السياحة العربية

للعام الثالث على التوالي….ملتقى النحت على الرمل في اللاذقية ينجح بخلق مناخ فني متميز | مجلة السياحة العربية

اللاذقية – ياسمين كرّوم

أصبح ملتقى النحت على الرمل الذي تقيمه الجمعية الوطنية لانماء السياحة في كل صيف بمدينة اللاذقية طقسا اجتماعيا ينتظره رواد ومحبو الحدث الذين كانوا في النسخة الثالثة منه على موعد مع جرعة فنية مركزة قدمها مجموعة من النحاتين جذبوا هذا العام ما يزيد عن ثلاثة آلاف زائر يوميا على مدى أسبوع امتد من الثاني عشر وحتى الثامن عشر من شهر آب الماضي.

الجمعية التي أطلقت هذه الفكرة الجديدة في سوريا لأول مرة عام 2015 حرصت على تعريف المجتمع السوري بهذا النوع من الفنون ونشره على اوسع نطاق بهدف رفع الذائقة الفنية للزائرين من مختلف الفئات العمرية واتاحة المجال لحالة من التفاعل بينهم وبين الفنان الذي ينفذ مراحل منحوتته امامهم فيتابعون كيفية انجازها وتقديمها بالشكل النهائي في المعرض الختامي الذي تضمن هذه المرة حفلا فنيا منوعا كان بمثابة توليفة بين الموسيقى والمشهد البصري العام الذي طغى على شاطئ نادي اليخوت موقع استضافة الحدث.

22185152_1765144957116421_1004749421_n

خبرة متراكمة

ثمانية كتل رملية توزعت بالقرب من الشاطئ بانتظار رصها وترطيبها من النحاتين المشاركين الذين تم اختيارهم من قبل لجنة استشارية متخصصة وتؤكد سحر حميشة رئيسة الجمعية الوطنية لانماء السياحة ان الخبرة التنظيمية لكوادر الجمعية تتراكم وتتطور عاما بعد آخر ليخرج الملتقى بأبهى صورة ويقدم في كل نسخة اضافة جديدة عن سابقتها حيث حرص الفريق التنظيمي على اطلاق اسم الروائي حنا مينا ابن مدينة اللاذقية على هذه الدورة تكريما لابداعاته واعماله المرتبطة بمدينته الساحلية.

واشارت حميشة للمسؤولية التي تتحملها الجميعة بالربط بين السياحه والثقافه وفق رؤية معينه واستراتيجية خاصه تنشط السياحة الثقافية في البلاد وتخلق فضاء مختلفا عن المالوف بحيث يصبح الزائر أو السائح بمثابة رحالة يتنقل في فضاءات تغمرها الفنون والافكار والرؤى مما يؤثر على تشكيل الوعي بأهمية السياحه التي قد تصبح مصدرا للدخل.

وتابعت قائلة: نجح الملتقى للعام الثالث على التوالي باضافة مكونات جديده للسياحه والمجتمع من خلال الخروج من حالة الركود التي عانت منها البلد فكانت النتائج ان تنشطت الحركه السياحيه الداخليه واعطت زخما ودفعا لتفعيل الكثير من الجهات المرتبطة بهذا المجال.

22207318_1765145097116407_1114834498_n

برنامج زاخر

لم يقتصر برنامج عمل الملتقى الذي استمر لمدة اسبوع على التعريف بتقنيات وأسس تشكيل الكتل الرملية بحجومها الكبيرة للوصول الى مخرج فني متميز بل تضمنت الانشطة فعاليات للاطفال تنوعت ما بين رسم ونحت على الصلصال والرمل والعاب تفاعليه على شاطىء البحر بالاضافة لاطلاق الجمعية لمبادرة ” ليتس بايك” للتشجيع على استخدام الدراجة الهوائية من قبل مختلف الشرائح الاجتماعية كوسيلة للتنقل.

وتكللت الفعاليات بمعرض تشكيلي في الهواء الطلق شارك فيه 21 فنانا سوريا و يعتبر المعرض ركيزة اساسية لتكوين مشهد فني متكامل يدمج مابين الكتلة الرملية والحالة البصرية التي تجسدها اللوحات على حد تعبير الناقد التشكيلي ومنسق المعرض عمار الحسن الذي أشار لوجود عدة مدارس فنية ضمن هذه النسخة من المعرض أتاحت للزائر الاطلاع على المدرسة الانطباعية والاعمال التركيبية الى جانب السريالية والتعبيرية وكلها بتوقيع اسماء معروفة في المشهد التشكيلي السوري ففكرة المعرض تعتمد على حد قوله على اتاحة مساحة لتقديم آخر نتاجات هذه القامات التشكيلية ضمن مناخ فني متكامل يجذب اكبر عدد ممكن من المتابعين.

22215004_1765145060449744_1048433107_n

وتبقى الرمال بطلة الحكاية

أجمع الفنانون المشاركون في ملتقى النحت على الرمل 2017 على صعوبة التعامل مع الرمل لتنفيذ أفكارهم كما يريدون على الرغم من تاريخ بعضهم الطويل في النحت على مختلف المواد لكن كثيرا منهم يتعاطى مع الرمل للمرة الأولى وعملتهم التجرية ضرورة الصبر والأناة للخروج بأعمال فنية تحمل تفاصيل وحكايات تعبر عن مكنونات الانسان السوري وتعكس خوالجه.

النحات علي معلا وهو من أوائل الفنانين السوريين الذين اشتغلوا في النحت على الرمل منذ عدة سنوات على شواطئ مدينته بانياس ويعد من أركان الملتقى الحاضرة دوما منذ انطلاقه عام 2015 وضع هذه المرة أيضا بصمته المميزة من خلال عمل فني ظهرت ملامحه منذ اليوم الثاني لرحلة العمل فجسد هذه المرة ” عرس الوطن” معلنا انتصار سورية على أزمتها فاستخدم مكونات العرس السوري التقليدي وشخوصه لتعميم حالة من الفرح تجذب الزائر منذ دخوله مكان عمل الفنانين.

معلا أشار لمتابعته تنفيذ سلسلة اعمال مترابطة من المواضيع بدأت منذ العام الأول للملتقى بمنحوتة ” رحلة الى الموت” التي تصور مخاطر قوارب الموت التي ركبها السوريون وصولا لاوروبا هربا من الحرب لتكون منحوتة العام التالي بمثابة تحية الى الجيش العربي السوري مصورا جنودا سوريين يحاربون الارهاب الكوني فتراه يجتهد في كل عام بالاحتيال على الكتلة الرملية لتحافظ على تماسكها معتمدا الشكل الهرمي في تكوين العمل ليبقى صامدا قدر الامكان كما قال معلا.

22236496_1765144657116451_1685145877_n

اختبار أول

النحات محمد بعجانو ذو التاريخ الطويل في نحت الثور الاسطوري عانى ما عاناه من انهيار الكتلة التي تعامل معها للمرة الاولى خلال مشواره الفني فحاول هذه المرة ايضا تجسيد الثور باسلوبه الخاص ولمساته الابداعية ولم يختلف عنه الفنان عفيف آغا في اختبار الرمال للمرة الاولى فاختار العمل على تجسيد الاله الاوغاريتي بعل بقامته المنتصبة التي تحرس المكان مؤكدا حرصه على تكوين قصر الاله بعل اله المطر والبرق والرعد الذي اتخذ من قمة الجبل الأقرع في مدينة اللاذقية مقرا له فصمم البوابة الاوغاريتية للقصر بشكل فني لافت.

كذلك أشار المشاركون في الملتقى في الملتقى لتحكم الرمل باختيار مواضيع أعمالهم التي لن تحمل صفة الديمومة المرجوة لذلك اكتفى بعضهم بتقديم عمل بسيط خلق حالة تفاعل مع الجمهور ضمن فضاء فني منوع أتاح الاجابة عن استفساراتهم حول هذه المادة وطبيعة العمل بها وهذا ما جنح اليه الفنان غازي عانا الذي جسد بورتريه فيه الكثير من التفاصيل التعبيرية.

22264776_1765145003783083_719495925_n

حضور نسائي مميز

المرأة كموضوع للعمل او مشاركة فنية لم تغب عن الملتقى فظهرت في عمل الفنان أكسم السلوم تفاصيل حورية البحر المستلقية اعلى الكتلة لينساب جسدها نحو الاسفل وهو ما اعتبره السلوم بمثابة قربان مقدم لالهة البحر ليعم السلام والأمن في البلاد ليجسد الفنان عادل خضر موضوعا بسيطا اقتصر على جسد امراة مستلقية على ظهرها لتظهر بعض التفاصيل البسيطة المرتبطة بالبيئة البحرية في باقي الكتلة.

البيئة البحرية باساطيرها وحكاياتها برزت أيضا في اعمال بعض الفنانين سواء بمخلوقات بحرية أو بتجسيد اله البحر بوسيدون الذي تفننت النحاتة ميسون حبل بابراز تفاصيل وجهه مظهرة اياه بشكل نصفي ولحية كثة مثقلة بكرة حديدية أما الفنانة كوثر صالح فجاء اختيارها المرأة كعنوان عريض لمنحوتتها كدلالة على الحب والألم وحالات الصراع التي تعيشها الأنثى ليبدو العمل بشكله النهائي كمسرح للحياة.

انطباعات ووعود

فنانون ونقاد كثر زاروا الملتقى وأبدوا اعجابهم بفكرة استمراريته وتميز الأفكار الفنية المطروحة فيه في هذه النسخة أما الجمهور فقد عبر عن امتنانه لروح الفرح التي قدمتها الفعالية متأملين ان تستمر سنويا الى ما لا نهاية وهي انطباعات دفعت القائمين على الملتقى للتأكيد على مضيهم قدما للحفاظ على هذه الحالة الفنية المتميزة التي تجسد تعاونا مميزا بين القطاع الأهلي والرسمي ممثلا بوزارتي السياحة والثقافة ومحافظة اللاذقية ومجلس مدينتها الى جانب عدة مديريات أخرى في كل من دمشق واللاذقية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى