السياحة العربية

“الباركور” في تونس .. “يحلق في الهواء” ويروج للسياحة | مجلة السياحة العربية

القاهرة – السياحة العربية 

بخطوات متسارعة وقفزات متتالية يطير طاهر وأنيس في الهواء، يتفنّنان في الحركة وبمهارة يتدحرجان فيجتازان كل الحواجز التي تعترضهما من أسقف وجدران، ينافسان الفهود في الخفة والمهارة.

ويبرع الشّابان في ممارسة رياضة الباركور أو كما تسمى برياضة الركض الحر، التي برزت في سنوات التسعين على يد الفرنسي دافيد بال، david Belle وعبرت الحدود لتتطور في مختلف البلدان الغربية، وهي اليوم تتلمس خطواتها الأولى في تونس والعالم العربي.

وذكرت وكالة “الأناضول” التركية، أن الباركور مجموعة حركات، الهدف منها الانتقال بين نقطتين، تفصلهما حواجز وعوائق متفاوتة في صعوبتها، وذلك بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، ويعرف لاعب الباركور بـ “الترايسوور”، موضحة أن طاهر النويري وأنيس بوخريص، تونسيان لم يتجاوزا سن الـ24 جمعهما عشقهما للباركور منذ 6 سنوات، فانطلقا في رحلة التعريف بهذه الرّياضة بإمكانياتهما الخاصة.

واختار الشابان في كل مرة موقعا سياحيا في بلديهما تونس، فينطلقان إليه بكاميرا ومعدّات بسيطة ليوثقا مشاهد لفن التّعلق والتحليق بالهواء، فيبرزان من خلالها قدرات جسدية فائقة، وحركات رياضيّة خطيرة.

أنيس وطاهر، حطّا الرّحال هذه المرّة في قرية تكرونة الأمازيغية الواقعة في ولاية سوسة شرقي البلاد، تلك القرية الصامدة فوق تلّة صخرية، واختارا القفز والركض فوق أسطحها ومبانيها.

وبدأت قصة طاهر مع الباركور منذ 8 سنوات، عندما علمه أحد أصدقائه حركة ركض حر (دحرجة في الهواء) وتوقع أن يقتصر الأمر على تلك الحركة وأن ينتهي بنهايتها ولكنه لم يكن يدرك أن المشوار مع الباركور قد بدأ فعلا حينها.

وأثارت رياضة الباركور إعجاب طاهر، على الرغم من أن اختصاصه الجامعي بعيد كل البعد عن ذلك، فهو خريج إدارة أعمال، وأصبح شغوفا بها عبر متابعة مقاطع متنوعة وفيديوهات على موقع “يوتيوب”.

وقال  طاهر الذّي التقته الأناضول رفقة أنيس في كرونة: “الباركور رياضة غير هينة بل خطيرة كنت في كل مرة أقول أنني سأتعلم حركة واقف عندها ولكنني في كل مرة أجد لدي إمكانات وطموحا أكبر يدفعاني نحو التطور”، مضيفا: “بدأت بحركات بسيطة ليكبر معي الحلم وتطورت شيئا فشيئا بهدف ابتكار أسلوب خاص بي تُخلق من خلاله حركات جديدة ولا تقتصر على إعادة استهلاك القديم”.

وتصنف هذه الرّياضة من بين الأخطر على الإطلاق وهنا يحدّثنا طاهر عن المخاطر التي كثيرا ما يتعرض إليها فيقول “الخطر يتكرر مع كل حركة تنجزها، ولكنك تصبح تدريجيّا أكثر توازنا وتقدر مدى خطورة أي مكان وأي حركة .

الأمر نفسه بالنّسبة إلى أنيس وهو خرّيج اتصال وملتيميديا، الذّي حدثنا عن حوادث تعرض إليها بسبب سقوطه أثناء ممارسة هذه الرياضة ما تسبب في انقطاعه لـ6 أشهر عن التّدريب، وقال إن كل حادث يعلمك أكثر ويجعلك تعرف حدودك، صحيح أننا بدأنا بتهور واندفاع ولكننا الآن أكثر توازنا وعقلانية.

وجمع الباركور بين أنيس وطاهر في صداقة بدأت منذ سنوات فهما يشكلان ثنائيا يخطو بثبات نحو تحقيق حلميهما في التعريف بالرياضة المفضلة لديهما والابتعاد بها عن المعتقدات السائدة بأنها مظهر من مظاهر العنف وحركة تُعتمد للسرقة والهروب من مواقف صعبة.

ورأى أنيس أنّ “ثمة نظرة سلبية للباركور إذ ينظر إليه على أنه مظهر من مظاهر العنف والسرقة في حين لا يرى الناس ما هو إيجابي فيها “، موضحا أن هذه الاعتقادات “الخاطئة”، دفعته ورفيقه إلى الاشتغال على السياحة “وهنا بدأت الأحكام المسبقة تتغير شيئا فشيئا”، يزيد أنيس.

وبحسب أنيس فإن جيل التسعينيات هم أول جيل حمل راية الباركور في تونس، ولكن هناك من لم يواصل واختار طريقا آخر لأسباب عديدة.

وتطرق الشابان لهذه الأسباب فيقولان، إن تونس تفتقر لتشجيع وتأطير للاعبي الباركور إضافة إلى انعدام فضاءات للتدرب وهو ما يجعل البعض غير قادر على التطور ، ويفقد حماسه تدريجيا، وقال طاهر “فكرت عديد المرات في الانقطاع وكأن شيئا من الإحباط واليأس أصابني، ولكننّي اكتشفت أنّ الأمر أصبح هاجسا لدي فكلما حاولت الابتعاد، عدت إلى التّدرب بقوة.

بدأت قصة أنيس مع الباركور بتحّد بسيط مع أصدقائه، تمثّل في اكتشاف من منهم قادر على تنفيذ حركة الدوران في الهواء بإتقان في أحد شواطئ العاصمة تونس، ومن هنا اكتشف قدراته على القيام بهذه الحركات الهوائية فبدا بتطوير ذاته أكثر فأكثر.

وأوضح  أنيس “الباركور يجعلني أبتعد عن ضغط الحياة اليومية، أمارسه كعشق وهواية ولكن ليس لدي طموح الاحتراف”.

وفي المقابل يطمح صديقه طاهر في أن يصبح رياضيا محترفا ومدربا في المستقبل للشباب الراغب في تعلم رياضة الباركور، ولم ينتظر طاهر وأنيس تمويلا من أحد، فهما يمولان نفسيهما بإمكانيات بسيطة ليصعدا السلم درجة بدرجة، يخطئان أحيانا، لكنهما يستفيدان من أخطائهما في تطوير قدراتهما، وقالا إنهما يُعرفان بأنفسهما من خلال فيديوهات لهما، إذ اختارا على مدى عامين منذ 2015، العمل على مشروع أطلقا عليه اسم “استكشاف تونس” (Tunisia explore).

وفي كل مرة يزور الشابان أماكن سياحية مختلفة في بلدهما، للتعريف بالباركور، ويؤكدان أنهما نجحا في جلب انتباه الكثيرين، للدرجة التي دفعت وزارة السياحة لاعتماد مقاطعهما المصورة للترويج للسياحة التونسية، دون أي مقابل، وفق قولهما.

وأضاف طاهر “عملنا اليوم كله مجاني ودون مقابل فقد رسمنا هدفا يتمثل في التعريف بالباركور في تونس”، ورفض طاهر التواصل مع أية وزارة من أجل تلقي الدّعم، وهو يرى في ذلك “مضيعة للوقت فالوصول إلى المسؤول أمر شبه مستحيل” وفق تعبيره.

من جهته، أكّد مستشار وزارة السياحة سيف الشعلالي، أن الوزارة دعمت فريقا واحدا من لاعبي الباركور وهم من التونسيين المقيمين في الخارج وبينهم شخص واحد يقطن بتونس وهو الفيديو الوحيد الذي اعتمد في صفحتهم الرسمية.

وقال طاهر وأنيس إنهما يسعيان اليوم إلى الاشتغال على مشروع جديد، يركز أكثر على نمط الحياة اليومي لهما ليصورا في أماكن عديدة لا تقتصر على المواقع السياحية.

وقد يلتقي طاهر وأنيس في عشقهما للباركور لكن طموحهما مختلف فالأول يرغب في الوصول إلى الاحتراف، وتدريب شباب آخرين، في حين يبقى الموضوع قصة عشق وهواية بالنسبة إلى الثاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى