الشيخة مي آل خليفة لـ “مجلة السياحة العربية” *استثمار البحرين في الثقافة والتراث الإنساني والسياحة النوعية حقق لها الربح و الريادة
أجرت الحوار : هـنـد كــرم
مديرة مكتب المجلة بمملكة البحرين
بأفكارها المتجددة وشخصيتها البعيدة كل البعد عن النمطية والكلاسيكية وشغفها الحاد بالثقافة والتاريخ والتراث الإنساني وسعيها الدائم نحو الريادة والابتكار والتميز ، تمكنت من أن يكون اسمها مقترناً بكل نجاح حققته البحرين ولازالت في قطاع الثقافة والآثار والتراث على الصعيدين الإقليمي والعالمي .
وكما قيل بأن وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم ،،
فإن وراء كل ثقافة بحرينية وصلت للعالمية ” الشيخة مي ” ….
مجلة “السياحة العربية” التقت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار ، سفيرة الأمم المتحدة الخاصة للسياحة المستدامة من أجل التنمية لعام 2017م ، في حوار “حصري” وثري تحدثت فيه معاليها لأول مرة عن مشروعات البحرين الثقافية الكبرى المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث الإنساني العالمي في مقدمتها مسار اللؤلؤ وتسمية مدينة المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية 2018 ، و مبادرة ” المنامة مدينة للتعايش بين الأديان ” وغيرها ……..
تجربة البحرين مع السياحة المستدامة
نبدأ من اختيار البحرين ممثلة في شخصكم لهذا المنصب الأممي الرفيع والذي تمت تسميتكم به من خلال منظمة السياحة العالمية ، وما المتوقع من البحرين في خدمة سياحة التنمية المستدامة محلياً وعالمياً ؟
** في اعتقادي أن الأسباب الرئيسية للتسمية هي مشروعاً : مسار اللؤلؤ وبحيرة المنامة باعتبارهما ملفين مستقبليين في صميم البنية التحتية للسياحة التي من المؤمل ان تكون عنصراً اساسياً للتنمية المستدامة .. إلى جانب إدراج مواقع تراثية بحرينية أخرى على قائمة التراث العالمي الإنساني مثل موقع قلعة البحرين والتلال الأثرية في قرية عالي . هذا التوجه نحو الثقافة بمفهومها الشامل والتراث الإنساني وجد طريقه ليحظى بالاهتمام والدعم من جميع الحكومات والمنظمات الدولية التي تنظر إلى الثقافة والسياحة الأثرية المتخصصة علي أنهاهي السبيل نحو تقدم وتحضر ورقي المجتمعات, خاصة إذا ما توفرت لها أسباب الدعم والتمويل المادي والترويج الإعلامي القوي.
# لنتحدث عن تجربة البحرين في كيفية توظيفها السياحة لتحقيق التنمية المستدامة ؟
** ربط السياحة بالثقافة هي التركيبة الناجحة والمميزة التي تنبهت لها الأمم المتحدة من خلال دعوتها للمنظمة العالمية للسياحة ومنظمة اليونيسكو إلى مؤتمر دولي لتكامل القطاعين ، فنحن نعاني في البحرين والدول العربية والنامية عموماً من محدودية مصادر الدخل والتمويل سواء الحكوميةأو الأهلية التي من الممكن أن تغذي وترفد هذا النوع من السياحة النوعية البعيدة عن المفهوم التقليدي والمرادف للسياحة الترفيهية .
من هنا أتى الترويج لمفهوم سياحة الاستدامة التي تتلخص في تطوير موقع أثري أوتاريخي أو تراثي ما، وتجديد المرافق المحيطة وتهيئته لاستقطاب الزوار والسياح لتعم المنفعة على السكان المحيطين بهذا الموقع بشكل دائم ومستدام مع الحفاظ على طابع الأصالة والعراقة في ربط جميل ومتناغم بين الثقافة والسياحة و التاريخ .
# موقع قلعة البحرين جاء ترجمة لمفهوم السياحة المستدامة وتبنيها في البحرين وقد مر بعدة مراحل لإعادة إحياء هذا المعلم التاريخي والأثري المهم حتى حجز موقعه أيضا على قائمة التراث العالمي لليونيسكو ،، إلى أين وصل العمل في المشروع حتى الان ؟
** تم الحمد لله الانتهاء من تأسيس وبناء المتحف الخاص بالقلعة وهو اللبنة الأساسية لهذا المشروع الضخم المحيط بقلعة البحرين وأيضا تم الانتهاء تقريباً من المرافق الخدمية التي يحتاجها الزوار في الموقع ،، وحالياً نعكف على الانتهاء من مشروع “الصوت والضوء” وهو الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي, حيث سيحكي تاريخ الحقب التاريخية التي شهدتها قلعة البحرين على مدار آلاف السنين بصورة فنية مبهرة وجاذبة للجمهور والزوار, ومن المقرر الانتهاء منه بنهاية هذا العام 2017 لندشن مع بداية العام الجديد بالتزامن مع الاحتفاء باختيار مدينة ” المُحرَّق عاصمة للثقافة الإسلامية 2018 ” تحت شعار ” آثارنا إن حكت ” وتحويل المحرق إلى شبه متحف تاريخي أثري كبير و مفتوح طوال عام 2018 مصحوباً بالعديد من الفعاليات والأنشطة في هذا الإطار.
# في رأيك ، ماالذي يمكن أن يميز السياحة في البحرين ويضعها في موقع مختلف ومنطقة خاصة في المنطقة ؟
** أقول بكل تأكيد : السياحة النوعية والمستدامة والاستثمار في الثقافة …. مما لاشك فيه أننا نقدر ونحترم التجارب والنجاحات التي حققتها الدول الشقيقة في الخليج العربي في مجال السياحة ، ولكن عندما نتحدث عن البحرين هذه الجزيرة الصغيرة في وسط الخليج العربي وماالذي يميز السياحة فيها عن غيرها لن نتوقف فقط عند سياحة الفنادق والمطاعم والتسوق والمنتجعات والترفيه وهي عناصر متواجدة في جميع الدول بمستويات متفاوتة ، بل ستتفرد البحرين بخصوصيتها التي سعت إليها وتمكنت بالفعل من أن تضع قدميها على خارطة السياحة النوعية التراثية في العالم وبات اسم البحرين يتردد في جميع المحافل الإقليمية والدولية باعتبارها حاضنة للتاريخ والإرث الإنساني الغني المتنوع والممتد لأكثر من 6 آلاف سنة عبر حقب حضارات متتالية تركت آثارها وبصمتها الإنسانية ودمغت هويتها على أرض هذه البقعة الصغيرة من العالم .
مسار اللؤلؤ .. للتاريخ حكاية ترويها الأجيال
# بالحديث عن “مسار اللؤلؤ” هذا المشروع الفريد الذي بدأ منذ عام 2015 هل يمكن اعتباره نقلة نوعية ومحورية في مشوار التراث الإنساني للبحرين ثقافياً واقتصادياً؟
**” مسار اللؤلؤ” مشروع ضخم وأحد الأعمدة الثقافية المهمة التي تم تسجيله في قائمة التراث الإنساني العالمي وحظي بكل الرعاية والدعم والإيمان بأهميته من قبل القيادة الرشيدة في البحرين وأيضا من القطاع الخاص . ويضيء المسار على حرفة صيد اللؤلؤ التي اشتهر بها أهل البحرين منذألاف السنين الا انها تلاشت نتيجة التطور الاقتصادي مع بقاء معالمها وآثارها سواء التاريخية أو الإنسانية في مدينة المحرق عاصمة اللؤلؤ في البحرين .
فكرة المسار ستكون رحلة مشياً على الأقدام تمتد لمسافة 3.5 كيلومتر في جزيرة المحرق لرصد وسرد حكاية اللؤلؤ واستحضار ذاكرة الأجداد مروراً بكل تفاصيل وشواهد مهنة الغوص لصيد اللؤلؤ وبيعه والتجول في الأزقة والشوارع الحقيقية القديمة التي ربطت بين 16 بيتاً سكنها تراثياً مسجلة على قائمة التراث سكنها صيادو اللؤلؤ القدامى مع اضفاء لمسة جمالية تطويرية خضراء تعتمد على تجديد وترميم بعض البيوت والمواقع القديمة في أجواء حكائية فريدة وممتعة لاستحضار التقاليد الثقافية للؤلؤ تؤسس أيضا لسياحة مستدامة للبحرين.
# متى يتم افتتاح”مسار اللؤلؤ” رسميا ً ؟
** حتى الآن تم الانتهاء من حوالي 85% من المشروع ومبانيه ومرافقه المعاصرة المتميزة وتصميم مواقف السيارات المتعددة الطوابق المبتكرة في تصميماتها, و من المقرر أن يتم افتتاح مبنى الزوار الرئيسي والأضخم في المشروع برعاية جلالة ملك مملكة البحرين في نوفمبر 2018 على أن يتم الانتهاء تماماً من المشروع وافتتاحه بحلول منتصف 2019 م
الاستثمار في الثقافة الحصان الرابح
# إلى أي مدى تحظى المشروعات الثقافية والسياحية المستدامة بدعم وتعاون ورعاية من القطاع الأهلي في البحرين والخارج بما يحقق المنفعة المتبادلة مع هيئة الثقافة والآثار ؟
** في الواقع اعتمادنا الرئيسي في التمويل هو على شركائنا في النجاح من القطاع الخاص ورجال الأعمال والرعاة للمشروعات والفعاليات الثقافية والتراثية التي تقيمها البحرين ، وهذا ليس إلا موسم حصاد الاستثمار في الثقافة, تلك المبادرة التي أطلقناها قبل عشر سنوات وبدأنا نجني ثمارها مؤخراً عبر المردود الكبير مادياً وإنسانياً على كافة المستويات ,والفضل يعود إلى المجهود الكبير الذي بذلته هيئة الثقافة والآثار للترويج للاستثمار في الثقافة وأنها دوماً الحصان الرابح ، وهذا ينطبق على الشركاء المحليين في البحرين وأيضا جهات أخرى عالمية, ولعل التكريم والحفاوة التي حصلت عليها البحرين خلال مشاركتها في معرض إكسبو ميلانو في 2015 وماحصدته من عوائد مجزية عبر تفعيل ونجاح الترويج للاستثمار في الثقافة والسياحة المستدامة واستقطاب قطاع الأعمال والاستثمار الإيطالي والأوروبي إلى البحرين .
المُحـَرَّق عاصمة للثقافة الاسلامية 2018
# البحرين تنتظر مع بداية العام الجديد انطلاق الاحتفاء بمدينة المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية 2018 م ، ما ملامح ماسيدور خلال هذا العام وماذا تخبئ لنا المحرق من مفاجآت تثري التراث الإنساني ؟
** هذا بالتحديد ماتهدف البحرين إلى تقديمه للعالم أجمع وليس فقط العالم الإسلامي خلال هذا العام, وهوالمساهمة في إثراء التراث الإنساني العالمي عبر تقديم تاريخنا وتراثنا العربي والإسلامي بالشكل الصحيح واللائق والجميل من خلال باقة من المشروعات والفعاليات الكبرى التي ستنطلق من المحرق أو ستحتضنها المحرق في روزنامة متميزة على مدار عام 2018 تتخللها نقل مواقع جميع المهرجانات السنوية الثقافية والفنية المعتادة في جزيرة المحرق إلى جانب ماستشهده بعض المشروعات الكبرى من افتتاحات احتفاء بهذه المناسبة ، حيث يرعى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين افتتاح مبنى الزوار الأكبر ضمن مشروع “مسار اللؤلؤ” في نوفمبر من العام المقبل ، ومتحف مجوهرات كارتييه في نهاية مسار طريق اللؤلؤ ، وأيضا مشروع الصوت والضوء لموقع قلعة البحرين والمسرح العائم وغيرها من المفاجآت ذات الإطلالة البحرية في جزيرة المحرق .
ولعل المفاجأة التي يترقبها الجميع ضمن احتفالية ” المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية ” سيكون طباعة نسخ فاخرة من ” مصحف البحرين ” ولأول مرة بأيدي خطاطين بحرينيين وبخط عربي إسلامي مختلف عن الطباعة المعتادة للمصحف الشريف .
المنامة مدينة للتعايش بين الأديان
# من المحرق إلى المنامة عاصمة البحرين التي سُميت خلال السنوات الأخيرة كعاصمة للسياحة العربية وعاصمة للسياحة الآسيوية ومؤخرا عاصمة للسياحة الخليجية 2017م ، ها هي تتجلى من جديد بمبادرة كي تصبح مدينة للتعايش بين الأديان … ماتفاصيل هذه المبادرة ؟
** المبادرة جاءت تلبية لطرح من قبل جلالة الملك يهدف إلى إبراز مدى التناغم والتعايش السلمي والحضاري والإنساني بين مختلف الأديان والمذاهب التي تحتضنها البحرين منذ القدم وتركز جميعها للعيش سويا في قلب مدينة المنامة عاصمة البحرين ،، فالزائر للمنامة سيشاهد بأم عينيه الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية وعلى بعد أمتار المعبد اليهودي و آخر هندوسي إلى جانب المساجد والمآتم وجميعها تتجاور في بقعة جغرافية متقاربة ومحيط ليس ببعيد عن الآخر حيث, الجميع من مواطنين ومقيمين يمارس عبادته وطقوسه الدينية في حرية تامة وسلام واحترام . هذا النموذج الفريد في البحرين للتعايش بين الأديان كان جديراً بأن يشاركنا في العالم للتعرف عليه ومحاكاته لذلك يتم حاليا التحضير لملف المنامة مدينة للتعايش بين الأديان وإجراء المشاورات والحوارات مع كبار المثقفين والكتاب والمهتمين بالإرث الإنساني والحضاري في البحرين لتقديم الملف لليونيسكو والسعي لإدراج البحرين على قائمته للتراث الإنساني العالمي في هذا الخصوص .
حضارة البحرين في الأرميتاج الروسي من جديد
# أخيراً، ما التحضيرات للمشاركة الثانية للبحرين في معرض ” الأرميتاج ” الروسي العريق في مدينة سان بطرسبرغ قريباً ؟
** على قدم وساق وبكل سعادة نتطلع للمشاركة الثانية في معرض الأرميتاج الرائع, حيث كانت مشاركتنا الأولى عام 2012 أي قبل حوالى 5 سنوات وعرضنا خلالها حقبة ” حضارة تايلوس ” ، أما هذه المرة فاخترنا أن نعرض لحقبة “حضارة دلمون التاريخية ” في الفترة من مطلع ديسمبر 2017 وحتى مارس 2018 على مدار 3 أشهر, وقد تمتد بحسب الإقبال الجماهيري كما حدث أثناء مشاركتنا الأولى ، وسنعمل بكل قوة وجهد خلال مدة العرض في روسيا على استثمار التواجد والمشاركة الكبيرة والعالمية في الأرميتاج للترويج المؤثر والفاعل للبحرين من خلال ( مسار اللؤلؤ و حقبة دلمون).
