مقالات

مكوجي الرجل .. بقلم م/ طارق بدراوى | مجلة السياحة العربية

القاهرة – السياحة العربية 

لكل عصر من عصورنا مهنته وثقافته الخاصة به والتي مع إنتهاء هذا العصر ومع التطور العلمي والتكنولوجي الهائل تختفي بعضها ويظهر البعض الآخر فتصبح المهن التي إختفت من التراث نتحاكى ونفتخر بها أمام الأجيال الجديدة التي لم تعاصرها ومن أشهر المهن التي إختفت ولم نعد نسمع عنها إلا في الحكايات مهنة مكوجي الرجل الذى كان يكوي الجلباب العربي والصوف والعبايات الجوخ التي تحتاج في كيها إلى جسم ثقيل في درجة حرارة معينة ولأن المكواة في هذا الحجم الثقيل لا يستطيع أن يحركها بيده فقط فقد كان يستعين بقوة الدفع من رجله مع ذراعه وهذا الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة لا يستطيع أن يقوم بها أي إنسان وأيضا تحتاج إلي جسد قوى البنية كما تقتضي مهنة مكوجي الرجل أن يعمل من يمارسها على بنك منخفض فوق سطح الأرض بقليل بخلاف المكوجي العادي حيث يقوم بأداء عمله جالسا أو راكعا أو منحنيا وكان صبيه يتردد على البيوت لتسليم الملابس التي تم تنظيفها وكيها وكان الأمر لايخلو من بعض المشاهد الكوميدية في محل المكوجي نتيجة الخلط بين ملابس الزبائن أو قيام المكوجي نفسه بتأجير ملابس الزبائن خلسة لآخرين .        

thumbnail (2)

وتعتمد مهنة مكوجي الرجل على أدوات بسيطة وهي مكواة حديدية ثقيلة الوزن تأخذ شكل المثلث ذات ذراع طويلة ويفضل ألا يقل طولها عن 50 سم ووزنها عن 30 كيلو جرام ليسهل على المكوجي الضغط عليها بقدمه والحصول على نتيجة متميزة في كي الملابس لاسيما الصوف بينما الحرير يفضل في كيه إستخدام مكواة صغيره بحجم كف اليد وأي مكوجى لابد أن يكون في محله أكثر من مكواة وهناك أيضا البنك الخشبي وهو ألواح خشبية سميكة يتم تثبيتها في منتصف المحل وتغطيتها بقطعة من القماش الأبيض وتستخدم كمسند يتم وضع قطع الملابس المراد كيها عليه وهناك أيضا الذراع وهي قطعه خشب يتم وضعها فوق المكواة ليضع عليها المكوجي رجله أثناء الكي ووظيفتها أنها تحول دون إحتراق قدم المكوجي أثناء قيامه بعمله وبذلك يستطيع تحريك المكواة في أي إتجاه بسهولة بالإضافة إلى الصاجة التى توضع عليها المكواة بعد رفعها من على النار لتسخينها وهناك أيضا البخاخة التي يتم رش المياه منها على الملابس بدلا من الطريقة القديمة التي كان المكوجي يقوم فيها برش الماء من فمه على الملابس في أثناء مروره عليها بالمكواة إلى جانب الملاءات القطنية لتغطية قطع الملابس كي لا يصل إليها الغبار في أثناء الكي فيلتصق بها وأي مكواة حديدية كان يجب تسخينها على نار وابور الجاز فيما سبق وبإستخدام الغاز حاليا من 5 إلى 10 دقائق حسب الحجم والوزن قبل أن ترفع ويتم مسحها جيدا بقطعة قماش ثم تبدأ عملية الكي مع مراعاة ضرورة أن يضع المكوجى قدمه على المكواة في أثناء الكي لمزيد من الثقل والضغط على قطعه القماش لاسيما مع إنحناء المكوجى في أثناء الحركة بكل جسمه على ذراع المكواة وتعرف درجة حرارة المكواة بالخبرة دون الإعتماد على أجهزة قياس حيث أن لكل قطعه ملابس ما يناسبها من حرارة ومايناسبها أيضا من طريقة رش الماء عليه أثناء كيها وذلك حسب نوع القماش الذى صنعت منه فالصوف يحتاج إلى أن تكون المكواة في أعلى درجة ممكنة بينما الحرير على العكس هذا وتعد المكواة الحديدية تعد آلة نموذجية لا تتعطل وغير مكلفة وتظل صالحة للعمل عشرات السنين طالما يتم الحفاظ عليها من الصدأ بينما المكواة الحديثة التي تعتمد على الكهرباء والبخار لها عمر إفتراضي وتستهلك طاقة مما يجعل المكوجي يحمل الزبون ثمن كل هذا من خلال زيادة أسعار الكي كما أنأن هناك ميزة لمكواة الرجل وهي أن من يعمل بها يعتبر كأنه يمارس الرياضة بإستمرار حيث أنه يبذل مجهوداً كبيرا لكي يقوم بعمله ومن ثم فلا يصاب بالسمنة .        

thumbnail 

وكان أول من إبتكر مكواة الرجل هم الصينيون في القرن الرابع الميلادي ثم إنتقلت الفكرة إلى أوروبا وظلت تتطور الفكرة حتى وصلت إلى شكل المكواة الحديثة بالكهرباء والتى إبتكرها الأمريكي هنري سيلي عام 1882م ومن ثم ومع مرور الزمن ومع هذا التطور أصبحت مهنة مكوجى الرجل حاليا تعد علي وشك الإندثار مع الوقت ولن تجد من يعمل بها تدريجيا حيث يعمل بها عدد قليل فالجميع يرغب فى العمل بالبخار كما أنه مع مرور السنوات تراجع الإقبال على تلك المكواة التقليدية مع إنتشار المكواة الكهربائية والتى إمتهن الكى بها الكثيرون إلى جانب إنتشارها فى كثير من المنازل إلا أن من يقطنون فى المناطق الريفية مازال بعضهم متمسكا بإرتداء العباءة والجلباب والملابس المصنعة من الصوف الأمر الذى يدفعهم إلى الذهاب لمكوجى الرجل .      ومن الأمور الطريفة أنه علي الرغم من المشقة التي يواجهها الرجال الذين يمتهنون مهنة مكوجي الرجل وعدم مناسبة مزاولة النساء لهذه المهنة إلا أن قليل من النساء قد إحترفن هذه المهنة وورثوها عن آبائهم وأجدادهم حيث توجد في الإسكندرية أكثر من إمرأة إحترفن هذه المهنة وقد تم ظهورهم في العديد من البرامج التليفزيونية ومن أشهرهم الأسطي جيجي والأسطي إبتسام محمد التي تزاول هذه المهنة منذ حوالي 35 عاما وتأبي أن تتخلي عنها وكان سنها 10 سنوات عندما بدأت تتعلم من أمها هذه المهنة الشاقة وكانت وقتها غير قادرة علي أن تحمل المكواة الثقيلة وفي أحد البرامج التليفزيونية التي تم إستضافتها بها كان رأي أحد الزبائن في الأسطي إبتسام أنه لأول مرة يرى واحدة ست تعمل على مكواة رجل مع أن هذا العمل مرهق جدا وشاق بالنسبة للرجال فما بالك بالنسبة لها ليس فقط لأن المكواة ثقيلة جدا لكن لأنها أيضا تتعامل مع النيران والتي تعمل بهذا الشكل وتتحمل هذه المشاق في هذه المهنة الشاقة لابد وأن تكون ست بميت راجل .

thumbnail (3)

thumbnail (4)

thumbnail (5)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى