السياحة العربية

فوزي جبارة مايسترو Vincci Marillia

عبد الوهاب البراري من تونس

ركن سيارته الصفراء محاذية للرصيف الذي انتظمت على طوله شجيرات قلّمت اغصانها بحرفيّة ظاهرة، ترجل سائق سيارة الأجرة وقد رافقني حديثه الذي لم ينته إلا بانتهاء الرحلة معه، ناولني حقيبتي الوحيدة وسلمني إياها في حين كانت زوجتي كعادتها تهيئ بعض الدنانير أجرة الرحلة. ودعنا السائق وواصل عمله.

استقبلتنا لافتة مثبتة على الجدار الأبيض Vincci Marillia، حاولت أن أفهم معنى التسميّة فقطعت تفكيري في الأمر كلمات ترحيب وابتسامة عريضة من حارس الفندق.

سلكنا الممر المؤدي للمدخل الرئيسي تحاذيه شجيرات ومجموعات زهريّة توزعت بطريقة فنيّة جميلة. كل ما تواجد في طريقي كان يوحي بأننا سنقضي فترة مريحة بالرّغم من انّ غايتنا ليست كذلك.

قبل التوجه إلى ركن الاستقبال وجدتني اجول بنظري في بهو الفندق باقة ورد اختلط فيها الأبيض بالأحمر بالأصفر بالبرتقالي … وسط مزهريّة نحاسيّة صفراء على طاولة بلوريّة، وحركة دائبة كان البهو فيها المسرح والركح، اختلطت فيه اللّغات والألوان والأجناس، أبطاله عاملات في زي موحد وكلمات ترحيب بلغات شتى فهمت البعض منها وغاب عني البعض الآخر، رفعت بصري فاستوقفتني ثريا تدلّت في دلال من قبّة البهو زادها جمال انعكاس فوانيسها المتعدّدة على حباتها البلوريّة المنتظمة كحلي عروس اندلسيّة.

انتشلني صوت زوجتي من رحلتي في هذا الفضاء الرائع هامسة في أذني: ” مازال أمامك الوقت للتأمل أيها العاشق للجمال، أنت كعادتك لم تتغير”.

تسلمت بطاقة مغناطيسيّة حسبتها وسيلة تعامل بنكي فقاطعني الدليل المرافق لنا موضحا أنها بطاقة لفتح الباب وتشغيل الفوانيس داخل الغرفة سيّدي.

دخلنا، استوقفني كل شيء في الغرفة فكل ما فيها يوحي بمرور أياد محترفة في فن الجمال والترتيب والنظافة، توجهت الى الشرفة الواسعة وقد سبقتني زوجتي إليها، مسبح يتوسط حديقة مترامية الأطراف، اختلط فيها النخيل بشجيرات أخرى ماء المسبح الأزرق كأنه مرايا انعكست على مويجاتها أشعة الشمس، على الطرف الاخر من اللوحة أمواج البحر القادمة من الأفق البعيد تتمايل موجة سابقتها ثم ترتميان في تناوب سحري على رمل شاطئ اشترك فيه البحر مع فينشي ماريليا “Vincci Marillia ” كعاشقين من زمن عليسه.

جذبتني زوجتي، إنه موعد الغذاء، دخلنا المطعم، فضاء توزعت على أرضه طاولات مكسوّة بغطاء أبيض تدلى على جوانبها بنفس الدرجة، وكأنها قيست بإحكام، حركة في كل الاتجاهات بدون أدنى مضايقة وكأننا في خليّة نحل او في إحدى ساحات نيودلهي، مأكولات معروضة بإحكام جعل منها لوحة فسيفسائيّة من الزمن الروماني في تناسق الوانها. أحببت لو أنني أتذوقها جميعا لولا إصرار زوجتي على ألا يحتوي صحني سوى على القليل من بعضها.

لفت انتباهي انتشار العاملين بزيهم الموحد في كل نواحي المطعم يقدّمونا خدماتهم، يأخذون من على الطاولات كل الصحون والأكواب المستعملة، يسألون رواد المكان عمّا إذا كان يحتاجون إلى أيّة خدمة او شيء مما يشتهون، الابتسامة العريضة لا تفارقهم وكأنهم اتفقوا على ان تكون أجمل ما يقدمونه من خدمة لحرفائهم.

نورالدين هو أحد ذاك الفريق من العملة فاجأني حين توجه إليّا قائلا: “هل تريد قارورة ماء معدني سيدي؟ هاها أنت صحفي جيّد؟ سوف أخبر زوجتي أنني التقيت بصحفي سوف يذكرني في تقريره عن النزل أليس كذلك؟

وجدتني أعده بتحقيق رغبته إن كان الأمر يسعده، ثم غاب عني وسط زحام المطعم.

عاد نورالدين مرة أخرى سائلا إن كنّا نحتاج شيئا آخر فسبقتني زوجتي بالسؤال عمن يشرف على كل هذا التنظيم في أرجاء الفندق وعن هذه الحرفية في خدمة نزلاء المكان؟ ابتسم وكأنه أحب ان نسأله عن هذا الأمر.

إنّه السيد فوزي مدير هذا الفندق، هو المشرف على كل أمر، جعل منا جميعا فريقا متناغما في كل ما يوكل لنا، أصبحنا عائلة متماسكة لتحقيق هدف واحد نلقبه بالمايسترو وهو كذلك. دائما ما يشعرنا بأنه واحد منا قريب من الجميع، جعلنا نحب ما نقوم به من عمل حتى أصبح هذا المكان أحب الأماكن إلينا.

كنت أتابع كلماته التي زادت من رغبتي في الحديث مع هذا المايسترو، مرة أخرى يسبقني نورالدين وكأنه قرأ ما يجول في ذهني من رغبة في لقائنا بالمايسترو أقصد السيد فوزي إنه ذاك الرّجل صاحب الكسوة الزرقاء في الطرف الاخر من المطعم.

استدرت، رجل ذو قامة منتصبة كنخلة من واحات الجريد التونسي، كان يساعد إحدى نزيلات الفندق في الجلوس الى طاولتها، وجدتني أشير له بيدي فانتبه واتجه نحونا وابتسامة عريضة تسبقه، بادرنا بالقول: “أهلا بكما هل ينقصكما شيئا وهل أنتم مرتاحان هنا؟”. انتظرت حتى ينهي سؤاله وطلبت منه وأنا أبحث عن أفضل الكلام لمخاطبته “هل بإمكاننا الحديث معك لبعض الدقائق إن كان وقتك يسمح بذلك؟”.

تركنا بعض غذائنا على الطاولة وسرنا في أثره إلى قاعة فسيحة بجوار المطعم وكنت بين رغبتين، رغبة في إتمام ما وضعته عل الطاولة ورغبة في عدم تفويت هذه الفرصة في الحديث إلى هذا الرجل.

أرائك موزّعة بإحكام في أرجاء القاعة تتوسط كل مجموعة منها طاولات قصيرة، وموسيقى هادئة في غير صخب تخلد الزمن الجميل من روائع موزارت وفاردي، فوانيس تضيء في حياء أرجاء المكان، ونزلاء يتجاذبون أطراف الحديث في هدوء أقرب ما يكون للهمس.

أخذنا مكاننا قرب مدفئة يتراقص لهيب حطبها من وراء صفيحة بلوريّة حمراء وكأن نارها تتمايل على نغمات الموسيقى المنبعثة في أرجاء المكان.

بادرنا المايسترو والابتسامة لا تفارقه: “ألا يزعجكما ان أدخن سيجارة فإنني لم آخذ نصيبي منها منذ الصباح وأنا ملتزم بعدم التدخين سوى في أماكن مخصصة من هذا الفندق؟:”

– لك ذلك سيدي فأنت صاحب هذا المكان – أبدا فأنتم جميعا أصحابه وما أنا سوى من يسهر على راحتكم – شكرا هل بإمكانكم سيدي أن تحدّثونا عن قصّة هذا النجاح الذي يميّز Vincci Marillia عن غيره من الفنادق – طبعا بكل سرور لا غرابة في ذلك وكل ما في الأمر أنني عملت على أن أجعل من كل العاملين معي أفراد أسرة واحدة، نعمل جميعا من أجل غاية وحيدة وهي النجاح، حاولت أن أزرع فيهم حب العمل فلو لاهم ما كان النجاح وما كان Vincci Marillia وما أنا سوى مشرف عام وموزّع أدوار كل بحسب اختصاصه وكفاءته – بعبارة أخرى أنت المايسترو؟ ضحك السيد فوزي من هذا اللقب وأردف بلهجة تونسية تعني الكثير لمن يفهمها “ربي يستر” وددنا لو ان حديثنا مع المايسترو استمر أكثر من ذلك لكننا طلبنا الاذن بالانصراف وكان لنا ذلك شاكرين للمايسترو إنسانية الانسان. هذا بعض من قصّة نجاح فوزي جبارة وVincci Marillia

82435478_173168670754261_4130304868415963136_n

83067572_163325414989441_2819506267293220864_n

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى