العديد من شوارع التسوق التي تناسب كافة الأذواق، ومنها شارع “العالم الجديد” الذي يعد أحد أكثر الشوارع التاريخية أهمية، ومن الشوارع التجارية الرئيسية فيها. أما المركز التجاري المسمى “زلتوي تاراسي”، فهو أشهر مركز تجاري في وارسو ويحتوي على مئات المتاجر ذات العلامات الفاخرة والعديد من المطاعم والمقاهي المتنوعة بديكوره الفريد من نوعه، خاصةً قبته الزجاجية التي تسمح بدخول الضوء إلى جميع أرجائه. ولا يمكن مغادرة البلدة القديمة من دون زيارة القصر الملكي الذي يزين ساحتها، إذ ظل على مدى قرونٍ عديدة المقر الرسمي لحكام وملوك بولندا منذ القرن السادس عشر. ولدى تجوال الزائر في جنبات القصر، سيمر بين جدرانه المزينة بالأحجار الكريمة باهظة الثمن والمقتنيات الأثرية العديدة، بالإضافة إلى اللوحات الفنية القديمة المعلقة في غرفه العديدة. ويعود تاريخ القلعة إلى القرن الرابع عشر، وهي تشتهر بأنها المكان الذي تم فيه صياغة أول دستورفي أوروبا في عام 1791. ومن الآثار التاريخية المثيرة للاهتمام أيضاً، حصن وارسو، وهو حصن نصف دائري يقع بين البلدة القديمة والمدينة الجديدة، ويعتبر أحد الآثار القليلة المتبقية من شبكةٍ معقدة من التحصينات التاريخية تم إنشائها في العصور الوسطى من أجل تطويق المدينة وحمايتها من الأعداء.

ومن المعالم المشهورة في العاصمة البولندية كذلك، حديقة نافورة وارسو التي تقع على بعد خطواتٍ فحسب من البلدة القديمة وتصنف على أنها من أجمل الأماكن السياحية بنوافيرها الراقصة والألوان المتغيرة التي تصاحبها. وهنالك أيضاً حديقة حيوانات وارسو واسعة المساحة، وحديقة ساكسون العامة وهي أقدم حديقة عامة في المدينة على الإطلاق إذ تأسست في أواخر القرن السابع عشر، وبحيرة زجرزي الاصطناعية الخلابة التي تتيح تأجير القوارب والقيام بجولةٍ رائعة والاستمتاع بركوب الدراجات المائية في مغامرةٍ مثيرة وسط أجواء البحيرة الحالمة. أما المتاحف، فتزخر بها العاصمة البولندية بلا شك. ومنها المتحف الوطني الذي يحتوي على العديد من الأعمال والقطع الفنية القيّمة والنادرة ومنها ما يعود إلى القرون الوسطى. وهناك أيضاً، متحف بيت الدمى الذي يعتبر تجربة فريدة من نوعها مليئة بالبهجة لمختلف الفئات العمرية. وكما يدل اسمه، فإن المتحف مختص بعرض الألعاب والدُمى القديمة بطريقة جذابة تم جلبها من مختلف أنحاء العالم. وباعتبار أن بولندا كانت مركزاً لمعارك الحرب العالمية الثانية، لا بد والحال كذلك زيارة متحف انتفاضة وارسو الذي يحكي قصة تاريخ هذا البلد الأوروبي الذي تعرضته عاصمته إلى دمارٍ كبير خلال الحرب. ويهدف المتحف إلى التذكير بالتراث العسكري والحربي، وافتتح في 2004 في الذكرى الستين لانتفاضة سكان وارسو. وبكل تأكيد، هناك مَعلم لا يمكن أن تخطئه العين وهو قصر الثقافة والعلوم في وارسو. والقصر مبنى شاهق وعريق ومهيب يقع وسط العاصمة البولندية ويعتبر رمز المدينة بدون منازع ومن أطول المباني في أوروبا. بني القصر في 1955 وشارك في تشييده آلاف العمال لمدة ثلاثة أعوام. وهو المركز الثقافي الأهم في البلاد بأسرها، إذ يضم أهم المسارح وقاعات السينما والحفلات الموسيقية والمؤسسات العلمية. وبالإمكان الصعود إلى الطابق الثلاثين والاستمتاع بمناظر بانورامية للمدينة من جميع الاتجاهات من شرفته. وتوفر المدينة العديد من الخيارات المتنوعة للمبيت والطعام التي تناسب كافة الأذواق والميزانيات. ففي وسط البلدة القديمة، يوجد العديد من المطاعم والمقاهي التي تقدم ما لذ وطاب للضيوف، خاصةً الأطباق البولندية الشعبية، في تجربةٍ تثري الحواس. ومن أهم تلك المطاعم التي تقدم وجبة عشاء بولندية خالصة “يو فوكيرا” الذي تبلغ شهرته أن العديد من الزبائن يصطفون في طابور لدخوله، وكذلك مطعمي “إليكسير” و”سيلافي” وغيرها من المطاعم التي تعج بها وارسو وبلدتها القديمة. وهناك أيضاً فنادق عالمية من فئة الخمس نجوم مثل “ماريوت” و”هيلتون”، وكذلك “نوبو” الذي يقع وسط المدينة في منطقة عصرية ويعتبر معلماً سياحياً على الرغم من حداثة تأسيسه، إذ تم بناؤه على شكل حرف V باللون المائل إلى الأسود تتخله نباتات وشجيرات صغيرة مزروعة في كل طابق من طوابقه السبعة التي شيدت بطريقةٍ تبدو وكأنها منفصلة عن بعضها بحركة انزياح غريبة. وحصل “نوبو”، الذي يضم 117 غرفة وجناحاً وكذلك مطعماً وباراً وسبا وساونا ومركز لياقة بدنية وقاعة اجتماعات، على جوائز عديدة ونجح في جذب المشاهير والفنانين إليه، حتى بات محطة لا يمكن للسائح أن يتجنب زيارتها بسبب تصميمه الفريد، خاصةً باتساقه مع الثقافة اليابانية بكل أشكالها سواءً عبر عرضه التفاصيل المعمارية اليابانية التقليدية أو لاحتوائه على أول “ساك بار” في بولندا.

توفر واسو العديد من الإمكانيات لزائريها مهما اختلفت اهتماماتهم. وهي بحق العاصمة التي نجحت في مزح التاريخ والحداثة في توليفةٍ ساحرة تنقل السائح إلى الماضي، لكنها في الوقت ذاته تبقيه في الحاضر ليختبر فرصةً قد لا تتكرر كثيراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى