كتاب مجلة السياحة العربية

المطاعم السياحية في السعودية … إلى أين؟!

د. محمد قاري السيد

إذا تتبعنا وضع المطاعم في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية نجد تطورا كبيرا للقطاع سواء من حيث العدد، أو التصميم الداخلي، أو ما يقدم داخلها من خدمات وأطعمة ومشروبات. إضافة إلى التأثير الايجابي الذي أحدثه قرار هيئة الترفيه بالسماح بتقديم العروض والفنون المسرحية والموسيقية مما مكن أصحابها من جذب المزيد من العملاء سواء كانوا من الأهالي أو من السياح.

وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها هذا القطاع فقد شهدت صناعة المطاعم نموا ملحوظا خلال العام الماضي وبداية العام الحالي 2020، تفوقت به عما تم تحقيقه في السنوات الثلاث الماضية، ويعود ذلك بدرجة اساسية إلى التغير في سلوك السياح المحليين، ونتيجة لتكيف القطاع مع أذواق السياح وسلوكياتهم.

كما أن انضمام المرأة إلى سوق العمل أحدث تغييرا في إعداد الوجبات في المنازل إلى ارتياد المطاعم التي توفيرا للوقت والجهد، وأسهم الانتشار الواسع لشركات التوصيل وتطبيقات المطاعم على الهواتف المحمولة في توفير المزيد من الخيارات أمام العاملين لمواصلة العمل وتناول وجباتهم بعيدا عن المنزل.

 وأمام الاستجابة التي أبداها المالكون والمشغلون مع السلوك الشرائي الجديد واتباع سياسة بيعيه تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي فإن معظمهم يرى – في ظل هذه التغييرات – أن القطاع سيشهد ارتفاعا في معدلات النمو ولكن على المدى المتوسط مما دفع البعض إلى اتباع سياسة “الباقات” وتفعيل خاصية “الاشتراك” كـأحد اساليب البيع الناجعة في الوقت الراهن.

 التأثيرات الاقتصادية لقطاع المطاعم:

هناك تأثيرات اقتصادية أثرت على صناعة المطاعم شملت الضريبة المضافة وارتفاع فواتير استهلاك الكهرباء والوقود إضافة إلى الرسوم على تقديم “المعسلات” في المطاعم والمقاهي مما حمل الكثيرين إلى فصل المقاهي التي تقدم هذه المنتجات عن المطاعم حتى لا تخضع القيمة الاجمالية للفواتير لرسوم الضريبة المضافة. صحيح أن هذه الخطوة أدت إلى التخفيف من العبء المالي الذي كان مثار إزعاج المستثمرين، إلا أن كثرة المتنافسين -أيضا- من موردي المواد الأولية للمطاعم يضعها ضمن المشاريع المربحة. وفي المقابل يبدي الكثير من رواد المطاعم انزعاجهم من ارتفاع أسعار قوائم الطعام وخصوصا في مواسم المهرجانات والاجازات إلى درجة غير مقبولة.

ولكن ماذا عن التحديات التي تواجه إنفاق المستهلكين سواء كانوا من السياح المحليين أو الداخليين؟ في الفترة التي سبقت الاجراءات الاحترازية من فيروس كورونا نجد أن إنفاق السياح الداخليين (مواطنين ومقيمين) كان المعول عليه في إيرادات المطاعم السياحية ، وكان مستوى ذلك الانفاق مرتفعا حيث ارتفعت معاملات نقاط البيع في المطاعم والمقاهي الى 26.3مليار ريال خلال 11 شهرا الأولى من عام 2019بزيادة 54% على اساس سنوي مستفيدا من نمو حجم الانفاق على السياحة المحلية خلال العام الماضي 2019 الذي بلغ حوالي 53مليار ريال مقارنة بالعام الذي سبقه البالغ 48 مليار ريال ، بنمو 10.4% مما دفع بعض مشغلي المطاعم إلى توفير المزيد من الامكانات والتجهيزات الحديثة والعمالة المدربة لاستقطاب المزيد من العملاء، وهي خطوة زادت من حدة المنافسة على تقديم المزيد من الأطباق المحلية والعالمية بطريقة اكثر احترافية. أما الفترة القادمة فتشير بعض الدلائل على أن تراجعا مؤقتا سيشهده سوق المطاعم السياحية في المملكة ريثما يتم استيعاب سياسة التسعير المتقلبة التي سينتهجها مشغلو المطاعم وخاصة في المناطق السياحية الرئيسية في محاولة منهم لإيجاد حل مناسب لمعادلة صعبة تحقق تعويضا ولو جزئيا للخسائر التي لحقت بهم خلال فترة الإغلاق الاحترازي من كورونا وبين استقطاب المزيد من العملاء في ظل الأسعار الجديدة.

أما بالنسبة لحجم إنفاق السياح القادمين من الخارج بعد فتح التأشيرات السياحية (وصلت إلى أكثر من 500 ألف تأشيرة) فلا يزال بحاجة الى بيانات احصائية وافية. ويتركز إنفاق معظم السياح الوافدين على السكن والنقل والترفيه، ورغم أنه وفقا للإحصاءات الرسمية فقد سجلت الرحلات للسياح القادمين إلى المملكة نحو 16.48 مليون رحلة خلال عام 2019 مقارنة بنحو 15.3 مليون رحلة للعام السابق، أي بزيادة 7.6% بما يعادل 1.16 مليون رحلة، إلا أننا نجد أن ما يصرفه السائح على الطعام والشراب والسكن وحضور بعض الفعاليات مشمولا بالأساس في السعر الإجمالي للباقة التي اشتراها السائح في البلد المصدر للسياحة .

السجلات التجارية

حققت السجلات التجارية لنشاط المطاعم في السعودية نمواً بنسبة 19% خلال عام 2018 حيث بلغ عدد السجلات المصدرة 13501 سجل مقابل 11290 سجلاً مصدراً في 2017 فيما بلغ إجمالي السجلات التجارية القائمة لنشاط المطاعم 64.074 سجلاً.

وقد تصدرت منطقة مكة المكرمة، بحسب تقرير (واس)، قائمة أكثر المناطق في إصدار السجلات التجارية لنشاط المطاعم خلال 2018 بواقع 3.667 سجلاً، تلتها منطقة الرياض التي أصدر فيها 3.020 سجلاً، ثم المنطقة الشرقية (الدمام، الخبر، الظهران) بواقع 2.295 سجلاً مصدراً لنشاط المطاعم.

واستحوذت السيدات على 3% من إجمالي سجلات المطاعم والمقاهي في السعودية، بحسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة التجارة 2017. وبلغ عدد السجلات التجارية النسائية في القطاع 144 سجلاً قائماً في 1438هـ، من 4263 سجلاً تجارياً.

وكانت وزارة التجارة قد أعلنت أن السجلات التجارية النسائية قد تركزت في أربع قطاعات هي قطاع الخدمات والتجارة المتنوعة وتقنية المعلومات والعقارات والأراضي وقطاع التشغيل وصيانة وتنظيف المنشآت، إضافة إلى السياحة والمطاعم وتنظيم المعارض.

نمو قطاع المطاعم في السعودية

يرجع النمو الذي تحقق لقطاع المطاعم في المملكة إلى العديد من العوامل منها : الإصلاحات والتحسينات التي خضع لها قطاع الأعمال خلال الفترة الماضية، وإجراءات تسهيل بدء النشاط التجاري التي عملت عليها وزارة التجارة بالتعاون مع عدد من الجهات ذات العلاقة، وكذلك الربط مع عدد من الجهات الحكومية مما أتاح للمستثمر إصدار السجل التجاري وملف العمل والتأمينات الاجتماعية وملف الزكاة والدخل والرخصة البلدية من خلال منصة إلكترونية واحدة، وتمكن الخدمة المستفيدين أيضاً من إصدار شهادة انتساب الغرفة التجارية بشكل إلكتروني، كما أن الخدمات الإلكترونية شملت إمكانية تعديل أو تجديد السجل التجاري عبر استخدام آلية التحقق الأمني مع وزارة الداخلية وخدمة “أبشر”.

وجاء السعوديون في المرتبة الأولى في مالكي سجلات المطاعم والمقاهي ثم جاءت السعوديات، وأخيرا الأجانب الذين يشكلون نسبة 0.49 في المئة فقط من إجمالي القطاع، حيث وصلت عدد سجلاتهم إلى 21 سجلاً قائماً.

ويشهد قطاع المطاعم في المملكة نمواً متسارعاً بدرجة تفوق أي منطقة أخرى في العالم خاصة مع اتجاه مزيد من الشباب السعوديين من الجنسين للبحث عن افتتاح مطعم أو البدء بما يعرف بـ “الفود تراك”.

حجم سوق المطاعم بالمملكة

تشير الإحصاءات التي اعلنت عنها جمعية المطاعم السعودية «قوت» إلى أن حجم القطاع في المملكة يصل إلى 79 مليار ريال، وأن الجمعية تعمل على تطوير أربعة محاور أساسية تتماشى مع تطلعات البرنامج الوطني 2020م، تبدأ بالتوظيف؛ كونه من القطاعات القادرة على خلق فرص وظيفية عدة، منوهة إلى أن قطاع المطاعم يستهدف الفئات العمرية بين الـ 16 إلى 25 عامًا وهؤلاء يشكلون وفق بعض التقديرات حوالي 5% من إجمالي البطالة في المملكة.

ويتصدر قطاع المطاعم قطاع الأعمال في المملكة، حيث يقدر عدد الوجبات التي يقدمها بنحو 8 ملايين وجبة شهريا 2018 كما يشهد قطاع الفرنشايز محليا نموا بنحو 8% سنويا، فيما ينمو قطاع المطاعم المحلي بنحو 3.5%.

ويمكن القول إن هذا النمو اللافت في قطاع المطاعم بالمملكة يعود إلى ارتفاع الوعي بين بعض المستثمرين من الشباب السعودي (رواد الأعمال) وإلى تغير سلوك العاملين في المطاعم في التعامل مع مرتاديها كضيوف وليس زبائن، إضافة إلى ارتفاع مستوى الوعي في التعامل مع المطعم باستراتيجية واضحة ودراسة جدوى مفصلة قبل الحصول على القروض من البنوك والصناديق الحكومية المتعددة، وقبل الشروع في التنفيذ.

فرص التدريب والعمل لقطاع المطاعم

​يعد قطاع المطاعم من القطاعات المهمة لتوليد الوظائف للشباب السعودي، ولن يتحقق ذلك ما لم تكن هناك خطوات مدروسة من الجهات المسئولة لتوفير فرص العمل وفي مقدماتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وصندوق تنمية الموارد البشرية بالتعاون والتكامل مع القطاع الخاص. وكانت الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مع جمعية المطاعم والمقاهي بالتوقيع على مذكرات تفاهم لتعزيز هذا التعاون الذي يؤكد على الدور المنوط بهذه الجهات لخلق فرص العمل والارتقاء بقطاع المطاعم في المملكة وتعزيز دوره في المساهمة في الناتج المحلي مما يسهم في نمو الاقتصاد الوطني وزيادة المحتوى المحلي إضافة إلى المسئولية الاجتماعية وتوفير كل وسائل الدعم والمساندة للقطاع الخاص على المستوى الوطني.

وتتمحور مذكرات التفاهم حول العديد من الأهداف الاستراتيجية، منها تطوير خطط تعمل على زيادة نسب التوطين في قطاع المطاعم والمقاهي في الكيانات الرئيسية الجديدة لتوفير 50 ألف وظيفة إضافية كحد أدنى خلال خمس سنوات بالتعاون مع جمعية قوت ، والسعي لرفع مستوى جودة أداء المطاعم، وتطوير قدرات ومهارات 70 ألف متدرب سعودي في قطاع المطاعم والمقاهي بحلول عام 2023م، وزيادة عدد العقود والشراكات بين المشترين والموردين المحليين في قطاع المطاعم والمقاهي، وتأهيل وتوظيف ٣٠٠٠ يتيم في هذا القطا​​ع. ​​​​​​​​​

 الاحترافية وتطوير معايير الأداء

يتطلب قطاع المطاعم والمقاهي تحقيق قدر كبير من الاحترافية مما يستلزم تكاتف الجهات التدريبية في القطاع العام مع القطاع الخاص وتطوير المعايير المهنية لهذا اقطاع الذي وجد تحركا من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني للقيام بدورها في تدريب وتأهيل الرأسمال البشري الوطني القادر على الارتقاء بجودة وكفاءة هذا القطاع .ومن هنا جاءت مذكرة التعاون المشترك بين المؤسسة والجمعية السعودية للمطاعم والمقاهي ومركز التدريب الوطني لإدارة المنشآت والضيافة (فهم ) ويتمثل التعاون في تطوير المعايير المهنية التي ستسهم في تمكين القطاعات التعليمية لتطوير وتدريب المواطنين والمواطنات على شغل وظائف تشغيل وإدارة المطاعم والمقاهي، وكذلك الارتقاء ببيئة العمل من خلال وضوح نطاق العمل والفرص التي يوفرها القطاع وفرص التطور المهني من خلال التدرج الوظيفي على مستوى المملكة للارتقاء بمستوى هذه القطاعات واستثمار إمكاناتها من أجل صنع وتوفير فرص وظيفية للشباب السعودي المؤهل، وتمكين الكفاءات السعودية من الجنسين لقيادة وإدارة وتشغيل المطاعم والمقاهي، إضافة إلى تطبيق برنامج وطني موحد للاعتماد المهني والتسلسل الوظيفي لقطاع المطاعم والمقاهي، وتوطين المعرفة والمعايير العالمية للتناسب مع البيئة والمجتمع السعودي.

العلامات التجارية العالمية

دخلت – خلال العامين الماضيين – إلى السوق السعودي العديد من العلامات التجارية العالمية التي تلقى تنافسا من العلامات التجارية المحلية. ولعل من أهم عوامل جذب الأسماء العالمية النمو الاقتصادي الذي تعيشه المملكة من جهة والسوق الواعدة في مجال المطاعم من الشباب من الجنسين والذين يعتبرون القوة الشرائية الأكبر، ولا تزال الأنظار تتجه نحو السوق السعودي الذي من المتوقع أن يشهد قطاع المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة نموا بنحو 30 %في سوق يسيطر على نحو 38.5 بالمئة من مجمل استثمارات المطاعم الموجودة في الدول العربية.

العلامات التجارية المحلية

ليس غريبا أن يشهد الاستثمار في سوق المأكولات والمشروبات إقبالا كبيرا من رواد الأعمال الذين استفاد كثير منهم من الدعم الذي تقدمه العديد من الجهات الحكومية والجهات الممولة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما أدى إلى بروز العديد من الاسماء المحلية التي تميزت بالجودة والتنوع لتثبيت مكانها في السوق المتنامي، وأصبحت هذه العلامات تضم العديد من الشباب الذين وجدوا فيها فرصة للعمل المربح بعيدا عن الوظائف الحكومية. ورغم أن بعض هذه الأسماء لن تحقق النجاح المطلوب على المدى المنظور نتيجة للقصور في ترويج علامتهم التجارية، وعدم تطبيق منهجيات إدارة الاستثمار الناجح، وعدم التحلي بالصبر المطلوب في العمل التجاري.

علاقة المطاعم بالسياحة والترفيه

لخدمات الضيافة ومنها خدمة الطعام والشراب دور رئيسي في التنمية السياحية مما أكسبها أهمية قصوى في نطاق الخدمات السياحة في المملكة خصوصا بعد فتح التأشيرات السياحية من خارج المملكة، وذلك نظرا لطبيعة النشاط السياحي الذي يرتبط بعلاقات متداخلة مع قطاعات اخرى ومنها قطاع الضيافة. ولقد سعت الجهات الحكومية إلى تسهيل حصول القطاع الخاص التراخيص التي تؤهلها للإسهام بدورها في التنمية السياحية ،  وكان التشجيع هو السمة الملازمة للخدمات والفعاليات التي تقدم في المقاهي والمطاعم ومنها المسابقات والعروض الفنية والموسيقية التي كان من المتعذر التفكير في تقديمها خلال السنوات الماضية رغم أنها كانت موجودة بالفعل في المطاعم والمقاهي التي كانت قائمة قبل السبعينات من القرن الماضي، ويذكر المتابعون العروض المتعددة التي كانت تقدم في المقاهي مثل الحكواتي والمطربين المحليين إضافة إلى عروض فنية مختلفة.

يرى المتابعون لنشاط المطاعم في المملكة أن هيئة الترفيه جاءت متأخرة لتنظيم تقديم الأنشطة الترفيهية في المطاعم والمقاهي، ففي الوقت الذي كان من غير المتاح أن يكون للفعاليات والعروض الحية دور في المقاهي والمطاعم أتت هيئة الترفيه بخطوة واثقة لتعيد إلى قطاع الضيافة رونقه ودوره في تنشيط الحركة السياحية ومنها قطاع المطاعم والمقاهي .

وأخيرا.. فإن قطاع المطاعم على موعد من نمو غير متوقع خلال الفترة القادمة، ويعد مجالا استثماريا واعدا للشباب متى ما توفرت الآليات والدعم والتوجيه من كافة الجهات الحكومية والغرف التجارية بالمملكة، إضافة إلى أهمية الدور المرتقب للهيئة السعودية للسياحة في تطوير الباقات والمنتجات السياحية وتسويقها داخليا وخارجيا وفي مقدمتها خدمات المطاعم السياحية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى