مقالات
“عين تدمعُ ذَهَبًا” .. “سليانة شمس على الأرض معطاء وخيوط شمس تكتنزها الجبال” … بقلم/ عمار التيمومي | مجلة السياحة العربية .. #السياحة_العربية
الساحة العربية
تبعد سليانة المدينة عشرة كيلومترات عن “زاما” موطن معركة حنبعل مع الرّومان بقيادة شيبو الإفريقيّ في الحرب البونيّة الثّانية. وهي تبعد عن العاصمة بحوالي 120 ميلا وهي عبارة عن سهل سكنته قبيلة أولاد عون ويُطوّق هذا السّهل عقد من الجبال الزّمرّدية.
أمّا المدينة فقد تأسّست نواتها في ختام العشرية الأولى من القرن العشرين بتنوّع سكّاني يضمّ إضافة إلى التّونسيّين جالية فرنسية وإيطالية ومالطية وبعض الجزائريّين.. أمّا السّكان الأصليّون فهم عبارة عن قبائل عربيّة انتهت إلى هناك إثر زحف الهلاليّين إضافة إلى أقلّية ذات أصول أمازيغيّة.. أمّا أولاد عيّار وهم خمسة أفخاذ ،فقد استوطنوا مدن الهضاب بسليانة كما سكنوا بتفاوت مناطق شتّى من المحافظات السّبع التي تُشمس عليها مدينة سليانة (وهي القيروان وزغوان وباجة وجندوبة والكاف والقصرين وسيدي بوزيد)
أمّا النّشاط الاقتصادي الرّئيسيّ في هذه الجهة فهو الفلاحة وأساسا الزّراعات الكبرى وحديثا انفتح الفلاّحون أكثر على الأشجار المثمرة من زيتون وتين ونحوه.. وتنشأ بسليانة بعض المنشآت الصّناعية التّحويلية والتعدينية والتّجميعية تتوزّع على مناطق صناعية خمس…
علاوة على أن سليانة إطار خصب لتربية الماشية أغناما وماعز وبقرا…. وبمدينة سليانة أحياء أهمّها حيّ الأنس وحيّ الرّياض وحيّ الجمهورية وحيّ الفردوس وحيّ فرحات حشّاد وحيّ المنجي سليم وأغلبه من جلاص وحيّ النّور وحيّ الزّهور المعروف أيضا بقاع المزود وحيّ البساتين وحيّ النّزهة وحيّ البريد وحيّ الطيّب المهيري وغيرها.. ووجوه النّساء فيها بسّامة في خفر يزينه فاحم الشّعر ودقيق الحواجب وبارق المُقل وسواعد الرّجال نشيطة والأكفّ مِعطاء وحكاياهم مليحة وعيونهم خزائن أملٍ…
وتنتشر بمحافظة سليانة مدن كثيرة لعلّ أهمّها مكثر وبوعرادة وقعفور والعروسة وسيدي بورويس والرّوحية والكريب وكسرى وغيرها.. إلاّ أنّ الجامع بينها طابع ريفيّ فلاحيّ ميّال إلى البساطة في المعمار فبيوتهم مُوطّأة ومسالك مدنهم يسيرة بخلاف ثنايا جبالهم المعطوفة على الالتواء والوُعورة والغابات تكسو سنام الجبال الشّامخة…
ومن أهمّ المواقع الآثاريّة في سليانة “زاما” حيث دارت المعركة الأخيرة بين الرّومان وحنبعل قائد القرطاجيّين إضافة إلى مدينة كسرى البربريّة ذات العين الخرافية ومكثر الرّومانيّة ذات المصاف العالي والعمامة الثّلجية. ونظرا لخصوصيّة مقاطعة سليانة الجغرافية فهي مناطق جبليّة خلاّبة غنيّة بالكهوف والمغاور ممّا اهّلها لتكون من أهمّ مواقع الاستغوار في تونس وفي العالم أيضا .. تحتوي سليانة على أعمق مغارة بالبلاد التّونسية وهي مغارة “عين الذّهب” والواقعة بجبل السّرج وهو ثاني جبل في تونس من حيث ارتفاعه بعد جبل الشعانبي..
تصل إلى المغارة عبر مسلك جبليّ وعر يناهز الأميال الأربعة ويظلّ بحاجة إلى تهيئة ليكون مسلكًا رياضيّا نموذجيّا يستهوي هواة السّياحة الرّياضية .. تبلغ مرادك بين أشجار فيحاء فتلجها مغامرًا وكأنّك تتجاسر على أعماق التّاريخ والجغرافيا في آن واحد…
تمتدّ هذه المغارة السّحرية حوالي 3000 متر في عمق الجبل. وهي تحتوي على تسع تجويفات منفصلة يخترقها نهر جوفيّ. ولعلّ اللاّفت أكثر في هذه المغارة التي تكوّنت على امتداد ملايين السّنين نوازلها وصواعدها البلّورية الرّفيعة التي تشكّلت من نوازل القطر في كهوفها فنتجت عنه إبرٌ بلّورية عملاقة لعلّها الأهم في العالم والتي سُحب كلسها من قبل القطر المنهمر من الأسقف فتحصّلت لدينا في هذه المغارة ثروة مشهدية طبيعية. وتشكيلات لونية وتصاوير باهرة تخلب أنظار الزوّار وتسلب لبّ المستغورين من كلّ أنحاء العالم إذ يقفون على تشكيلات بلّورية نادرة تفنّنت مكوّنات الطّبيعة في سبكها ونظمها نظمًا فنيّا يسحر العيون وتنحبس لمرآة الأنفس. وتحار العقول في تبرير جيّد الحبكة وترحل في عوالم الطّبيعة وأسرارها ، تتوسّل العلوم من جيولوجيا وعلم طبقات الأرض وعلوم التاريخ وحياة الأرض للتوصّل إلى أسرار هذه المنجزات الطّبيعيّة الخارقة فتستحيل الأرض أنثى صناع اليد تصنع حليّها بيديها وتكنزه في جوفها منتظرة خُطّابها من فوارس الاستغوار ليقفوا على بهائها النّضر وجمالها السّاحر.
فسليانة ما اكتفت ببهائها الظّاهر وثروات أرضها النّاتجة عن الأنشطة الفلاحية زرعا وضرعا ولم يقف زائرها على بدائع الرّومان بمكتاريس ومنجزات البربر بكسرى الجبل المنيع ولا مخازن القمح والشّعير يحجّ التونسيّون من كلّ الجهات لجمع محاصيله فيتذوّقون فاتن الطّعم من ثمرها وعسلها ولبنها ولحم ضأنها الفاخر وغير ذلك من لذائذ هذه المدينة النّاعمة بل إنّ الأرض بسليانة كنزت ثرواتها في تجاويف مغاراتها ولعلّ أبرزها في انتظار مزيد من الاكتشاف عين الذّهب مفخرة البلاد خازنة قلائد تونس…(ننتظركم بعين الذّهب).