مقالات

باجة شمعة تونس الوقّادة ومخزن غذائها وبهائها ..”دور الضيافة بانتظار قُصّادها الأكرمين” | مجلة السياحة العربية .. #السياحة_العربية

توننس : عمار التيمومي

تقترب عربتك من هضاب قدّت من أنس وقد عبرت مروج الخير ..إذ تمتدّ سهول بلا ضفاف ولا آفاق إلا ما يعمّها من قموح وشعير وحنطة وغيرها وإلى عهد قريب كان أهل الفلاحة ولوعين بقصب السكّر كيف لا وباجة عاصمة الحلا يستقرّ بها معمل السكّر الوحيد بالبلد وهو مفخرة أبنائها وبناتها يتغنّون به ويباهون:”باجي وحلوّ وزادوه معمل السكّر” فحلا روح الباجيّ أصيل فلكأنّ السكّر هو من اختارهم إذ هم الأقرب إلى طعمه وشذاه.. تضاريس باجة أشبه ماتكون بتضاريس بيروت والأهلون هنا وهناك يشتركون في البهجة والوجوه الطّلقة والإغراق في السّرور فالخير عميم والأنفس طيّبة.. كلّ أرض باجة حيّز لنماء الخير زرعا وضرعًا فحتى الهضاب هناك خصبة تنافس السّهول بل لعلّها تتفوّق عليها يقبل عليها الحارثون والعازقون فلا يخيب ظنّهم ولا يذهب عرقهم سُدًى.. فلا يُنثر حبٌّ هناك إلا نبت ولا تغرس فسيلة إلاّ أثمرت يعشق النّاس أديمهم الثّراء وثراهم النّعيم يجوز فيها قولنا السّائر أرضهم ذهبٌ..

والخيرات تجرّ الخيرات بهذه الأرض الشّمعة فترابها لا يعييه الإنجاب ولا يكلّ من طرح طيّب الثّمر.. كيف لا وسواعد أهلها عمول وسماؤهم سخيّة وكلّ غيماتها ولود لا تهبّ بها ريح لغير أرضها.. تتسامر الهضاب ليلا وقد أوت إلى حظائرها الدّواب تترنّح شبعًا فالكلأ في كلّ مكان.. تنطلق أنامل السيّدات إلى الضروع تستدرّ النعيم الأبيض بياض قلوب أهل باجة مساءً وفجرا فالإناث ولود ومعطاء وتهلّل الأسارير بعد أنّ قطّبها تعب يوم طويل ..ويُنقل الحليب إلى مخابر الخزن والتحويل ومصانع القشدة”الريقوتا” فخر باجة زد إليها الزّبدة و”الدّهان” واللّبن بباجة ثريّ تشتقّ منه مُحلّيات عديدة وتزدهر الحياة بمدينة هضاب الخير كيف لا والنّفع في كلّ شبر منها.. خضرواتها كثيرة وبقولها وفيرة وغلالها لذيذة ..قصيرة أيّامها لتعدّد الأنشطة مؤنسة لياليلها فالعقول منتشية والأنفس راضية …

تنتشر بباجة نُزل حميمة خدمات أهلها راقية فالباجيّ قليل الهذر كثير الفعل في صمت ومن استنشق هواها أسرته وسكن منه بسويداء القلب حنين لا يطفأ إلاّ متى عاود الرحلة ثانية وثالثة… حتى يدأب على الزيارة وكأنّه ابنها بالرّضاع كيف لا وهو من شرب حليبها وطعم كلّ مشتقّاته .. وأهل المدينة الشّمعة مضيافون بشوشون يصرفون كلّ همّهم لخدمة أضيافهم ولا تكلّ منهم أطراف ولا تنزعج سحنات..

ولعلّ ما يلفت نظر السّائح انتشار المضافات في ربوع هذه الولاية وهي عبارة عن بيوت ريفية فخمة تقوم في مزارع غنّاء عامرة تأوي إليها وكأنّك تأوي إلى بيتك بين أهلك وذويك فتحيا حياة الملوك في قصورهم الفخمة وكلّ من حولك منذور لخدمتك فيحلو الاستجمام والانتجاع ولا تطعم إلا من خيرات مزرعة المنزل وصنع أهليه وخدمه والثغور باسمة والسّماء حنون.. فتودّ الودّ كلّه لو أنّك ما غادرت النّعيم في فلقة من جنانه.. والطّبيعة صفو هادئة لا ضجّة ولاانشغال يعكّران أيّامك هناك.. فلا يحرجك إلا الضّجر من اقتراب ميعاد المغادرة والنّدم على أيّام عمرك التي أهدرتها بعيدا عن هذا الفردوس…

وإن انت غادرت باجة ودور الضّيافة فيها فستغادرها مثقلا بالأحلام والأعطيات فالعسل فيها بلا نظير والقشدة ومقطّرات الأعشاب النّافعة وزيوتها الفوّاحة ومشبّكات “الزّلابية” اللذية وكعك “المخارق” الخلابة وتمتلئ قفاف الخير من بلد الخير وترتسم بذاكرتك وجوه الأنس وطعم وليمة “الفتات” لا يفارق لسانك وأنفك… للّه ما أطيبها أرضًا! وما أحلى ما تُنتج! وألطف بسكّانها ألفةً وعشرةً! وأكرم بكلّ ساعة نعيم انفقتها بفراديس باجة البيّة!.. عليكم بباجة الخيرات يا أولي الألباب فهي خير المنتجعات .. سيحوا بأرضها لتعرفوا طعم الحياة…

55211300_339984536622322_8639372272622108672_n

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى