مقالات

كنز تحت القباب يختفي

كتبت سونيا الابيضي من تونس

قد يُخيّل اليك وانت ترى القباب الترابية اللون المتلاصقة المترامية على مساحات رملية من الجنوب الشرقي للبلاد التونسية انك تعيش زمن القبائل…، زمن الانتصارات…، زمن العيش البدائي الجميل البسيط…، قد يُخيل اليك وانت تزور قصور مدنين انك تستمع الى عزف الناي الشجيّ و انت تتمايل منتشيا فوق ظهر سفينة الصحراء وتغوص في ازدحام من الهدوء والحسن و الجمال…، هنا النسمات مختلفة…، رقيقة مداعبة…، الروائح مختلفة، عابقة، عتيقة، الحجارة مختلفة، قديمة جدا تاريخية جدا وأثرية جدا… قصور مدنين هي الحضارة المطلة من تحت القباب .. تاريخ يحكي قصصا… تتجلى الحجارة في شكل تحفة معمارية.

لا تمضي بعيدا ان شدك الحنين الى تاريخنا الزاهر الجميل فقط زر مدنين في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية حيث الصروح والقصور والتاريخ والحاضر والمستقبل… حيث طيبة الأهل وحفاوة الاستقبال وحلاوة الروح والابتسامات المنتشرة على الوجوه… حيث قصور مدنين ذات الطوابق العلوية والارضية التي أراها اشبه بشهد نحل محصّن في ارض شاسعة أو قد تكون فكرة تشييد القصور آنذاك مستمدة من بيت النحلة او شمعها شكلا ومضمونا فان اختفى العسل بين جدران الشهد فقد خبأنا خيرات الجهة من مؤونة وحبوب بين جدران القصور في مدنين وما أشبه الجمال بالجمال.

بين خبايا أحد القصور اختفت أجمل العادات والتقاليد لجهة مدنين ولغيرها من العادات الاخرى في شكل متحف ان ولجته فإنك سافرت الى عالم الاحلام… من عالمك الحاضر بكل ما يحمله من تكنولوجيا ونسق سريع الى عالم الطمأنينة والهدوء والسكينة المريحة فتجد نفسك قد عدت بالزمن عشرات السنين… سوف تجد نفسك امام حسناء تونسية مدنينية تحيك لك ملابس صوفية بشكل تقليدي جدا. تجد نفسك شاهد على عقد قران بكل مراحله القديمة… تعيش حياة الصحراء والبادية… تشتم عبق التاريخ المنبعث من جدران رملية جبسيه حجريّة لا تزال صامدة في عصر البناءات البلورية.

قصور مدنين ان زرتها ليلا بتمازج الاضواء الملونة بكل هذا السكون بهذا الاريج القادم من القبائل البربرية… بغرفها الاسطوانية المضاءة وابوابها المقوّسة ومدارجها الحجرية البسيطة التي تربط بين الطوابق فإنك تصبح أحد ابطال الافلام العالمية الرائعة التي نراها فيبهرنا المكان ونحسبه ديكورا من صناعة السينما… أنت في قصور مدنين ستصبح المخرج والبطل والمتفرج معا… ستنصع انت الحدث.

قصور مدنين…لا، بل قل كنوز مدنين جادت الطبيعة وجاد علينا أجدادنا وبخلنا نحن على أنفسنا… ماذا لو حافظنا على نفس الطابع ثم اضفنا لمسة العصر وحولنا المكان الى نزل سياحي فريد من نوع…

ماذا لو صنفتها وزارة السياحة كأفضل الإقامات التي فيها تعود إلى زمن الرمح والقرطاس والقلم… ماذا لو تناغمنا مع ما شيده القدماء…؟؟

القصور الشامخة في مدنين هي حضارتنا وتاريخنا وهويتنا وتعاقب الثقافات على تونس… هي القباب التي تختفي تحتها الكنوز.

86840851_184934479489355_2229313379263053824_n

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى