مقالات

إدوارد لير في ألبانيا … فن ترويج السياحة | مجلة السياحة العربية

للرسام والشاعر الإنكليزي إدوارد لير (1822-1888) علاقة حميمة مع الشرق تجلت في عشرات اللوحات التي أبدعها والتي تعرض الآن في المعارض العالمية. والشرق هنا بالمعنى الواسع الذي كان يمتد آنذاك من ألبانيا «بوابة الشرق الأدنى» إلى بلاد الشام ومصر التي حرص لير على أن يزورها خلال 1848-1851 وخلّدها في لوحاته التي تركز على الخصوصيات المحلية والتفاصيل البشرية والجماليات الطبيعية. وكان لير انطلق من لندن لزيارة الشرق في 1848، ولكن عندما وصل إلى ألبانيا سمع بانتشار الكوليرا في تركيا، ولذلك فضل أن يبقى قريباً من الساحل الألباني حتى يتمكن من المغادرة والعودة إلى بلاده بأسرع وقت. استفادت من ذلك ألبانيا التي خصّص لها نحو مئة لوحة بعد أن تجول من أقصاها إلى أقصاها وزار أهم مدنها مثل شكودرا وتيرانا (التي زارها قبل 72 سنة من تحولها إلى عاصمة) والباسان وفلورا وجيروكاسترا وغيرها. اعتنى الألبان بهذا الكنز الفني وصدر في لندن 2008 ألبوم بعنوان «إدوارد لير في ألبانيا» بعنايــة بيــت الله ديستاني مدير مركز الدراســات الألبانية في لندن.

ولكن الجديد الآن هذا المعرض المفتوح الذي أقيم لإدوارد لير في منتصف حزيران(يونيو) في الهواء الطلق بشارع الثقافة في تيرانا العاصمة قبل أن ينتقل إلى مدينة الباسان وغيرها، وذلك بتنظيم من «الهيئة القومية للساحل» التي تعنى أساساً بالترويج للسياحة على شاطئ البحر. أما الجديد في هذا المعرض، بالمقارنة بالألبوم الذي صدر في 2008، فأمران اثنان. فقد قال مدير الهيئة اورون تاره أنه منذ أن رأى هذه المجموعة القيمة في مكتبة هوغتون في جامعة هارفارد بقيت في ذهنه وسعى منذ ذلك الحين إلى أن يعرضها في تيرانا. وباعتبار أن ألبانيا بعد الحكم الشيوعي تركز كثيراً على ترويج السياحة بكل أنواعها، فقد رأى مدير «الهيئة القومية للساحل» أن أفضل دعاية لترويج السياحة في ألبانيا هي استحضار لوحات إدوارد لير الذي كان أعجب بالبلاد وخلّدها في لوحاته الكثيرة.

ومع ذلك، رأى مدير «الهيئة القومية للساحل» أن مفهوم السياحة لم يعد يقتصر على البحر، مع أن الهيئة التي يديرها وُجدت لجذب السياح الأوروبيين إلى الساحل الألباني الدافئ، بل على المناطق الجبلية والريفية والتاريخية. ومن هنا رأى أن يختار من المجموعة الكبيرة لإدوارد لير ما هو متعلق بالطريق التاريخي الذي كان يربط الغرب بالشرق منذ أيام الدولة الرومانية والمعروف باسم «فيا أغناتيا» Via Agnatia.

ففي السنوات الأخيرة، لدينا سياحة ترتبط بالطرق التي سلكها الرحالة أو الحجاج، ومن ذلك «جولة على خطى الرحالة أوليا جلبي» عبر البوسنة وغيرها. ومن هنا فالمعرض الذي أقيم للوحات إدوارد لير يهدف إلى إحياء هذا الطريق الذي بقي نحو ألفي عام يربط بين الغرب والشرق بالمعاني: السيـاسي والعـــسكري والتــجاري والثقافي، وهو يمثل رمزية نحتاج إليها في هذه الأيام. بنى الرومان هذا الطريق في القرن الثاني قبل الميلاد بعد أن أخضعوا بلاد البلقان لحكمهم وأصبح يمتد من روما العاصمة إلى بيزنطية، وبقي هذا الطريق سالكاً على رغم تغير الامبراطويات (الرومانية والبيزنطية والعثمانية حتى 1912).

ومع هذا المعرض الذي أثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية (نيويورك تايمز وواشنطن بوست وفوكس نيوز) نجح الألبان في استثمار الرسام إدوارد لير لترويج السياحة إلى بلادهم، مع أن لوحات لير عن فلسطين ومصر التي زارها في 1850-1851 لا تقل أهمية وتستحق بدورها أن «تزور» تلك البلاد وتعرض فيها لإحياء «سياحة الشرق» التي راجت لدى الأوروبيين في القرن التاسع عشر. ويكفي أن نستذكر هنا لوحات لير عن فلسطين ومنها «القدس من جبل الزيتون» أو عن مصر بخاصة «في جوار الأهرامات» لنرى ما نجح الألبان فيه: الفن لترويج السياحة الثقافية والتاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى