مقالات

إطلالة من جبال الصّحراء التّونسيّة : (غُمراسن تشبك الأفئدة بحلواها الذّهبية)

بقلم _ عمار التيمومى 

تقع غمراسن في الجنوب الشّرقيّ للبلاد التّونسية على مسافة 16 كلم من تطاوين و40كلم من مدنين و500 كلم جنوب العاصمة تونس.. ومن ثغورها اليوم: قصر الحدادة ووادي الخيل والواحة والزّهور والقرضاب والفرش وقرماسة والمدينة الجديدة وقصر المرابطين وغيرها… وأصل الاسم تركيب بربريّ ف(غُمر) أي القوم و(سن) تعني السّيّد..فغمراسن هي “سيّد القوم”..وهي عبارة عن حوض جبليّ منيع هو عاصمة لبلاد “ورغمّة” أتى على جُلّ خصائصها التّيجاني في رحلته فوصف أرضهم ودُورهم ومَعاشهم وقِلاعهم وجبلهم وطُرُقَهم وغَنمهم وإبلهم وغِيرانهم ونَخلهم وآبارهم وكَرَمهم وقِراهم الأضياف وتبجيلهم وأمنهم وثِقتهم.. وكيف ألِفت النُّسورُ مقامَهم وكانت تتدافع عليه..

60620835_1267540566734172_6814065868230623232_n

إن أنت زرتَ غمراسن عثرتَ على أشكال ديناصورية تَشي بقِدم وجود البسيطة هناك والمساكن البربرية وبعض المتحجّرات والمُعدّات القديمة تُثبت قِدمَ وُجود الإنسان في تلك الفلاة .. لقد تعاقبت على “سيّد القوم” الحضارات الرّومانيّة والبربريّة والعربيّة وستقف هناك على أثر مُخلّد لأثر الإنسان في ضُلوع الأرض إذ ستُلفي كُهوفًا صخريةً على جَنَباتها وسُقُوفها رُسومٌ جِداريّةٌ تعود إلى زُهاء الخمسة آلاف عام قبل الميلاد تتجسّد فيها مشاهد من الحياة اليوميّة ومُعتقدات الجهة في ذاك الزّمن .. وغمراسن من تطاوين وتطاوين منطقة حدودية تحوي مجموعةً مهمّةً من الحُصون مثل حصن تلالت وحصن رمادة وكذلك السّدود ولها إلى اليوم آثارٌ وأوشامٌ على الأديم وصَخره..

60714635_427674757792104_4024740507925086208_n

تُحيطُ بالمدينة الجبال وقد شُيّدت على أنقاض واحة قديمة اختفت آبارُ ريّها فاختفت هي وزحف عليها العمران. تعيش غمراسن على النّشاط الفلاحيّ والإيرادات المالية لأبنائها المُهاجرين البالغ عددهم نصف سكّانها تقريبًا.. بها غاباتُ زيتون وأحواضُ خضراوات وقطعان ماشية توفّر لُحُومًا حمراء توفّر دخلاً للمالكين والرّعاة …

61376177_362669744359782_3911730520978882560_n

يشتهر الغمراسنيّ بأنّه مُعدّ جيّد لكعك الفطائر المقلية وبعض الحلويّات ك: قرن الغزال و”المحشي” والصّمصة وآذان القضاة والمقروض والمخارق ونحوها بيد أنّ أقراص الفطائر ومشابك “الزّلابيا” تظلّ علامتيه المُميّزتين نشرهما أبناء الجهة في كلّ محافظات تونس وفي سائر الأقطار النّشيطة كفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإنقلترا والولايات المتّحدة الأمريكية وغيرها من الأمم…

61093675_181796366091756_5478875752696905728_n

أمّا الزّلابيا فهي ذات شأن عظيم يعطّرها السّمن وتُعرض بآنية فخّارية أنيقة حتى كادت تكون الحلوى الأشهر في تونس رُغم أنّها تُعدّ في بلاد عربية أخرى لا سيما المغاربيّة منها. سعت مدينة ابن عرفة إلى الاهتمام بهذه الحِرفة التي برَع فيها أبناؤها أيّما براعة.. إذ ينبري صانعها إلى مِعجنة يصبّ فيها كيلتين من طحين القمح الأبيض ومقدار أربع ملاعق كبيرة من الزّيت النّباتيّ وكوبا ونصف الكوب من الماء الدّافئ وملعقة كبيرة من الخميرة الفورية وملعقتين كبيرتين من النّشا وملعقة صغيرة من السكّر ونصف مقدارها من الكركب أو أيّ مستحضر للتّلوين ورشّة ملح ويخلط كلّ المكوّنات بإناء يسعها .. وكلما تضاعفت الكمّية تضاعفت سعة الإناء ثمّ يذر الخليط السّائل يكمن لساعة ونصف السّاعة وقد غطّى الإناء ليتلهّى بإضرام نار تحت مسبح زيت بمقلاة .. وماإن يسخُن الزّيت حتى يملأ قسمًا من الخليط السّائل بإبزيم ذي مٍبزل ويطفق يضغط عليه وهو يدير يديه بسرعة حتى يحصل على مِشبك دائريّ ما ينفكّ يشتدّ ويتماسك ويزداد حجمًا وهو يقلبه في زيت يغلي وحين تنضج شبكة الزّلابيا ترمى في مسبح نقع عسليّ أُعِدّ من كيلتين سكّر ونصفهما ماءً يُعطّر حال جهوزه بثلاث ملاعق من حامض اللّيمون. فيُمسي مِشبك الزلابيا كالشّهدة الذّهبية تُنافس الشّهدة السّمراء مخارق باجة ذائعة الصّيت وهكذا يتآمر علينا جنوب البلد وشماله في إغوائنا باللّذائذ.. كلّ عام ورمضانكم حلو عسل…

60861380_393433371507863_735745975322148864_n

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى