بقلم: د. عبد الرحيم عبد الواحد
من الآن فصاعدا، اسم كازاخستان يعد إضافة لأي فعالية عالمية. تلك الدولة التي نشأت من تفتت الاتحاد السوفييتي، وصنعت صورتها على مدى 25 عاما فقط من التاريخ تحت القيادة الرائعة للرئيس الأول والمؤسس نورسلطان نزارباييف.
كقائد، نجح نزارباييف في تجسيد عدد من صفات القيادة الثورية الآسرة التي تسعى إلى خلق القيم وتقديم التضحيات وتحديد الأهداف ووضع انتعاش الدولة كأولوية قصوى، والاهتمام بالخبرة أكثر من الأيديولوجية وتلبية متطلبات بناء الوطن.
نزارباييف هو ممارس للنموذج الكازاخي حيث نجح في عمل نقله من الاقتصاد الاشتراكي إلى نموذج اقتصاد السوق الحر، وتكيّف بسرعة مع المجتمع العالمي وتبنى شعار “الاقتصاد أولا” كي يأخذ بعين الاعتبار وقائع كازخستان ما بعد الاتحاد السوفياتي. يصور مثل هذا الدور البراغماتي تركيز نزارباييف على وحدة كازاخستان واستقرارها.
كازاخستان اليوم ليس كما كانت في السابق. فلنتكلم تاريخيا كي نسبر أغوار كازاخستان. ففي العهد الذهبي للمنغول، عاشت كازاخستان عصورا من النهب والغارات، والهيمنة والانقسامات. ولمئات السنين صارع شعب كازاخستان ضد الزونغار الذين فرضوا ضرائب هائلة على الكازاخيين وتعاملوا بقسوة مع كل من قاوم ذلك.
كانت الدولة ضحية أيضا لغارات مستمرة من قبل الفولغا كالميكس. وكان الشعب الكازاخي على حافة العبودية الكاملة وحتى الإبادة. فما كان منهم إلا أن طلبوا المساعدة من جارتهم، روسيا وفي عام 1731 تم توقيع الانضمام الطوعي لروسيا. مما حمل فرصة بناء روابط اقتصادية وثقافية مباشرة مع الشعب الروسي.
لم تنته القصة هنا حيث أن الفرص الجيدة لم تستمر طويلا. فبدلا من ذلك، بدأت المحن تمهد طريقها في نظام كازاخستان السياسي. لم تكن المشاريع الروسية مثل “الأرض العذراء” متوازية مع مصلحةالكازاخيين. وأيضا سحقت الحرب العالمية الأولى الكازاخيين لدرجة كبيرة لأنها كانت مع كامل الاتحاد السوفياتي. وقد قام كوناييف بأول انتقام، وهو أول أمين سر لكازاخستان تم تعيينه من قبل الاتحاد السوفياتي. فقد حرك قواته الخاصة وأنشأ ما يسمى بأعمال شغب “ألما- آتا” في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، وهي أول من أحدث هزة فيأساس الاتحاد السوفياتي.
وأخيرا في عام 1991، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت كازاخستان دولة ذات سيادة مستقلة. وأعلنت سيادتها في 25 أكتوبر عام 1990، واستقلالها التام في 16 ديسمبر عام 1991.
لم تأت السيادة لوحدها بل مع الكثير من تحديات إقامة دولة واحدة، إلا أنه في نفس الوقت كانت فرصة لاتخاذ قرارات كازاخستان من قبل شعب كازاخستان لمصلحة بلادهم.
كون كازاخستان دولة تتوسط آسيا الوسطى، فهي كبيرة جدا تقع بين آسيا وأوربا. يعطي هذا الموقع المغلق فرصا اقتصادية وجغرافية سياسية في الشرق والغرب، متنوعة ومتعددة الاتجاهات. بعد الاستقلال، انتقلت العاصمة من ألماتي في الجنوب إلى أستانا، في الوسط. تم هذا الانتقال السريع للعاصمة نتيجة الازدهار العمراني الكبير الذي قاده نزارباييف والذي دعمته عائدات النفط المتزايدة للدولة. تطوير عاصمتها الجديدة أستانا هو مثال عن مجموعتها المعمارية. تجمع المباني الضخمة في آستانة بين الزخارف الأوربية والشرقية، لذلك فإن الزائرين من معظم أنحاء العالم، يجدون شيئا يشبه أوطانهم في العاصمة الكازاخية.
طراز معماري آخر ينتمي لعظمة كازاخستان هو هرم السلام. يعبر هذا الهرم عن روح 140 جنسية في كازاخستان والدولة متعددة الأعراق حيث تتعايش الثقافات والتقاليد والجنسيات المختلفة في سلام واتفاق. فهي تستضيف مؤتمر قادة الديانات العالمية والقديمة، وفيها دارا للأوبرا، ومتحف التاريخ الوطني ومركز أبحاث الديانات العالمية ومكتبة الأدب الديني الروحي وقاعات مؤتمرات ومعارض. وتقام مهرجانات آستانة الدولية لأفلام المغامرات هناك أيضا. ينطوي الإسم ومكونه الأساسي على السلام والعلاقات الودية العالمية المتواجدة تحت سقف واحد.
أيضا برج بايتيريك يضيف لأصالة كازاخستان. حيث يمثل شكل البرج شجرة حور تحمل بيضة ذهبية. وتأتي الصورة من قصة شعبية لشجرة الحياة، رمز أساسي لأسطورة تركية، وطائر السمروق، وهو طائر السعادة الأسطوري، والذي يقال أنها وضعت بيضتها بين أغصان شجرة الحور.
ليست هذه الأشياء الوحيدة التي تقدمها لك كازاخستان، فالقائمة طويلة وتتضمن آك أوردا: المقر الرئاسي، ودار أستانا للأوبرا، وأبراج إيميرالد، وقاعة الحفلات الموسيقية الكازاخية والكثير الكثير في سلة مفاجآت آستانة. لا تنتهي القصة هنا فقط، فما زالت كازاخستان تجمع الكثير والكثير في اسمها الشهير. فندقأبو ظبي بلازا هو أحد المشاريع الجاهزة الآن، مشروع سوف يكون أحد تحفها الرائعة.
المزايا المادية للدولة ليست الوحيدة التي يجب التعامل معها ولكن يجب أيضا التركيز على الاختلاف العرقي.
فقد قدم التنوع العرقي لشعب كازاخستان تحديا فريدا أمام النظام الجديد وطرقه في سياسات بناء الهوية. فهو ضرورة قصوى لإبراز العلاقات بين الكازاخيين والمجموعات العرقية الأخرى التي تعيش في الدولة، خاصة الروس. إذ أن دور الانقسامات بين الكازاخيين والاستمرار بين السياسات السوفياتية وطرق كازاخستان المستقلة لوضع اللغة كان نقطة اهتمام واحتاجلطريقة صحية قدمها الرئيس نزارباييف بحكمة.
في هذا الخصوص، يؤكد دستور الدولة لعام 1995 على إرادة الدولة لتطوير ثقافات وتقاليد جميع المجموعات العرقية التي تعيش في الدولة. وضمن إطار عمل هذه السياسة، فإن كل واحدة من المجموعات الأقلية المعترف بها رسميا ما يسمى ’بالمركز الثقافي الوطني‘، والذي كان عادة يحصل على بعض التمويل من الدولة وتشرف عليها وكالة رئيسية تسمى ’مجلس شعب (شعوب) كازاخستان.‘
ووفقا لدستور كازاخستان الحالي، تضمن الدولةحقوق الإنسان وتمنع التمييز بشكل صارم بناءعلىالأصل والحالة الاجتماعية والرسمية وحالة الملكية، وأيضا الجنس والعرق والجنسية واللغة والدين والعقيدة ومكان الإقامة. في نفس الوقت، فإن انتهاكات حقوق المواطن على أساس المنشأ العرقي، والعرق واللغة والانتماء الديني مذكورة بوضوح في قانون الجنايات الكازاخي وتعتبر جرائم كبرى. في الواقع إن الحقيقة الراسخة هي أن أكثر من 130 مجموعة عرقية تعيش بسلام في كازاخستان.
أيضا تم إعطاء مشكلة اللغة مسارا شاملا يناسب الدولة وشعبها. أكثر من 80 بالمائة من سكان كازاخستان لغتهم الأصلية الروسية أو أنهم يتكلمون بها بطلاقة، بينما 40 بالمائة يدعون أنهم يتكلمون اللغة الكازاخية بطلاقة. وقد أكد دستور كازاخستان لعام 1993 على أن اللغة الكازاخية هي لغة الدولة وأن الروسية هي لغة المجتمع المتداخل عرقيا. في عام 1995، عدّل الدستور هذه الحالة ومع استمرار اعتبار الكازاخية لغة الدولة، فقد سمح أيضا باستخدام الروسية بشكل رسمي على أسس متساوية في وكالات الدولة والمؤسسات المحلية ذاتية الإدارة.
الخطوة الجريئة الأخرى التي قام بها الرئيس نزارباييف، والتي أصبحت فيما بعد العمود الفقري للدولة، كانت نشوء الطبقة المتوسطة. فقد لعب توفر الموارد الطبيعية دورا رئيسيا في الظهور السريع للطبقة المتوسطة. وقد عملت الطبقة المتوسطة المستقرة ككفيل للاستقرار الاجتماعي ضد كل شيء بدءا من التطرف الديني إلى الاضطرابات الزراعية. أحد أهم المداخل إلى التحول الاقتصادي الكازاخستاني كان التأكيد على خصخصة القطاع الزراعي. وقد لعب قرار الحكومة في خصخصة الكثير من قطاع الإسكان دورا هاما في تمكين تطور الطبقة المتوسطة. حاليا، 80 بالمائة من الاقتصاد بأيدي خاصة.
الفكرة الخصبة التي قدمها الرئيس نزارباييف كانت “أوراسيا”. بالنسبة لكازاخستان، أوراسيا هي إقليم واحد تتعايش فيه جميع المجموعات العرقية والثقافية والدينية بسلام عبر قرون من الثقة المتبادلة، والإيمان والتفاهم. تقوم فكرة أوراسيا على مبدأ أن كازاخستان تقع في آسيا وأوربا وتلعب دور ’الجسر بين آسيا وأوربا‘. جغرافيا، كازاخستان هي دولة آسيوية و10% فقط من أراضيها تقع في أوربا ولكن من ناحية الجغرافية السياسية والجغرافية الاقتصادية والجغرافية التاريخية فهي تعتبر نفسها دولة أوراسية. وتنطلق فكرة أنها أوراسية كإيديولوجية رسمية تركز على بناء السلام والتكافل والوحدة بين الشعوب على أساس التعاملات الأخلاقية والروحية والثقافية والتاريخية لشعوب من مختلف الخلفيات الدينية والثقافية والعرقية اللغوية.
بإبراز القوة المادية لكازاخستان نبيّن جاهزية منصة غرس جوانب ومشاريع جديدة في كازاخستان.
أحد هذه الإنجازات هو معرض إكسبو 2017 العالمي والذي يمثل حاليا الميدان الرئيسي لجميع التطورات. لقد تمت الاستعدادات للحدث، والتطورات المتوقعة بعد الحدث هائلة وبالطبع يجب أن تكون هائلة كما يتنبأ رئيسها نورسلطان نزارباييف. فمن المتوقع كسب مليار يورو خلال هذه الفعالية.
جذب الاستثمار هو أحد أولويات الدولة في كازاخستان. لقد بدأت الحكومة بالالتزام بسلسلة من الإصلاحات لتحسين أجواء الاستثمار في الدولة وجعل سياسة الاستثمار والاقتصاد متوازية مع أفضل الممارسات الدولية. الإعفاءات الضريبية، منح الاستثمار، استقرار القوانين، الخ، هي إصلاحات لزيادة فرص الاستثمار في كازاخستان.
تحتل كازاخستان المركز 42 من أصل 180 دولة في ’مؤشر الحرية الاقتصادية‘. قطاعات الاستثمار في كازاخستان هي الزراعة، وإنتاج طاقة البناء، والمناطق الاقتصادية الحرة، والمناطق الصناعية، والهندسة الميكانيكية، والتعدين والصهر، والنفط والغاز، والبنية التحتية للمواصلات ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأثناء قيامهابمشاريعها الإنمائية، أقامت كازاخستان روابط مع العالم العربي. ومن بين الاتفاقيات التي وقعتها مع المملكة العربية السعودية، اتفاقيات ومذكرات التفاهم لـ 182 مليار دولار في مشاريع زراعية مشتركة. بالنسبة للاستثمارات العربية في كازاخستان، فقد سجلتتصاعدا تدريجيا منذ الاستقلال، يتضمن استثمارات الإمارات العربية المتحدة في جمهورية كازاخستان. لقد شهدت كازاخستان قفزة نوعية منذ عام 2005 حتى الآن، أهمها مشروع أبوظبي بلازا وتأسيس بنك الهلال في كازاخستان. وتضمن أيضا تأسيس صندوق الفلاح بالتعاون مع مبادلة وإيبك برأس مال يبلغ 500 مليون دولار. بينما تبلغ قيمة الاستثمارات الكازاخية في الإمارات 500 مليون دولار.
لم تزدهر كازاخستان فقط في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن كل ذلك كان ممكنا عندما تحقق الاستقرار السياسي والذي كان المجال الرئيسي للتعامل بعد الاستقلال والدور الذي لعبته كازاخستان فيه مما جعلها نموذجا للدول الانتقالية. لقد كان على كازاخستان النهوض من سبات الفوارق في الدخل وديمقراطية الدولة التي تحققت إلى أعلى مستوى في الوقت المناسب.
كي نجعل من هذه الاستثمارات محط أنظار أقترح أن نبيّنما يمكن أن يفعله المنظور المتصور للرجل المحترم نورسلطان نازارباييف خلال 25 سنة فقط لرفع الدولة من نقطة الصفر في البداية إلى مستوى عال. وهذا شيء يستحق التقدير فعلا.