مقالات

الكولوسيوم | مجلة السياحة العربية

بقلم : م/ طارق بدراوى 

الكولوسيوم أو الكوليسيوم أو الكلوسيم أو ما يسمى بالمدرج الفلافي هو مدرج روماني عملاق يقع في وسط العاصمة الإيطالية روما وقد تم تشييده إلى شرق المنتدى الروماني ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول فيما بين عام 70م وعام 71م وتحديدا في عهد الإمبراطور فلافيو فسبازيان الذى رغب في إقامة مبني ضخم لم يتم بناء مثيل له من قبل حتى يكون رمزا لعظمة الإمبراطورية الرومانية في وقت من أزهى عصورها لمضاهاة الحضارات والدول الكبرى التي خضعت لسيادة روما ومن ناحية أخرى رغبة منه في محو ذاكرة سلفه الإمبراطور نيرون الذى تسبب في حريق روما الكبير وقد تم الإنتهاء منه بشكل أساسي عام 80م في عهد إبنه وخليفته الإمبراطور تيتوس إلا أنه قد أضيفت له بعض التعديلات في عهد شقيقه وخليفته الإمبراطور دوميتيانوس ولذلك فإن أحد أسمائه هو المدرج الفلافي نسبة إلي الإمبراطور فلافيو فسبازيان وخلفائه من السلالة الفلافية ويعد هذا المدرج بمثابة العمل الأكبر الذي شيدته الإمبراطورية الرومانية وذلك لكونه واحدا من أعظم الأعمال المعمارية والهندسية الرومانية ويعتقد أن ساحته كانت مغطاة بقبة سماوية كبيرة كما يعد هذا المبنى أشهر مثال للمسارح الرومانية التي بنيت على هذه الشاكلة والتي تتميز بكونها كاملة الإستدارة أو بيضاوية تماما وقد أطلق عليه فيما بعد إسم الكولوسيوم نسبة إلى تمثال نيرون الضخم الذي كان يقع بجانبه والمسمى باللاتينية كولوسوس تيمنا بعملاق رودس أحد عجائب الدنيا السبع القديمة وقد إنتقلت هذه التسمية من اللاتينية إلى مختلف اللغات الأوروبية خلال العصور الوسطى ومنها وصلت اللغة العربية خلال فترة الأخذ والنقل عن المؤلفات والكتب الغربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى  وخلال فترة الاحتلال والإنتداب البريطاني والفرنسي على البلدان العربية المختلفة .          

thumbnail (6)                                           

و يقع الكولوسيوم على مساحة ستة أفدنة كما يبلغ طوله 620 قدما أى حوالي 190 مترا وعرضه 512 قدما أى حوالي 155 مترا وإرتفاعه 158 قدما أى حوالي 48 مترا كما يبلغ محيطه 527 مترا بينما تبلغ أبعاد حلبة الصراع  46 مترا في 76 مترا وبالإضافة إلى ذلك فقد تم إستخدام أكثر من 1.1 مليون طن من الخرسانة العادية والطوب والحجارة في أعمال البناء ورغم أن الخرسانة الرومانية لم تكن تضاهي الخرسانة المسلحة المستعملة اليوم في تشييد المباني إلا أنها كانت في زمنها إختراعا ثوريا مكن الرومان من بناء الصروح العظيمة مثل الكولوسيوم ومعبد البانثينون وتمثال الإمبراطور نيرون الذي كان مجاورا للكولوسيوم و يبلغ إرتفاعه 38 مترا وقد بنيت جدران هذا المبني الضخم من الحجارة مع إستخدام عدد من الأقواس لدعمها والحفاظ على صلابتها في الوقت نفسه وهو يتكون من أربعة طوابق مختلفة يمكن الوصول إليها عن طريق السلالم إلا أن دخول الأفراد كل طابق كان يتم تحت سيطرة ورقابة كاملتين حيث كان الطابق السفلي يقع تحت سطح الساحة الخشبية وكان يشمل مجموعة من الاقبية والغرف المتصلة مع بعضها بمتاهة من الممرات السرية التي كان يطلق عليها الهايبوجيوم والتي كانت تخصص لبقاء الحيوانات والمصارعين والممثلين إلى حين ظهورهم المفاجئ وسط الساحة كما كانت تستخدم بعض من هذه الغرف كمستودعات لمستلزمات الالعاب وكان كل طابق من الطوابق الثلاثة الأخرى مزين بأنصاف أعمدة مختلفة الطراز حيث كان الطابق الأول مزين بأنصاف أعمدة توسكانية كتعبير عن القوة والضخامة والطابق الثاني مزين بأنصاف أعمدة أيونية لإعطاء المبنى الإرتفاع والرشاقة والطابق الثالث مزين بأنصاف أعمدة كورنثية لإضفاء ملامح جمالية على المبنى .         

         thumbnail (2)          

 وكانت أرضية الكولوسيوم خشبية ومغطاة بالرمال ولحماية المتفرجين من الشمس الحارقة والمطر تم إنشاء مظلات قابلة للسحب أعلى المبنى كما تم وضع حوالي 240 صاريا خشبيا لتدعيمها والمساعدة في فتحها وإغلاقها وكثيرا ما كان البحارة الرومان يقومون بصناعة تلك المظلات عند الحاجة وكان للكولوسيوم 76 مدخلا ومخرجا وكان ذلك لمساعدة آلاف الأشخاص في الخروج سريعا في حالة نشوب حريق أو حدوث أي من حالات الطوارئ الأخرى وكانت الممرات التي تؤدي إلى مقاعد الجلوس تسمى فوميتوريا كما كانت كل المداخل الخاصة بعامة الشعب مرقمة وكان كل متفرج يحمل تذكرة بها رقم مقعده وكانت سعة مدرج الكولوسيوم تتراوح ما بين 50 ألف إلي 80 ألف شخص في المدرجات المكونة من ثمانية صفوف وقد ظلت ساحة الكولوسيوم تستخدم لمده تقرب من 500 عام في عقد مسابقات ومباريات المصارعة والمسابقات الجماهيرية مثل المعارك البحرية الصورية وصيد الحيوانات والإعدام وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة والأعمال الدرامية التي كانت تعتمد على الأساطير الكلاسيكية القديمة وأيضا في مجالات الأنشطة والمهرجانات والغناء والموسيقى وألعاب الخداع والهتافات وتوزيع الطعام والماء وسجلت آخر ألعاب أقيمت به في القرن السادس الميلادى .    

thumbnail (7)                                                 

وكان القانون الروماني هو ما يحدد أماكن جلوس عامة الناس داخل الكولوسيوم فكانت تُخصص أفضل المقاعد لأعضاء مجلس الشيوخ ووراءهم كان يجلس الفرسان أو كبار المسئولين بالحكومة وإلى الأعلى قليلا كان يجلس عامة الشعب الروماني من الرجال والجنود أما الجزء العلوي فكان مخصصا للعبيد ولاتوجد به أى مصاطب للجلوس حيث كانوا يشاهدون المصارعات والمسابقات ومختلف العروض وقوفا بينما كان يجلس في المقدمة بالقرب من الساحة الرملية الإمبراطور داخل مقصورة خاصة تسمي المقصورة الإمبراطورية وكان هو أى الإمبراطور في كثير من الأحيان من يشجع علي إقامة المباريات وهي إحدى الطرق التي كان يتبعها لإسعاد الشعب والترفيه عنه والحفاظ على دعمه وحبه وتأييده له وكان محظورا علي فئات معينة من الشعب حضور العروض داخله كان من بينهم المصارعون السابقون والممثلون وحفّارى القبور وكان هناك عدد 32 بابا من الأبواب المفخخة تحت ساحته وقد أُطلق على البوابة الغربية الرئيسية إسم بوابة الموت إذ كانت مخصصة لنقل القتلى من المصارعين والحيوانات خارج ساحة المدرج وقد إستمرت مراسم إفتتاحه 100 يوم كاملة حيث شاركت فئات الشعب الروماني بأكمله في ذلك الحدث الهام وإشتملت هذه المراسم على أكثر من ثلاثة آلاف جولة من ألعاب المصارعة طوال هذه المدة التي تعدت 3 شهور مات خلالها العشرات من المصارعين والوحوش الذين ضحوا بحياتهم من أجل متعة وترفيه الشعب حيث كانت تقام جولات المبارزة والنزال سواء في الإفتتاح أو بعد ذلك بين المصارعين وبعضهم البعض أو بين المصارعين والوحوش كالأسود والنمور وكانت مدة النزال لا تتجاوز العشرين دقيقة في أحسن الأحوال و كانت تنتهي غالباً بمقتل أحد طرفي النزال و لكن في حالات نادرة جدا قد يستمر الصراع لفترة أطول ربما تتجاوز الساعة و ذلك بسبب تكافؤ القوة والشجاعة وفي هذه الحالة فإن الجمهور قد يطلب الإبقاء على حياة طرفي النزال تقديرا لشجاعتهما وكان المقاتل الفائز يكافأ بإعطائه سعفة نخيل ترمز إلى النصر إضافة إلى الهدايا والأموال التي قد يحصل عليها من الإمبراطور والنبلاء وأحيانا كان المقاتل يخوض عدة منازلات خلال اليوم الواحد لكن مهما بلغت شجاعة المقاتل و قوته وعدد إنتصاراته فإن الموت ينتظره لا محالة في النهاية في أحد المبارزات .   

thumbnail (5)         

وكان الرومان يعشقون هذه اللعبة إلي حد الجنون وكانت بدايتها خلال القرن الثالث قبل الميلاد أثناء مدة الحروب البونية بين روما وقرطاج عندما ظهرت لعبة دموية عشقها الرومان القدماء كانوا خلالها ينزعون عن أسرى الحروب دروعهم ثم يعطونهم أسلحة بسيطة ويضعونهم في مواجهة مع مجموعة من الجنود الرومان المدججين بأقوى الدروع وكانت هذه العملية أشبه بالإعدام إذ أن التسليح غير المتكافئ كان يعني موت الأسرى لا محالة وبمرور الزمن إبتكر الرومان أساليب دموية جديدة أضافوها إلى هذه اللعبة فأخذوا يجبرون الأسرى على أن يقاتل أحدهم الآخر في منازلات كانت الهزيمة فيها تعني الموت المحقق وأحيانا كانوا يضعون الأسرى في مواجهة مع الحيوانات المفترسة لتفتك بهم وتلتهمهم وهكذا تحولت هذه المبارزات الوحشية إلى اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير الرومانية القديمة فأصبح لها قوانينها وطقوسها ومقاتلوها المحترفون الذين يطلق عليهم Gladiator وتعني باللاتينية السياف الذين كان يتم تدريبهم في مدارس خاصة من أجل تهيئتهم للقتال داخل حلبات الموت الرومانية وقد توقف إستخدام هذا المبني في العروض الجماهيرية في العصور الوسطى المبكرة .      

thumbnail (4)   

وفي وقت لاحق أعيد إستخدامه مرة أخرى بوصفه مأوى ومصنع ومقر للنظام الديني وقلعة ومحجر وقد تم إستخراج مواد بناء وفيرة لبناء مبانٍ أخرى من تحت أنقاضه والخلاصة إذن أن الكولوسيوم يعد نصبا هندسيا دالا على عبقرية الهندسة المعمارية الرومانية ومثالا شاهدا على عظمتها وتقدمها ويمكننا إستنتاج ذلك بسهولة من شكل المسقط الأفقي لمدرجات هذا المبني والذى كانت تجري في ساحته مشاهد القتال بين العبيد و مصارعة الحيوانات المفترسة حيث كان يتميز بالشكل الإهليلجي و هذا الأسلوب من التصميم يسمح بمشاهدة الالعاب و سماع الصوت من كل الجهات ولذا فهو ينظر إليه بوصفه رمزا للإمبراطورية الرومانية إضافة إلى أنه كان يعد بمثابة أداة قوية في التحكم في الحشود بطريقة عرض مبهرة كانت تتماشى مع هيمنة روما على العالم على الرغم من تضرر الهيكل بشكل كبير بفعل الزلازل التي تعرض لها خلال العصور الوسطى والتي أثرت علي سلامته من الناحية الإنشائية كان أقواها ما وقع عام 847م والذى أدى إلي إنهيار جزء كبير من الجدار الخارجي الجنوبي له .            

thumbnail (3)                                   

وفي القرن الثامن عشر الميلادى زعمت الكنيسة الكاثوليكية أن المسيحيين الأوائل في روما قد تم تعذيبهم وقتلهم داخل حلبة الكولوسيوم وهو الأمر الذي أعطى المبنى أهمية دينية ساهمت في الحفاظ عليه حيث تحول حينذاك إلي مزار مسيحي تكريما للأسرى الذين قتلوا خلال السنوات الأولى من فجر المسيحية وقد ساعد هذا الإجراء على حماية المبنى من أعمال السلب والنهب وضمان صيانته والمحافظة عليه وفي الوقت الحالي فإن الكولوسيوم قد أصبح أكثر الآثار في روما جذبا للسياح حيث تحول من رمز للموت إلى رمز وأيقونة يستخدمها مناصرو إلغاء عقوبة الإعدام في العالم في تظاهراتهم وإحتجاجاتهم ولذا يتم تحويل إنارة الكولوسيوم من اللون الأبيض إلى اللون الأصفر خلال تنفيذ أي عملية إعدام حول العالم وهكذا يجمع هذا المبني كل التناقضات التي يمكن أن يتصورها عقل ما بين الجمال والقسوة والحقيقة والسراب والقوة والضعف تناقض لا يتلخص سوى في كلمتين الحياة أو الموت أكون أو لا أكون تلك هي الفلسفة التي قامت عليها حلبة الدم الرومانية التي تحولت اليوم إلى أكثر الآثار في مدينة روما الإيطالية جذباً للسياح من مختلف أرجاء العالم هذا ولا يزال هذا المبني مرتبطًا إرتباطًا وثيقا بالكنيسة الكاثوليكية حيث كان يترأس البابا درب الصليب به في جمعة الآلام كما أنه كان يعد مركزا تاريخيا لروما والكرسي الرسولي لمناطق خارج إيطاليا وقد تم إختيار هذا المدرج موقعا للتراث العالمي من قبل اليونيسكو في عام 1980م وفي يوم 7 يوليو عام 2007م أُدرج المدرج أيضا ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة في العالم بعد مسابقة نظمتها مؤسسة عالم جديد .

thumbnail (8)

thumbnail (9)

thumbnail (10)

thumbnail

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى